زياد الجارد
بعد كل مشهد كوميدي، هناك لحظة صمت يعيد فيها الكاتب والممثِّل ترتيب النص والأفكار. وهكذا هي الحوكمة في بعض الشركات؛ تبدأ مليئة بالنوايا الطيِّبة، وتنتهي بحاجة إلى إعادة توزيع الأدوار قبل أن تخرج عن النص. فالهدف من الشراكات في الأصل هو النجاح والإنجاز، لا الحضور اليومي في تفاصيل الإدارة التنفيذية. لكن البعض يظن أن الحرص يعني التواجد المستمر، فيتحول الاهتمام إلى عبء، والرقابة إلى إدارة ظل، ومع الوقت تضيع الصلاحيات وتتداخل المسؤوليات.
إن فصل الشركاء عن الإدارة التنفيذية لا يعني تهميشهم، بل حماية دورهم الأهم والأسمى كموجّهين ومراقبين. فالملاَّك هم الجذر الذي يشد الشركة إلى الأرض، ويحميها من الانحراف، ودورهم في تشكيل الرؤية وتحديد الاتجاه يظل ركيزة لا يقل تأثيرها عن أي دور آخر. والإدارة وُجدت لتنفّذ، والمجلس وُجد ليوجّه ويحاسب، وحين يختلط المساران لا أحد يُحاسَب ولا أحد يُسأل، وتتحول الاجتماعات تدريجيًا إلى جلسة ودّية أكثر منها مجلس إدارة.
وهنا تظهر أهمية وجود مجالس فعَّالة تضم مزيجًا من خبرة الملاَّك ورأي الأعضاء المستقلين، فالعضو المستقل لا يدخل الاجتماع ليُرضي أحدًا، أو يجامل أحدًا، لكنه أيضًا لا يعمل بمعزل عن رؤية الملاَّك ومصالحهم. وجوده يُكمل الصورة، ولا ينافس أحدًا عليها، لأنه ينظر إلى القرار من زاوية مختلفة، ويسهم في إعادة النقاش إلى مساره الصحيح عندما ينحرف نحو العاطفة أو المجاملة. وعندما تلتقي خبرة المالك ورؤيتهم الطويلة المدى مع حياد المستقل وحرفيته، يصبح المجلس أكثر اتزانًا، ويُتخذ القرار بحكمة وموضوعية، وبين مصلحة اليوم ومصلحة المستقبل.
ولأن المشهد لا يكتمل دون مثال من الواقع، يمكن أن نطل قليلاً على اليابان. ففي عام 2010 واجهت شركة تويوتا أزمة عالمية بعد استدعاء ملايين السيارات بسبب مشكلة في دواسة الوقود. كانت الشركة في قمة نجاحها، لكنها اكتشفت أن نظامها الداخلي لم يكن بالانضباط الذي تُدار به خطوط إنتاجها. القرارات كانت مركزية جدًا، والمجلس يفتقر إلى أصوات مستقلة تراقب وتنتقد قبل أن تتفاقم الأخطاء. تضرَّرت سمعة الشركة وتراجعت مبيعاتها، لكنها اختارت أن تتعامل مع الأزمة بعقل لا بانفعال. أعادت هيكلة مجلسها، وزادت نسبة الأعضاء المستقلين، وفعَّلت آليات رقابية أوضح. وخلال سنوات قليلة، استعادت الشركة مكانتها، وتحولت الأزمة إلى درس عالمي في أن الحوكمة ليست إجراءات تنظيميَّة فقط، بل صمَّام أمان عند الشدائد.
وفي سياق مختلف، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع عبارة تختصر الكثير في عالم الأعمال والشركات: «لولا المصاعب لما وصلت»، فالأزمات هي اللحظة التي تتضح فيها الهياكل الإدارية وتُختبر فيها القرارات، ويظهر فيها الفرق بين شركة تتعلَّم وشركة تكرِّر أخطاءها.
من يتعامل مع المصاعب بعقلية تصحيحية لا انتقامية ويحسن قراءة الأحداث قبل تفاقمها، هو من يحافظ على الكيان والعلاقة والشراكة.
وحين تتضح الأدوار، وتُفعَّل المجالس، ويتوازن القرار بين خبرة الملاَّك وحياد المستقلين، تبقى خطوة واحدة نحو اكتمال المشهد: الشفافية والعدالة. وهما جوهر الحوكمة وروحها الحقيقية، والعنوان القادم لهذه السلسلة التي لا تزال تكشف لنا، مشهداً بعد آخر، أن الإدارة ليست مسرحاً للبطولة الفردية، بل عملٌ مؤسسي يحتاج إلى نظامٍ، وتوازنٍ، وصوتٍ يسمعُ الحقيقة كما هي.