لا تُقدِّم الفنانة التشكيلية السعودية إيمان الحميد أعمالًا يمكن المرور عليها مرورًا عابرًا. ما يُقدَّم هنا ليس مادة للعرض السريع، ولا تجربة تُستهلك في لحظتها، بل حالة تفرض حضورها على المتلقي منذ البداية، دون محاولة للإقناع أو طلب للقبول.
تنطلق تجربة الحميد من الداخل، من نقطة لا يمكن تجاوزها أو تأجيلها. ليست هناك رسائل جاهزة، ولا خطاب موجه، ولا سعي لإرضاء ذائقة بعينها. العمل يظهر كما هو، ويُترك للمتلقي أن يختبره بطريقته الخاصة، دون توجيه أو تفسير مسبق.
في هذا المسار، تتعامل إيمان الحميد مع العمل الفني بوصفه أثرًا ناتجًا عن تجربة عيش حقيقية، لا بوصفه منتجًا نهائيًا مغلق المعنى. ما يواجه المشاهد ليس فكرة مُعلّبة، ولا قصة مكتملة، بل حضور مفتوح يتيح التفاعل أو الاكتفاء بالمشاهدة، وفق ما يحمله كل متلقٍ من تجربته الخاصة.
تقوم هذه التجربة على مبدأ ترك المساحة مفتوحة. مساحة لا تُغلق التفسير، ولا تختصر المعنى، ولا تسعى إلى استهلاك سريع. ولهذا، لا يمكن التعامل مع هذه الأعمال كصور عابرة، بل كتجارب تتغيَّر قراءتها بتغيُّر الزمن والمتلقي والسياق.
ما يميِّز تجربة الحميد هو ابتعادها عن تقديم أعمال تسعى إلى الألفة السريعة أو الراحة البصرية. لا تحاول هذه الأعمال أن تكون مألوفة، ولا تُبنى لتتماهى مع الذائقة السائدة، بل تضع المتلقي أمام تجربة مباشرة، وتترك له قرار التفاعل أو الانسحاب دون فرض أو ادّعاء.
وتظهر التجربة الإنسانية في أعمالها لا كموضوع مباشر، بل كأثر متحوِّل. لا قصص تُروى، ولا رموز تُشرح، بل حالات تُقترح وتُستقبل بطرق مختلفة. ولهذا، لا تتكرر التجربة، ولا تُختزل في قراءة واحدة.
وتقول الفنانة إيمان الحميد: «لم أرسم شكلًا، بل رسمت حالة. العمل مساحة شعورية مفتوحة، لكل متلقٍ تجربته الخاصة معها».
بهذا المعنى، تقدّم تجربة إيمان الحميد نموذجًا لفن يعتمد على الأثر أكثر من التفسير، وعلى الحضور أكثر من العرض. وهو فن يترك صداه دون ضجيج، ويستمر بعد انتهاء لحظة المشاهدة.