أ.د. محمد خير محمود البقاعي
تزخر صفحات تاريخ الإسلام الثقافي في أوروبا والعالم بصفحات مشرقة من الشغف بالإسلام وبنبيه، وأقف اليوم في هذه الزاوية عند لقاء قل نظيره في تاريخ الإسلام في أوروبا؛ لقاء بين علمين في مجالين مختلفين يلتقيان في شغفهما بالإسلام، وتقديمه بصفته مركب نجاة، ومركز إشعاع في أوروبا. إنه اللقاء الذي حدث في عام 1808م بين الإمبراطور نابليون بونابرت(Napoléon Bonaparte، )1821 -1769 م)، والشاعر والفيلسوف الألماني يوهان ولفغانغ فون غوته (1749- 1832) Johann Wolfgang von Goethe صاحب الديوان الشعري المشهور «الديوان الشرقي-الغربي» في مدينة أورفورت Erfurt، عاصمة ولاية تورينغن، وأكبر مدنها، في وسط ألمانيا، تشتهر بتاريخها العريق، وصبغتها الكاثوليكية.
لقد أخبر بونابرت غوته بأنه لا يتفق مع الصورة التي رسمها فولتير؛ فرانسوا-ماري آريه François-Marie Arouet 1778-1694-م) للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في مسرحيته التراجيدية: (Mahomet le Prophète ou le Fanatisme). «محمد الرسول أو التعصب،” التي كان الشاعر الألماني الذي يعد من أكبر محبي محمد شهرة، قد ترجمها على طريقته إلى الألمانية: «قال الإمبراطور عن مسرحية موليير: «ليست عملا جيدا»، ثم فصل القول في ذلك مضيفا: لم يكن من اللائق، ولا المناسب أن يقدم المنتصر للعالم عن ذاته صورة غير مناسبة إلى الحد الذي نجده في هذه المسرحية، كما نقل يوهان ولفغانغ فون غوته عنه ذلك في كتابه «أعمال متنوعة»، ترجمة جاك بروشات Jacques Porchat، باريس حوليات هاشيت، 1836م، من عام 1749 إلى عام 1822م، ص 307=Johann Wolfgang von Goethe, Mélanges. Traduction Porchat. Paris, Hachette, 1863 (Annales de 1749 à 1822), p. 307.
وذكر الدكتور لويس بلين في كتابه: «نابليون والإسلام»، (لدينا قيد الترجمة) الصادر عام 2025م، ص 203-204 الملابسات التي حدثت في هذا اللقاء بعد أن عرضت مسرحية فولتير في فرنسا أول مرة عام 1741م، وعندما طلب الدوق كارل-أَوْغُست(1757- Karl August (1828م) وكان بلاطه مركز إشعاع فكري في ألمانيا، وصديقاً مقرباً من غوته، فطلب منه عام 1799 أن يخرج مسرحية فولتير «محمد» في مدينة فايمار الألمانية، وقع غوته المحب لمحمد -صلى الله عليه وسلم- في مأزق تمكَّن من الخروج منه بترجمته هذه المسرحية بنفسه، فاختصر مقاطع الافتراء والتشهير على وجه الخصوص.
لم يعرض جوته الترجمة الألمانية لمسرحية فولتير على مسرح فايمار إلا بعد تردد، وعلى مضض؛ لأن غوته الشاب كان يرى في النبي الكريم محمد نبيا ذا شخصية كاريزمية ملهمة، عكس نظرة فولتير المتعصِّبة والعنصرية. ولم يرق هذا الاختصار لذوق الشاعر والفقيه والفيلسوف الألماني، صديق غوته وتلميذ كانط، يوهان غورتفريد هيدرJohann Gottfried von Herder (1744-1803م) وزوجته ماريا كارولين فلاشسلاند Maria Karoline Flachsland في مدينة فايمار؛ فكتبت هذه الأخيرة في مذكِّراتها، يوم الحادي والثلاثين من كانون الثاني/يناير: «لم أكن أتخيَّل قطّ أنَّ يرتكب غوته مثل هذه الخطيئة ضدّ التاريخ وضدَّ الإنسانية.
وكتب المستشرق الألماني المعاصر شتيفان فايدنر Stefan Weidner مراجعة لكتاب بعنوان: غوته والقرآن.