حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
هو حسن بن حسين بن إبراهيم الأسكوبي، فلكي من بيت علم وأدب، ولد في بلدة أسكوب، وهاجر مع والده وعمره سبع سنوات إلى المدينة المنورة وقد حفظ القرآن على جهابذة مسجدها العظيم، ومن مشايخه والده الشيخ حسين الأسكوبي، فقد درس عليه الهندسة والعلوم الرياضية، وكان أكثر اهتمامه بعلم الفلك وقد برع فيه، وحينما بلغ من العلم ما بلغ تصدر-رحمه الله- للتدريس في المسجد النبوي الشريف، وكانت حلقته من أكبر الحلقات العلمية الدينية، ولم تمض فترة حتى أمرت السلطة العثمانية بتعيين الشيخ حسن الأسكوبي إمامًا وخطيبًا في المسجد النبوي الشريف على المذهب الحنفي وله تلاميذ ومنهم: ولده الشيخ إبراهيم أسكوبي، والشيخ عثمان داغستاني، والشيخ طاهر سنبل، والشيوخ الثلاثة عبد القادر ومأمون وعارف بري، والشيخ دفتر دار، والشيخ عبد الجليل برادة، والشيخ زاهد محمد زاهد، والشيخ أحمد زاهد وغير هؤلاء.
وكان يلقي دروسًا في بيته بزقاق الكبريت، والشيخ ممن حباهم الله جلَّ في علاه سمة الذكاء والنباهة، فهو أحد علماء المسجد النبوي الأفذاذ المستنيرين، حيث سافر إلى أوروبا وأدرك عناية الأوروبيين بالعلوم العصرية آنذاك، فاستحسن من حضارتهم المراصد الفلكية، وكانت في ذلك الوقت من مستحدثات الأمور، وغرائب الصنعة في الحجاز، فاستورد مرصدًا فلكيًا، ولو أنه كان على علم بما سيجره عليه ذلك المرصد ما فعل غير أن القدر قد كتب على براقش جناية نفسها فما كان منه إلا أن أقام مرصده في سطح بيته، وأخذ يمارس خبرته وهوايته في رصد حركة الأفلاك، وتقدير سيرها ومنازلها، وقد انهمك في هذا العلم، فصار يسهر الليالي في مراقبة النجوم السيارة، غير أن علماء المدينة لم يرق لهم ما فعله الأسكوبي، فثاروا عليه، وأنزلوا ما على سطحه من مناظير واستطرلابات وزوايا، ورموه بالتشبه بالنصارى وقاطعوه وهجروه وأنكروا عليه، وكان من بينهم شاعر هو من تلاميذه وعرف بدوره الأدبي، ونبوغه الشعري، وهو الشيخ عبد الجليل برادة، صاحب الندوة الأدبية ذائعة الصيت في التاريخ الأدبي في المدينة المنورة، حيث عرض البرادة بالشيخ حسن الأسكوبي وهجاه في أرجوزة تتعدى على الابتكار، والإفادة من مستجدات الحضارة ومنجزاتها وجاء فيها:
ما قولكم في شيخنا الأسكوبي
يبيت طول الليل في الراقوب
يرقب منه الفلك الدوارا
مشابهًا في فعله النصارى
وقال أيضًا:
يا شيخنا دع النجوم سائرة
وعد إلى درس علوم الأخرة
سبحانه في ملكه النظير
جل عن الشبيه والنظير
ذات النجوم علمها للباري
جلت عن الآلات والمنظار
وهي قصيدة طويلة جدًا.
وكان الشيخ الأسكوبي إلى جانب علمه في الدين والفلك شاعرًا وشعره يدل على شاعرتيه التي جمع فيها بين الأصالة والحقيقة حيث رد على تلميذه عبد الجليل بقوله:
نسيت أن الله قد دعانا
في قوله ألم يروا مولانا
ولا ينافي الدين بحث ونظر
في ملكوت الله جلَّ من فطر
بل حثنا للفكر في الوجود
وما برا من عالم الشهود
ففي النجوم آية الكمال
لقدرة الله ذي الجلال
يمسكها مشرقة وغاربة
يعلمها خابية وثاقبة
ولم تغير هذه القصيدة شيئًا، ولا حركت ساكنًا لا سكنت متحركاً، واقتحمت داره، وأنزل المرصد من سطح بيته، وأسيء إلى فكره، فأورث ذلك في نفسه حسرة، فاكتأب واعتزل الناس في منزله، واكتفى بتدريس خواص طلابه، ثم أصيب بنوبة أودت بحياته، وانتقل إلى رحمة ربه سنة 1303هـ، وصلى عليه بالمسجد النبوي الشريف ودفن في بقيع الفرقد.
وقد سجل باسمه أول منجز حضاري يصل الحجاز في حقبة القرن الثالث عشر الهجري، ومن آثاره مزولة كانت بالمسجد النبوي، وله مؤلفات في علم الهيئة والميقات، وطريقة استعمال آلات المرصد الفلكية، وخلف مكتبة عامرة في هذا العلم، وقد بيعت جميع مكتبته وآلاته في تركة ابنه الشيخ إبراهيم أسكوبي، وله ذكر في مدونة تاريخ المدينة المنورة، وبموته فقدت المدينة عالمًا من علمائها الفطاحلة رحمه الله وأحسن إليه.
مصادر الترجمة ومراجعها:
- الأعلام 2/ 189.
- أعلام من أرض النبوة الشيخ إبراهيم بن حسن الأسكوبي.
- الأسكوبيان الشعر، والموقف. صحيفة مكة.
- الشيخ حسن بن حسين الأسكوبي.
المدينة المنورة. شبكة تراثيات الثقافة.