سليم السوطاني
تداول المتابعون، في المدة الأخيرة، نقاشًا دار بين بعض المهتمين بالجانب الثقافي والفكري حول فكر عبد الله القصيمي، عبر منصة «إكس»، واختلفوا بين مؤيد ومعارض لنتاجه الفكري، واتفاق وإنكار الطرفين لأفكاره الإلحادية.
أرى أن النقاش، عبر منصة «إكس»، صار متأزمًا بين بعض أرباب الوسط الثقافي، من غير أن تقرأ رأيًا حصيفًا يذكره الكاتب ويقنعنا بطرحه ورأيه، بل إن بعض ما يدور مجرد رمي حجر في مياه راكدة كي يلتفت الآخر إلى حسابه.
سأعرض هنا وجهة نظري بإيجاز في فكر القصيمي، وهذا الرأي بناء على قراءتي لغالبية مؤلفاته.
قد يجهل بعضهم أن هذا المفكر شاعر؛ لذلك فهو يجيد صياغة العبارات بأسلوب شاعري جميل، قد يخدعك لمعان كلماته دون أن يمسك القارئ بفكرة أو معنى حقيقي لطرحه.
التحوّل الخطير من اليمين إلى اليسار، ومن الإيمان إلى الإلحاد الذي حدث له أمر غريب، وسأطرح تساؤلًا: ما الذي يجعله ينكر الدين ويتحوّل من الإيمان إلى الإلحاد؟
نحن لا نعرفه على المستوى الشخصي، إلا أن بين أيدينا مؤلفاته، التي ترينا أنه في بداية رحلته الفكرية كان يدافع عن الدين، وعن السلفية، ويرد بحجج قوية على كل من يهاجم السلفية، وكان ينتصر بالحجج الدامغة التي يوردها ضد كل من يعارضه.
فجأة تحوّل إلى منكر، عبر كتبه التي تمثل المرحلة الثانية من اتجاهه الفكري، والتي لم أجدها كتبًا فلسفية عميقة تعتمد على الحجج المنطقية، وتبحث عن الحقيقة بتجرد، وتستند إلى مراجع موثوقة، وتفند وتفحص الشواهد وتناقش.. وإنما كانت كلها عبارة عن «استعراض إنشائي» تتوكأ على المجاز، وتجنح إلى الأسلوب الشاعري وتكرار العبارات!
ومن خلال جل كتبه، التي فيها تعدٍّ على الدين والذات والإلهية، وجدت أنه ناقم على الإنسان وعقله، وكأنه يعد نفسه من خارج البشر، ويقدس ذاته وفكره بشكل يشفّ عن رؤية موغلة في التعالي على الجنس البشري حتى يرى أنه لا ينتمي إلى وجودهم، فتراه يقلل من مستوى تفكير البشر بكل ما يخص الأنبياء، والرسل، والرسالات، وتصديقها.
من خلال ما ورد في كتبه، فإنني أُرجِع تحوّله هذا إلى اعتداده بنفسه، والزهو بفكره، وكثرة سجالاته مع العلماء الآخرين؛ ولا سيما بعد أن تصدى لمن يهاجم السلفية كما ذكرت... فوصل بفكره إلى حد الخيلاء، وربما تعرض إلى مواقف أخرى جعلته يبدو ناقمًا على الإنسان، فأصبح يرى أنه فوق الناس، وتنامى هذا المرض داخله حتى واصل في غروره وجعله يتجرأ ويخرج على العلن بما دار داخله من شكوك وأوهام، وينشر ترهات لا تنتمي إلى الفكر، خاليةً من المنهج العلمي، ولم ترتقِ حتى إلى مستوى التفكير والتأمل والبحث عن الحقيقة ،التي تكون دائمًا هدف أي مفكّر حاذق ومجتهد. ولا تتعدى سوى أنها إنشاء وضرب من صفّ الكلام وزخرفة الألفاظ دون معانٍ يصبها ليبيّن لنا عن اجتهاده في أفكاره.
لا أنصح القراء المبتدئين بقراءة كتبه، فقد يغترون بظاهر الألفاظ والتعابير الفضفاضة والجرأة الفجّة التي استخدمها في التقليل من عقل الإنسان ببشاعة، ودعوته إلى تصديقه واتباعه. وأرجع تحوّله الخطير إلى مرض الزهو وعُقَدٍ تنامت في داخله، فجعلته يتبع أوهامه ويصر على نشرها، وهي لا تعدو كونها أوهام إنسان يفكر بينه وبين نفسه، فتجرأ وأراد أن يسمعها الآخرون.