نجلاء العتيبي
في كل موقف يمرُّ على الإنسان في هذه الأرض يخرج جانب من جوانب الحقيقة التي يعيشها في ظل وطنٍ احتضن أبناءه والمقيمين فيه برُوحٍ لا تُخطئها العين.
وحين أتذكَّر تلك التجارب التي مررتُ بها أو سمعتها، أُدرك أن ما نعيشه ليس مجرد نظامٍ يُقدّم خدمة، وإنما حكاية إنسانية متجذرة في عمق تاريخ دولة جعلت الرعاية قيمةً ثابتةً، والرحمة نهجًا، والعدل وعدًا لا يتغيَّر.
سمعت مرَّةً ثناءً من أحد الإخوة المقيمين حول ما لقيتْهُ زوجته وأبناؤه من رعايةٍ خلال فترة الاضطراب الصحي العالمي، زمن ارتبكت فيه دول كثيرة، غير أن وطني تقدَّم بخطوات ثابتة، يحمل ضوءًا في يد، وطُمأنينة في اليد الأخرى، لم يكن حديثه مجرد شكر، كان دهشة صادقة من قلبٍ عرف الفرق بين واجب يُؤدّيه نظام، وعناية تمنحها قيادة ترى في كل إنسان أمانة.
أتذكَّر أحد الإخوة العاملين معنا، ذلك الرجل الذي كان يتكرَّر عليه المرض حتى صار جزءًا من جدول الأيام، احتاج إلى جهاز تنفُّس، وعناية خاصة، وتنويم في مستشفيات عدةٍ، خمس مرات، وربما أكثر مما قد تُسعفني به الذاكرة، كان يدخل إلى غرفة العناية مُحاطًا باهتمامٍ لا ينقص ولا يتبدَّل، لم يسأله أحد عن جنسية، لم يرتبك أحد أمام تكلفة، لم يتردَّد أحد في تقديم ما يلزم؛ ليعود إلى عمله وحياته، كان يُستقبَل كما يُستقبَل الابن حين يشتدُّ عليه التعب، تلك اللحظات رسمت في داخلي فهمًا عميقًا لمعنى الانتماء، ومعنى القيادة التي لا تترك أحدًا من البشر على أرضها.
عندما نتحدَّث عن مآثر الوطن، لا نفعل ذلك رغبةً في الزينة اللفظية، ولا بحثًا عن صورةٍ براقَّةٍ، وطني لا يحتاج إلى إشارة... معناه حاضرٌ في التفاصيل. ما نراه بأعيننا يجعل الكلمات تصعد من القلب قبل أن تصل إلى القلم، نشهد مواقف تنقل الإنسان من دائرة القلق إلى فُسحة الأمان، نرى كيف تُعامل الأُسَر في لحظات محنتها، وكيف تُمَدُّ يد العون دون انتظار، نرى كيف تُفتح الأبواب للمقيم قبل المواطن، وكيف يخرج القرار في أوقات الشدة مُحمَّلًا برحمة، ثابتًا في قيمه.
هناك دول تملك أنظمة، وهناك دول تملك روحًا، وطني جمع كل شيء، وقيادته تعرف كيف تُشعِر الإنسان أنه ليس مجرد رقم في سجلٍّ، وإنما كرامة يجب أن تُصان، ووجع يجب أن يُخفَّف، وحياة تستحق أن تُدعم، هذا الفهم يزرع فينا امتنانًا صادقًا، يجعل الدعاء يرتفع تلقائيًّا كلما مرَّ شريط الذكريات أمام أعيننا.
نحن نكتب بوَجدٍ؛ لأن ما نسمعه ونراه لا يُمكن تسطيحه أو اختصاره، فالتجارب التي تمرُّ بنا تُعيدنا إلى معنى الحماية، ومعنى المسؤولية التي حملتها دولتنا تجاه الإنسان، نشهد قراراتٍ تُبنى على الحكمة، ورؤية تشمل المستقبل قبل الحاضر، ومواقف إنسانية تجعلنا نُدرك أن الرحمة ليست شعارًا، وإنما ممارسة يومية تُعاش وتُلمس.
وفي لحظات التأمُّل الطويل، حين نقف مع أنفسنا لنراجع ما حولنا، نُدرك أن ما نعيشه اليوم ليس صدفة، وإنما نتاج مسار كامل من بناء متصل، صنعته قيادة تؤمن بأن رفعة الإنسان هي الطريق الوحيد لرفعة الوطن، نرى أثر ذلك في صحة تُحمى، وفي أمان يتسع للجميع، وفي قرارات تُعطي الأولوية للكرامة الإنسانية قبل أي اعتبار آخر، هذا الإدراك يجعل علاقتنا بهذا الوطن علاقة وفاء صادق لا يقوم على شعارات، وإنما على تجربة شخصية عاشها كل واحد منا بطريقة تختلف، لكنها تصبُّ في معنًى واحدٍ: نحن ننتمي إلى وطن يرى فينا قيمة، ويعاملنا كأمانة تستحق الرعاية، فنحن أهل عطاء دائم.
ضوء
«أرى المملكة العربية السعودية بعد 50 سنة من الآن مصدرَ إشعاعٍ للبشرية».
- الملك فيصل بن عبدالعزيز، - طيَّب الله ثراه.