د.عبدالإله ساعاتي
خرج المنتخب السعودي الأول لكرة القدم من البطولة العربية التي أقيمت في الدوحة مؤخراً خروجاً مراً قاسياً أدمى قلوب محبيه بجراح الإخفاق.. فلقد ظهر المنتخب السعودي بصورة لا تليق بمكانة المملكة وتطورها الحضاري العريض في مختلف المجالات في عهد ازدهار وتحول نهضوي غير مسبوق بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين.
ويمثل هذا الخروج المؤلم امتداداً لابتعاد المنتخب السعودي عن البطولات طوال نحو ربع قرن من عمر الزمن، جيل رياضي سعودي كامل لم يفرح ببطولة لمنتخب بلاده الكروي.
غضب لا يلبث أن يتلاشى
المشكلة أنه مع كل إخفاق وخيبة أمل تنطلق ثورة غضب عارمة وتنهال الاتهامات في شكل سيل عارم.. ثم ما تلبث الأمور أن تهدأ ثم ينتهي كل شيء.. وكأن لا شيء حصل.. وتبقى الأمور على ما هي عليه حتى يحين موعد آخر مع إخفاق جديد عندها تثور ثائرة الرياضيين من جديد.. وهكذا.. لا يحدث أي تحرك فعلي أو حلول جذرية أو تغييرات نوعية موضوعية مدروسة.. فإقالة المدرب ليست في تصوري حلاً.. وإقالة رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم من أسهل الأمور لامتصاص الغضب الجماهيري ولكنها ليست حلاً.. فنحن بحاجة ماسة إلى تحول هيكلي شمولي Comprehensive Transformation ينطلق من الجذور ليصنع الفارق.. تحول يتجاوز مجرد إقالة مدرب أو مدير أو رئيس اتحاد.. فهذه قد تكون حلولاً وقتية ما تلبث أن تتلاشى.. لا تعالج المشكلة المرضية الأساسية.
تحول هيكلي.. لماذا؟
عندما أقول إن هناك حاجة ماسة إلى تحول هيكلي.. فإنني أنطلق في ذلك من معطيات رؤية المملكة 2030.. فمن أهدافها في المجال الرياضي.. «استهداف إحداث تحسن كبير في الأداء في الألعاب الرياضية الدولية «.. ومن أهدافها الإستراتيجية: «التفوق في الألعاب الرياضية وأن تكون المملكة من بين الدول الرائدة في مجال الرياضة إقليمياً وعالمياً». ومن أهدافها: «تحقيق التميز في الرياضات إقليمياً وعالمياً « وأيضاً من أهدافها : « تحقيق مشاركات مميزة في المحافل الرياضية إقليمياً ودولياً»، وكما نرى فإن نتائج المنتخب السعودي المخيبة لا تسير نحو تحقيق هذه الأهداف المنصوص عليها في الرؤية.
دعم غير محدود من الأمير محمد بن سلمان
لا ريب أن الاهتمام الكبير والدعم الهائل غير المسبوق الذي يقدمه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للكرة السعودية يمثل حجر الزاوية الأساسي لتحقيق تحول هيكلي جذري لقطاع كرة القدم السعودية.. وتحقيق التطلعات المأمولة.
يقول سموه -حفظه الله-: «حظيت المملكة العربية السعودية باستضافة أفضل الرياضيين من مختلف الرياضات وخاصة في كرة القدم، وذلك يأتي تجسيداً لعزمنا على أن تكون المملكة مركزاً عالمياً رائداً لمختلف الرياضات ونود توظيف شغفنا الكبير بكرة القدم نحو النمو المستمر لهذه الرياضة»، ولا سيما أن أمام المنتخب السعودي استحقاقات مهمة ومشاركات دولية كبرى.. في مقدمتها بطولة كأس العالم القادمة وبطولة كأس العالم 2034 التي ستقام في ربوع المملكة وبين ظهرانينا.. ولذلك فإن من الضرورة بمكان إعداد المنتخب على أسس تمكن من تقديم مستويات لائقة.. وتجنب الوقوع في فضائح كروية وهزائم تجرح كبريائنا.. وتدمي قلوبنا بجراح الإخفاق.
لا بد لنا من الاعتراف بأن المنتخب السعودي الحالي للأسف لا يرقى إلى مستوى الطموحات.. ولقد وصل إلى تصفيات كأس العالم بصعوبة بالغة.. بطلوع الروح!! ومن خلال ملحق.. رغم أنه لعب مع منتخبات في معظمها مستوياتها متواضعة.
هذه هي الحلول المقترحة
برؤية تحليلية لمجمل المشهد الكروي في المملكة.. ولا أريد أن أتناول هنا قطاع الرياضة.. وإنما أود التركيز هنا على قطاع كرة القدم فقط.. وبناء عليه فإنه يمكنني اقتراح الحلول التالية:
* أولاً: ضرورة تشكيل لجنة عاجلة من خبراء كرة القدم الأجانب الموجودين في الأندية الرياضية.
* ثانياً: البدء بمنح الجنسية السعودية للكفاءات والمواهب الكروية المتميزة.. وذلك في إطار برنامج سعودة الكفاءات في مختلف المجالات العلمية والفنية والترفيهية.. فالتجنيس هو أحد الحلول العاجلة لإنقاذ الكرة السعودية شريطة أن يكون التجنيس للاعبين على مستوى جيد يمثلون قيمة مضافة للكرة السعودية.. (فمن الأهداف الإستراتيجية لبرنامج التحول الوطني استقطاب المواهب العالمية ).. علماً أنه سبق تجنيس عدد من اللاعبين من قبل منهم أمين دابو وأحمد الصغير -رحمهما الله- ومعتمد خوجلي.
* ثالثاً: لا ريب في أن وجود عدد كبير من اللاعبين العالميين في أنديتنا وملاعبنا الرياضية يعد أمراً رائعاً نقل دورينا إلى مصاف الدوريات الكروية الأكثر توهجاً وقيمة ومتابعة على مستوى العالم.. وصحيح أنه لا يوجد حدود للاستعانة باللاعبين الأجانب في الكثير من الدول الأوروبية.. ولكن الوضع المتعلق بمنتخبنا الوطني الكروي يقتضي خفض عدد اللاعبين الأجانب لإتاحة الفرصة للاعبين السعوديين للعب مع أنديتهم.. وإتاحة المجال لظهور المواهب الوطنية بما يخدم في نهاية المطاف احتياجات المنتخب الوطني السعودي.
* رابعاً: هناك لاعبون سعوديون كبار كانت لهم صولات وجولات وقادوا المنتخب السعودي لحصد العديد من البطولات.. لعل منهم ماجد عبدالله وسعيد العويران وحمزة إدريس وصالح النعيمة ومحمد نور ومحمد عبدالجواد وحسين عبد الغني ويوسف الثنيان وصالح خليفة وفهد الهريفي وخالد مسعد وخميس الزهراني وعبده عطيف وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم. هؤلاء صنعوا مجد الكرة السعودية ويجب تشكيل لجنة منهم للاستنارة بآرائهم.. فمنهم نستقي الرأي المحلي الخبير.. الذي يتكامل مع الرأي الدولي الخبير.
* خامساً: تشكيل اتحاد كرة قدم يضم خبراء كرة دوليين.. ومنع أي تدخلات من أي شخصيات أو فعاليات محلية . . والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة كروياً.. مثل إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا والمغرب.. حيث لا يعرف الجمهور هناك من هو رئيس اتحاد الكرة لديهم.
* سادساً: ضرورة عقد شراكات إستراتيجية كروية مع دول متقدمة في المجال الكروي.. ولا سيما أن رؤية المملكة 2030 تؤكد على أهمية الشراكات الإستراتيجية في جميع المجالات.. فمن أهداف الرؤية بناء جسور التعاون مع الدول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.. وللشراكات الإستراتيجية دور مهم في تعزيز مكانة المملكة في الرياضة العالمية.
* سابعاً: إنشاء أكاديميات رياضية على مستوى عال عالمي في مختلف المناطق.. ويمكننا الاستعانة بخبرة نادي برشلونة فأكاديميته أنجبت عظماء الكرة على مدى السنوات في مقدمتهم (ميسى) و(لامين يامال).. بل إن منتخب إسبانيا الذي حقق بطولة كأس العالم في عام 2010 جميعه من خريجي أكاديمية برشلونة.. كما يمكننا الاستفادة من تجربة أكاديمية نادي بنفيكا البرتغالي.. الذي كسب من وراء بيع خريجي أكاديميته (476) مليون جنيه إسترليني.. كما أن منتخب البرتغال حقق بطولة اليورو في عام 2016 اعتماداً على لاعبين من خريجي أكاديميته.. وكذلك أكاديمية نادي سبورتنغ لشبونة البرتغالي الذي تخرج منه اللاعب الأسطورة (كريستيانو رونالدو).. وهناك أكاديمية ريال مدريد وأكاديمية آياكس الهولندي.. كما يمكننا الاستفادة من التجربة الإنجليزية وإستراتيجية الأكاديميات الشهيرة لديهم ( EPP - Elite Players Performance Plan ) وكذلك الاستفادة من إستراتيجية توسيع القاعدة (Grassroots Football ) زيادة أعداد ممارسي كرة القدم في المستويات السنية.. علماً أن هذه ضمن الأهداف الرياضية في رؤية المملكة 2030.
ونتساءل حقيقة عن ماذا قدمت (أكاديمية مهد).. وما مخرجاتها ؟! كما أن أكاديمية واحدة وللرياضات المختلفة لن تحقق أهداف تطوير كرة القدم.
* ثامناً: ضرورة تحسين البنية التحتية والمنشآت الرياضية لكرة القدم في جميع مناطق ومدن المملكة.. وهذا في الواقع من الأهداف الإستراتيجية الرياضية في رؤية المملكة 2030 وربما هو بحاجة إلى تفعيل وتسريع في التنفيذ.. فالكثير من الأندية في الكثير من المناطق ليس لديها مقرات.. والكثير من المناطق الملاعب فيها متواضعة وصغيرة في حجمها وإمكانياتها.. والمنشآت الرياضية تعتبر عاملاً أساسيا في أي نهضة كروية.
إستراتيجية اتحاد القدم قاصرة وضعيفة
تسنى لي الاطلاع على إستراتيجية الاتحاد السعودي لكرة القدم.. والتي ذكر أنها إستراتيجية تحول كرة القدم السعودية.. والحقيقة صدمت بمستوى الإستراتيجية - مع احترامي الكامل لرئيس وأعضاء الاتحاد – فهي للأسف ضعيفة وقاصرة.. فكما هو معروف في أدبيات التخطيط الاستراتيجي أن تكون الأهداف محددة قابلة للقياس.. وكما هو معروف أن الخطة الإستراتيجية تبقى خطة على الورق.. ما لم تكن هناك مؤشرات أداء واضحة ودقيقة ومدى زمني محدد.
للأسف وجدت في الإستراتيجية أهداف عبارة (عن أمنيات جميلة).. ولم تتضمن الإستراتيجية مؤشرات أداء واضحة ومحددة.
ولقد ذكر رئيس نادي الشباب السابق خالد البلطان أن إستراتيجية كرة القدم غير واضحة.
وفي وقت أكد فيه رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم الأستاذ ياسر المسحل أن الإستراتيجية تهدف إلى صناعة منتخب وطني يكون ضمن أفضل 20 منتخباً بحلول عام 2034م.. إلا أنه من غير الواضح حقيقة ما الآليات الموصلة لتحقيق هذا الهدف الذي نتمناه جميعاً!.
آليات علمية وعملية لوضع وتنفيذ الخطط والبرامج
أرى ضرورة وضع إستراتيجية جديدة شمولية من خلال ما يعرف بتحليل السوات SWOT Analysis بحيث يتم تحديد مواضع القوة ومكامن الضعف والفرص والتحديات للمنتخب السعودي.. ومن ثم توضع إستراتيجية عملية مبنية على أسس علمية لمسيرته المستقبلية
وكما هو معروف فإنه مهما كانت الاستراتيجيات والخطط جيدة فإن التنفيذ هو المحك.. ولضمان التنفيذ فإن من الضرورة بمكان وجود مؤشرات أداء KPIs وأقترح تطبيق مفاهيم الإدارة بالأهداف Management By Objectives بحيث تقوم اللجنة أو اتحاد الكرة الجديد بوضع أهدافه فيما يختص بالمنتخب في حضور سمو وزير الرياضة.. ويحدد مدى زمني لتحقيق هذه الأهداف وتحدد الإمكانيات والموارد المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف.. ثم في نهاية المدة الزمنية المحددة يتم الاجتماع مجدداً لبحث مدى تحقيق الأهداف المطلوبة.. وأسباب عدم تحقيقها إذا لم تتحقق.. وكيفية تعزيزها إذا تحققت.
أخيراً
إن دافعي لكتابة هذا المقال هو حرصي على منتخب بلادي.. ولا أملك سوى أمنيات بأن يحقق منتخبنا الوطني لكرة القدم تطلعات ولاة الأمر والمجتمع السعودي.. والله ولي التوفيق.