د. فهد صالح عبدالله السلطان
لم يعد التعامل مع الذكاء الاصطناعي أمراً اختيارياً بل أصبح ضرورة تفرضها ظروف العمل وبيئته. وبقدر الفوائد اللامحدودة التي يضيفها لنا الذكاء الاصطناعي خاصة في قطاع الأعمال بشقيه الحكومي والخاص فإنه يمثل مهددا لعمل الكثير منا..
وبالتالي فإن استخدام هذه التقنية الجديدة والتفاعل معها أصبح ضرورة تفرضها مستجدات المرحلة ومتطلبات العمل. الأمر الذي يتطلب من الشباب وضع هذه المستجدات التقنية في الاعتبار في مرحلة الدراسة والتحصيل واختيار التخصص المناسب لمتطلبات العمل المستقبلية وأيضا عند البحث عن وظيفة بحيث يركز بحثه عن الوظائف والأعمال التي لن تكون عرضة لإحلالها بالذكاء الاصطناعي.
ويبقى السؤال الأهم هنا هو: ماهي الأعمال التي تعتبر أكثر تعرضا لاكتساح الذكاء الاصطناعي وربما استبدالها بالتقنية وبالآلة قريبا؟
بداية، دعونا نتفق على أن إمكانات الذكاء الاصطناعي وقدرته على أن يقوم بكثير من الأعمال التي يقوم بها الإنسان في عصرنا الحالي لم تعد محل جدل كما كانت في السابق بل أصبح الكل يرى ببصره وبصيرته القدرات التقنية الهائلة التي تدعم الاستغناء عن الكائن البشري في كثير من الأعمال. وخروجاً من التنظير إلى الواقع دعونا نستعرض نتائج دراسة علمية حديثة أعدتها منظمة العمل الدولية في مايو من العام الحالي 2025 حول الأعمال الأكثر تعرضا لتأثير الذكاء الاصطناعي وربما إحلال التقنية والآلة محلها..
أعدت منظمة العمل الدولية دراسة مكثفة تحت عنوان: الذكاء الاصطناعي التوليدي للوظائف: «مؤشر عالمي منقح للتعرض المهني».. والتعرض المهني هنا يعني: مدى تأثر المهام التي تتكون منها وظيفة ما لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، شملت الدراسة 29000 وظيفة و1640 موظفا.
قسمت الدراسة مستوى التعرض إلى 6 درجات. والتعرض هنا يعني مدى تعرض المجال الوظيفي الذي يعمل به الكائن البشري حاليا لإحلال الذكاء الاصطناعي مكان الإنسان العامل. وفيما يلي المستويات الستة:
1 - ضئيل جدا: يشمل الوظائف التي لن تتعرض لتأثير الذكاء الاصطناعي.
2 - ضئيل: يشمل الوظائف التي ستتأثر تأثراً محدوداً جداً في الذكاء الاصطناعي.
3 - تأثراً محدوداً: يشمل الوظائف التي تتأثر تأثراً محدوداً في الذكاء الاصطناعي.
4 - تأثراً معتدل: يشكل الوظائف التي سيؤثر الذكاء الاصطناعي عليها بشكل معتدل لا يؤثر على استمراريتها.
5 - تعرض كبير: يشمل الوظائف التي سيحل الذكاء الاصطناعي محل كثير من مهامها.
6 - تعرض كبير جدا: يشكل الوظائف التي ستتعرض للذكاء الاصطناعي بشكل كبير.
وقد توصلت الدراسة إلى أن أكثر الوظائف أمانا من غزو الذكاء الاصطناعي هي التي تقع في المجموعة (1) أعلاه وهي الوظائف ذات العلاقة بالمهارات البشرية مثل الإبداع والذكاء العاطفي والتحكيم البشري والمهارات اليدوية والتفاعلية مثل القضاة والمحامون والأطباء والمهندسون المدنيون والكهربائيون وضباط الشرطة والمعلمون ورجال الإطفاء وغيرها من الأعمال المهارية واليدوية.
بينما وجدت الدراسة أن وظائف: مدخلو البيانات ومعالجة النصوص والمختصون في الموارد البشرية ومندوبو المبيعات والمحللون الماليون تمثل في معظمها الوظائف المؤهلة لذوبانها في تقنية الذكاء الاصطناعي وحله محلها يليها في قوة التأثر وظائف المترجمين والصحفيين والكتاب ومطوري التطبيقات والبرمجيات وموظفي الاستقبال ومن في حكمهم.
وفي المقابل، فإن الشيء المؤكد هو أنه مع كل النتائج التي توصلت لها هذه الدراسة وغيرها فسيبقى الإنسان مهيمنا على عمارة الكون وقائدا للإنجاز بل وعليه تقع مسؤولية حفظ البشرية بإذن الله من مخاطر التقنية المعروفة والتي أكد عليها الخبراء بما فيهم جفري هنتون أبو الذكاء الاصطناعي عندما أعلن في خطاب استقالته عن المخاطر التي ستترتب على هذا النموذج التقني الجديد، خاصة عندما تتفاعل الخوارزميات مع المعلومات ويحدث التعقيد ويتمكن الذكاء الاصطناعي من تطوير نفسه بذاته..
والأهم هنا هو ما الذي يجب على الشباب عمله في ظل هذه التطورات التقنية الهائلة.
في تقديري المتواضع أن على الجيل الجديد أن يركز على ما يلي:
1 - متابعة التطورات التقنية خاصة مستجدات الذكاء الاصطناعي بشكل مستمر.
2 - التدريب والتزود بالمهارات اللازمة للتعامل مع التطورات التقنية الحديثة والتي تستجيب لمستجدات المرحلة.
3 - العمل على كسب المعارف والمهارات التي تساعد على تسخير برمجيات الذكاء الاصطناعي لمساعدة الشخص على الإنجاز والابداع بدلا من قيامها بعمله وحرمانه من وظيفته.
4 - التركيز على التخصصات منخفضة التأثر بالذكاء الاصطناعي والتي تعتمد على المهارات البشرية بشكل كبير مثل الإبداع والذكاء العاطفي والحكم البشري والمهارات اليدوية والتفاعلية مثل: القضاة والمحامون والأطباء والمهندسون المدنيون والكهربائيون وضباط الشرطة والمعلمون ورجال الإطفاء وغيرها.
والله الهادي إلى سواء السبيل..