أحمد بن محمد الغامدي
في مجالسنا، وبين نقاشات شبابنا ورجال أعمالنا، تتردد اليوم مقولة لم تأت من فراع، مفادها «الريال بـ10 في الصناعة»، عبارة تختصر حكاية وطن قرر ألا يكتفي بالاستهلاك، بل أن يغزو الأسواق العالمية بمنتجات تحمل شعار «صنع في السعودية»، حيث أصبح كل ريال يُستثمر في مصنع، يثمر عشرة أضعاف في جيوب أبنائنا، وفي قوة اقتصادنا، وفي هيبة مكانتنا بين الأمم.
المملكة اليوم ما عادت تكتفي بالبترول، بل شمرنا عن السواعد ودخلنا في الطريق الصحيح، نعيش -ولله الحمد- نهضة صناعية كبرى، انتقلنا فيها من الصناعات التحويلية البسيطة إلى «العيار الثقيل»، من كان يتخيل أن نرى أجنحة طائرات تُصنع هنا؟ أو سيارات كهربائية عالمية تنطلق من مدننا الصناعية؟ هذا هو «الطموح اللي ماله عنان»، حيث قفزت المصانع من نحو 8 آلاف إلى أكثر من 12 ألف منشأة، باستثمارات جاوزت 1.2 تريليون ريال، إنه الزمن الذي أصبحت فيه «همة السعوديين مثل جبل طويق» كما قال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «عرّاب الرؤية» حفظه الله.
تحولت مدننا من الرياض إلى جدة وينبع والجبيل والدمام والخبر وغيرها إلى خلايا نحل لا تهدأ، ليأتي قرار مجلس الوزراء بإلغاء المقابل المالي عن عمالة المصانع، ليكون بمثابة «الفزعة» الحقيقية والتمكين الذي ينتظره كل صناعي، هذا القرار ليس مجرد إعفاء مادي، بل هو رسالة واضحة لكل مستثمر: «أبشر بسعدك.. الدولة معك». قرار يستفيد منه 580 ألف عامل، ليخفف الثقل عن كاهل المصانع الوطنية، ويجعل المنتج السعودي «رقما صعبا» في المنافسة العالمية، ويؤكد أن قيادتنا هي «الذخر» والسند لكل من يساهم في بناء لبنة في صرح هذا الوطن.
عندما يتحدث معالي وزير الصناعة بندر الخريف، تشعر بالثقة والاعتزاز؛ فالرجل يتكئ على أرقام «تبيض الوجه»، مساهمة القطاع الصناعي قفزت لنحو نصف تريليون ريال، والصادرات السعودية وصلت إلى 180 دولة، يقول الخريف بلغة الواثق إن التسهيلات بلغت 100 مليار ريال عبر بنك التصدير والاستيراد، وصندوق التنمية الصناعي ما قصر مع أحد بقروض بلغت 93 مليار ريال، نحن اليوم لا نبني مصانع فحسب، بل نبني مستقبلاً لأبنائنا الذين يشكلون اليوم 31 في المائة من قوة العمل في هذا القطاع، بزيادة توظيف وصلت إلى 74 في المائة.
المستقبل
الرهان على الصناعة هو رهان على الاستدامة، وعلى «عزّ» يدوم للأجيال القادمة، حيث تسعى الدولة لمضاعفة الناتج المحلي الصناعي ثلاث مرات ليصل إلى 895 مليار ريال. ومع طرح أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال، يصبح القطاع الصناعي هو «الحصان الرابح» للاستثمار.
لقد أثبتت التجربة أن الاستثمار في المصنع السعودي ليس مجرد تجارة، بل هو مساهمة في بناء وطن يصنع غذاءه، ودواءه، وسلاحه، وسياراته، وأكدت أن «الريال بـ10» ليست مجرد معادلة ربحية، بل هي قصة عشق بين وطن ومواطنه، وقرار سيادي بأن تكون السعودية هي «المصنع الأهم» في المنطقة والعالم، فما دامت النية «صافية» والهمة «عالية»، فالسماء هي حدودنا.