عبدالعزيز صالح الصالح
الحمد لله المتوحد بالبقاء، كتب على خلقه الفناء جعل لكل شيء ابتداء وانتهاء سبحانه وتعالى القائل في محكم التنزيل {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران آية: 185).
وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (الرحمن آية: 26-27).
إيمانا بقضاء الله وقدره تلقيت خبر وفاة الأستاذ الكريم فيصل بن مُحمَّد بن عبدالله الحامد الشريف صاحب الخلق الرفيع والقلب الكبير يوم الاثنين 2-7-1447 الموافق 22-12-2025 السَّاعة الواحدة والنصف ظهراً - فأخذت أردد قول الله عزَّوجلَّ (إنا لله وإنا إليه راجعون) مرَّات عدَّة، وأن هذا مصير كل إنسان مِّنَّا في هذه الحياة الدُّنيا - لا بُدَّ من الرحيل مهما طال عمره وسار وجال على هذه الأرض المباركة، لا بُدَّ من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء يرحمه الله، فقد قال الشاعر الحكيم:
كذلك الموت لا يبقى على أحدٍ
مدى الليالي من الأحباب محبوباً
وقال شاعر آخر:
ما رأيت العيش يصفو لأحد
دون كدِّ أو عَناء أو نكدِّ
الكل منا يسمع ويرى أحداثا أليمة وفواجع قاصمة تحدث للبشر كافة - فهذه حال الدنيا لا تبقى على حال ولا يصفو لها مشرب، جبلت على العناء والعنت والمشقة، وإن طالها السرور أحيانا -كما قال الشاعر الكريم- من سره زمن ساءته أزمان.. ويقول أيضاً:
جمع الزمان فلا لذيذ خالص
ممَّا يشوب ولا سرور كامل
حيث يقف المرء تارة متأملاً ومتفكراً عن أحوال الناس وعجائب صنع الباري عز وجل فإن المصيبة التي من الله لا يخشى بها عار أو شماته، بل استسلام وخضوع وحمدٌ للذي لا يحمد على مكروه سواه.
بالأمس القريب كان حبيب الجميع (فيصل) يرحمه الله نجما من سماء (الحامد) بين أهله وأسرته وأفراد العائلة ومحيط مجتمعه، واليوم يغادر هذه الحياة الفانية يوم الاثنين بعد مرض عضال لم يمهله طويلاً. فقد رحل ذلك الرجل النقي التقي ذلك النجم الكبير فقد أحبه الناس وأجمعوا على محبته وبكاه الكثير وسط أحزان خيمت على قلوبهم لما عرف عنه من كرم وتقدير واحترام وبر بوالدته الفاضلة واعتنائه بأخيه الكريم من ذوي أصحاب الهمم العالية وحسن معاملته وأخلاقه الفاضلة معه؛ فهو يمتاز بشخصية عالية متسامحاً متعاوناً يحتل مكانة رفيعة في محيط مجتمعه وأسرته، يُنظر إليه بعين الإجلال والإكبار بالحب والاعجاب والاحترام والتقدير، يملك قدرة على إدارة المجلس ويشعل نار المنافسة بين كافة الحضور بدون استثناء، وذلك بالكلمة الطيبة والحكمة الرفيعة، يتحلى بلباس الودَّ والعطف والرحمة يحفز أصحاب الهمم ويحيي العزائم القوية، ويتحمل المصاعب والمتاعب لراحة من حوله متعففاً عن المحارم، محافظ على الصلوات الخمس جماعة، طلق الوجه، صبوراً على كافَّة المكاره التي تصادفه في هذه الحياة، يساهم بقدر ما يستطيع في أبواب الخير ويساعد كل بائس وفقير وضعيف.
كان يرحمه الله رحيله شامة باسقة وعلامة جوهرية في قلوب محبيه من القريب والبعيد - كان يرحمه الله رجل التواضع والابتسامة الحانية والبسمة الدائمة.
كان يرحمه الله من أصحاب المواقف الكبيرة مع القريب والبعيد كان يرحمه الله سليم الصدر من الحسد والحقد والضغينة لا يحمل شيئاً على أحد لا يتعرض أعراض الناس بخير أو شر، نحسبه كذلك والله حسيبه.
كان يرحمه الله يزرع في إخوانه وأخواته كل خصال الخير من البر والمحبَّة والمودَّة وصلة الرحم، فهو يعتبر كالشمس التي رحلت عنهم وبقي ضياؤها بعد غروبها فقد قيل..
تولّ وابق بيننا طيب الذكر .. كباقي ضياء الشمس حين تغيب
وبعد، فهذا الثناء والاحترام والتقدير والعرفان لهذا الرجل الفاضل - لأعبر عما يجول في خاطري تجاه هذا الرجل العصامي، فإن الحديث عنه يحتاج منا إلى صفحات عدة لكي أعطيه حقه من الإنصاف والعدل والمساواة جرَّاء ما قام به طيلة حياته من أعمال جسام لمحيطه الأسرى فلا أحد يستطيع من أفراد العائلة أن يتجاهل أعماله وأفعاله وكرمه المنقطع النظير فمنزل والدته العامر يشع بالحب والود والضيافة الأسبوعية وكل مناسبة سنوية فإنه بفضل الله وكرمه..
رحمه الله..كان يملك مهارة القيادة بحكمة واقتدار متأصلة منذ نعومة أظفاره فقد صقلته الحياة على مر السنين حتى ظهرت على السطح جليَّة – ولكنها مشاعر جالت بخاطر الكاتب..
أوجبها حق الوفاء لهذا الرجل الكريم أن أتحدث ولو بجزء يسير عما يتحلى به من أعمال وأفعال ومحاسن وخصائص حميدة وصفات عدة: فإن إخوانه وأخواته وبناته ينتابهم الفخر والاعتزاز أن يسترسل الحديث عنه عبر هذه الأسطر القليلة؛ فقد رسم ذلك الإنسان لنفسه طريقاً في هذه الحياة وظل يسير على هدى وبصيرة لا يحيد عن ذلك الطريق أبداً ولا ينحرف إلا بمقدار ما يسمح به دينه وحياؤه وعاداته وتقاليد مجتمعه، فإنه يتحلى بالمستوى الاسلامي الراقي في الثبات على المبدأ والاستقامة على المنهج القويم الذي رسمه سيد البشرية محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه؛ فالإنسان الذي يصل إلى هذا المستوى الرفيع من وضوح في الرؤية وعمق في الإحساس والشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقه يريح نفسه أولاً من التذبذب والضياع والهلاك والظلم والاعتداء على حقوق الآخرين ويريح الناس من حوله؛ فقد اشتهر صيته الطيب وسيرته الحسنة وسمعته الجليلة بين أوساط مجتمعه المتماسك والمترابط والمحافظ على المبادئ والقيِّم والأخلاق فإن الآذان تطرب لسماع تلك الكلمات والعبارات الجميلة عنه.
فقد استطاع بعد توفيق الله وكرمه أن يربح على مر السِّنين زملاء وأصدقاء أوفياء يعدون بالعشرات، بصرف النظر عن مقاماتهم وكياناتهم. كان يرحمه الله عندما تعرض إلى عارض صحي كان الإخوان والأخوات بجواره داخل المشفى - وكانوا يدعون له ليلاً ونهاراً بالشفاء العاجل، وكل من يزوره من قريب أو بعيد يدعو له كذلك.
لقد شارك في تشييع جثمانه حشد كبير من البشر من داخل محافظة الدرعية وخارجها ومن محيطها حيث إن جامع (منيره الناصر يرحمها الله) قد اكتظ بالمصلين من رجال ونساء وقد تحرك جمع غفير خلف جثمانه الطاهرة إلى مثواه الأخير إلى مقبرة العمارية - وألسنتهم تلهج له بالدعاء والرحمة والمغفرة والثبات على روحه بأن يغفر الله له جميع خطاياه وزلاته وعثراته وأن يتسامح عنه.
وخلال أيام التعزية لا يزال منزل والدته يستقبل المعزين من كل حدب وصوب، إنهم يعرفون مآثره الطيِّبة وسيرته الحسنَّة وبعض أعماله الخيرة، كما قيل في الأثر (المؤمنون شهداء الله في الأرض)؛ فقد آلم رحيله كل محبيه من والدته الكريمة وإخوانه وأخواته وبناته وزوجته، ولاشك أن سيرته الحسنة ستبقى خالدة بإذن الله في نفوسهم وأذهانهم وعقولهم إلى الأبد.
والله الموفق والمعين.