د.شريف بن محمد الأتربي
أطلقت المملكة العربية السعودية رؤية 2030 بهدف التحول نحو مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، وأطلق معها برامج الرؤية التي فصل كل منها قطاعا أو أكثر من القطاعات الحكومية، ومن هذه البرامج؛ برنامج تنمية القدرات البشرية، والذي اهتم بقطاع التعليم في المملكة؛ فالتعليم يحتل موقعاً محورياً في خطط التنمية الوطنية للمملكة، حيث يمثل الاستثمار في رأس المال البشري أساسا للتحول الاقتصادي والاجتماعي المنشود ضمن الرؤية، ويمثل الإنفاق على التعليم مؤشراً رئيسياً على التوجهات الحكومية نحو تعزيز جودة التعليم، ودعم البنية التحتية، وتحفيز الابتكار العلمي. قياسا على ميزانية التعليم في عام 2025، فقد بلغت مخصصات التعليم حوالي 185 مليار ريال، وهو ما يشكل نحو 18% من إجمالي الإنفاق الحكومي السنوي. تركزت أغلب هذه المخصصات على تطوير المناهج، وتوسيع البنية التحتية للمدارس وإدماج أحدث التقنيات التعليمية، إلى جانب تخصيص 10 مليارات ريال لدعم التدريب المهني وتعزيز مهارات الطلاب بما يتوافق مع تطلعات سوق العمل.
خصصت الميزانية ما يقارب 8 مليارات ريال لبرامج الابتعاث الخارجي بهدف تنمية الكفاءات الوطنية في المجالات الحيوية، بالإضافة إلى دعم التعليم الأهلي والجامعات الناشئة بمخصصات بلغت 4 مليارات ريال، كما تم رصد 5 مليارات ريال لتعزيز التعلم الإلكتروني وتطوير منصات التعليم عن بعد وربط المدارس بالتقنيات الحديثة، وذلك في إطار التحول الرقمي في التعليم، وأيضا على مستوى المملكة.
شهدت مخصصات التعليم في ميزانية 2026 ارتفاعاً لتبلغ 192 مليار ريال سعودي، بزيادة ملحوظة نسبتها 3.7% عن العام 2025، كما وجهت الحكومة 12 مليار ريال لدعم التعليم التقني والمهني، مع التركيز على إنشاء معاهد متخصصة في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، بالإضافة إلى تخصيص 7.5 مليارات ريال لتعزيز البحث العلمي والابتكار، وذلك من خلال شراكات مع مؤسسات دولية وبناء مراكز أبحاث متقدمة.
لقد تم رفع مخصصات التحول الرقمي إلى 6 مليارات ريال لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي في المناهج التعليمية، كما استمر دعم برامج الابتعاث الخارجي بمخصصات بلغت 8.3 مليارات ريال، مع توسعة التخصصات المستهدفة لتلبية احتياجات التنمية المستقبلية. كما حظي أيضا التعليم الأهلي والجامعات الناشئة بدعم إضافي بلغ 4.5 مليارات ريال، بهدف رفع جودة التعليم وتعزيز تنافسية المؤسسات المحلية.
مقارنة مخصصات التعليم لعامي 2025 و2026
عبرت الزيادة الملحوظة في مخصصات التعليم لعام 2026 عن توجه الحكومة الواضح نحو الاستثمار في التقنيات المتقدمة، وتطوير البرامج الأكاديمية والبحثية، وتوسيع قاعدة الابتعاث الخارجي، مما يؤكد على حرص المملكة على بناء جيل مؤهل معرفياً وتنافسياً، قادر على قيادة التحول الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تظهر المقارنة بين ميزانيتي التعليم لعامي 2025 و2026 استمرار دعم الدولة للقطاع، مع تصاعد الاهتمام بالتعليم التقني والبحث العلمي والتحول الرقمي. وتسعى المملكة من خلال هذه السياسات إلى ترسيخ مكانة التعليم السعودي عالمياً، وتحقيق تطلعات رؤية 2030 في بناء مجتمع معرفي منافس، واقتصاد قوي ومستدام.
ولتوضيح الفارق بين ما تقدمه حكومتنا الرشيدة من دعم للتعليم في المملكة مقارنة مع ما تقدمه دول أخرى في نفس المنطقة او خارجها، كانت المقارنة مع دول الخليج كما يلي:
* الإمارات العربية المتحدة: يبلغ الإنفاق على التعليم نحو 9 مليارات دولار سنوياً (15% من الميزانية)، مع تركيز على التحديث الرقمي والتطوير الجامعي.
* قطر: تتراوح المخصصات بين 2 و2.2 مليار دولار سنوياً (10-12% من الميزانية)، مع دعم قوي للتعليم العالي والابتعاث الخارجي.
* الكويت: التخصيصات تقارب 12% من الميزانية الإجمالية، مع جهود واضحة لتحديث المناهج وتطوير البنية المدرسية.
ومع بعض الدول العربية كما يلي:
* مصر: حوالي 18 مليار دولار سنوياً (6% من الناتج المحلي)، يتركز الإنفاق على التعليم الأساسي مع تحديات مرتبطة بحجم السكان.
* المغرب: يخصص قرابة 5.5 مليارات دولار (17% من الميزانية)، مع توجه ملحوظ نحو التعليم المهني وربط التعليم بسوق العمل.
مع الولايات المتحدة وأوروبا كما يلي:
* الولايات المتحدة: الإنفاق على التعليم يتجاوز 800 مليار دولار سنوياً (قرابة 6% من الناتج المحلي)، ويشمل التعليم الأساسي والعالي.
* فرنسا: تُخصص 160 مليار دولار (10% من الميزانية، 5.5% من الناتج المحلي)، مع تركيز على البحث العلمي والتعليم الجامعي.
* ألمانيا: الإنفاق 130 مليار دولار تقريباً (8% من الميزانية، 4.5% من الناتج المحلي)، مع دعم قوي للتعليم المهني والبحث العلمي.
* فنلندا: حوالي 14 مليار دولار (12% من الميزانية، 7% من الناتج المحلي)، وتتميز بجودة التعليم الأساسي ونتائج الاختبارات الدولية.
على صعيد القيم المطلقة، تتفوق الدول الغربية الكبرى، لكن السعودية تحتل موقعاً متقدماً إقليمياً وتضاهي أحياناً نسب الإنفاق في بعض دول أوروبا المتقدمة، خصوصاً كنسبة من الميزانية العامة.
جدول مقارنة مختصر لمخصصات التعليم (2025-2026)
لقد أولت المملكة العربية السعودية ولازالت تولي للتعليم أهمية خاصة منذ نشأتها وخاصة بعد إطلاق برامج الرؤيا 2030، وهذا يظهر جليا في المبادرات والمشاريع التي تنفذها الوزارة، فالمملكة العربية تخصص واحدة من أعلى النسب المئوية من ميزانيتها لقطاع التعليم على مستوى المنطقة، وتتفوق بذلك على غالبية الدول الخليجية والعربية. وبينما تبقى الدول الغربية الكبرى متقدمة في حجم الإنفاق الكلي، فإن السعودية تقترب أو تتجاوز بعضها في نسب المخصصات من الميزانية، مما يعزز من موقعها في مسار تطوير التعليم وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية 2030.