د.شامان حامد
«عصرٌ يُعيد فيه الذكاء بناء الإعلام - فهل نستقبل المستقبل بوعي؟» بهذا الهمس الذي يكاد يُسأل كإنذار، «لم يعد المستقبل من حق من يملك القلم فقط.. بل من يملك الخوارزمية التي تمنح للقلم صدى».
فكيف يُعيد الذكاء الاصطناعي التوليدي كتابة قواعد الإعلام - في الداخل العربي، الغربي، والعالمي - وكيف يطرح أمامنا سؤال الهوية الإعلامية.
يا لها من حكايات «يوم الابتكار»: فماذا قال رواد الإعلام والتقنية؟. هنا وفي لحظة التحوّل هذه، يقف الإعلام بين مفترق الطرق: «هل سيظل صوت الإنسان حيًّا، أم يندمج داخل موجة الذكاء الاصطناعي؟». ففي نوفمبر 2025، احتضنت الرياض «يوم الابتكار» تحت مظلة شركة Salesforce، وبرزت مشاركة بارزة من المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) في جلسة تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي التوليدي ومستقبل الإعلام».
خلالها أكد رؤساء التكنولوجيا والتحرير في رؤية لـ 2030 أن الإعلام لن يبقى كما نعرفه. الجمهور لن يكتفي بـ«نقل المعلومة» فحسب، بل سيبحث عن تجربة إعلامية تفهمه، تُلهمه، وتُشركه في السرد، وكأنها بمثابة مرآة تعكس التوتر بين التقليد والابتكار، بين الخوف من الضياع والإيمان بجيل جديد من الإعلام - إعلام يُبنى على البيانات، لكنه لا يتخلى عن روح الإنسان بفرص تشرق، وتحديات تُقلق، فأما الفرص فوق تقرير حديث، 87% من المنافذ الإعلامية أقرّت أن الذكاء التوليدي غيّر جزئيًا أو كليًا طريقة عمل غرف الأخبار، بل وأن أدوات الذكاء تُستخدم في تفريغ المقابلات، المراجعة اللغوية، الترجمة، توليد مسودات أولية، وحتى تكثيف المحتوى - ما يمنح الصحفي فرصة التركيز على الجوانب الإبداعية والتحليلية. ويسهم في توسيع دائرة التأثير، ويقرب الإعلام من جمهور عالمي ولكن بعد إعادة توزيع الأدوار نحو الإنسان، فعلى المستوى المهني: هذا التحول يعيد تشكيل مستقبل الإعلام - ويوفّر فرصًا لمهارات هجينة: تحرير + تقنية + استراتيجيات محتوى ذكي.
أما التحديات والقلق الحقيقي أن نحو 89.9% من الصحفيين أجمعوا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يرفع من مخاطر التضليل والأخبار الخاطئة أو المحتوى غير الدقيق وفق دراسة نشرت في 2025، كذلك خطر فقدان الهوية الصحفية والتميّز الأسلوبي، وافتقار الشفافية في الإفصاح عن الذكاء المستخدم وهو ما ظهر نتاجه من خلال تحليل 186 الف مقال منشور في صيف 2025 عبر 1500 صحيفة أميركية، حيثُ وجد الباحثون أن حوالي 9% من المقالات كانت جزئيًا أو كليًا مولّدة بواسطة AI -، وهو ما يُهدد فرص العمل الصحفي التقليدي، خاصة في المهام الروتينية، وفق دراسة 2024–2025 التي بينت أن 16% من الصحفيين عرفوا خبيرًا فقد عمله بسبب تبني الذكاء الاصطناعي بسبب أزمة ثقة وربما هوية، جعلت الجمهور في مواجهة صدمة ثقافية، فكثير من القراء سيشعرون فجأة أن الصوت الذي يكتب لهم ليس إنسانًا، بل خط إنتاج. يمكن أن يولد أزمة وجودية للمبدعين، ومن هنا، يكمن التحدي الإنساني الحقيقي: أن نحافظ على «الروح» داخل الإعلام، رغم تسليم بعض المهام لـ الخوارزميات.
فإذا أُعطي الذكاء فرصة ليخدم - فليكن خادمًا للإبداع، ليس قاتلًا له. وإذا أُعطِي الإنسان فرصة ليحلم - فليكن صانع المضمون، لا مجرد متفرج.