ميس رضا
الدعوة إلى تغليب لغة الحوار من المصطلحات الدبلوماسية الشائعة التي دائماً ما نجدها ضمن البيانات التي تصدر عن الدول حيال قضية خلافية معينة أو عدم توافق بين طرفين، فالحوار يولد من كلمة، والكلمة قد تشعل حربًا أو تفتح أبواب السلام، ومن هنا كانت دبلوماسية الحوار من أقوى أدوات القوة الناعمة وعُرف عن الخطاب الدبلوماسي بمدى أهميته وخطورته في آن واحد، إذ إن اللغة المستخدمة في التواصل بين الأطراف المتنازعة قد تُعمِّق الهوة أو تمهِّد لجسرٍ يعيد بناء الثقة المفقودة.
لم تعد دبلوماسية الحوار أسلوبًا نحتاجه في الحياة السياسية فحسب، بل أصبحت ضرورة في حياتنا اليومية، فالحوار من خلاله تُدار الخلافات وتُصان العلاقات ويُصنع السلام في أبسط تفاصيل الحياة، وقبل الاستفاضة في موضوع دبلوماسية الحوار، لا بد أن يتمتع الأفراد بقدرة حقيقية على الاستماع، لأن الاستماع هو الأساس الذي يُبنى عليه الفهم، ومن دون فهم لا يمكن أن يكون هناك حوار ناجح أو دبلوماسية فعَّالة، فكم من سوء فهمٍ هدم علاقات وكم من كلمةٍ لم يُحسن الاستماع إليها أشعلت خلافات وكم من حوارٍ فشل لأن أحد الأطراف أراد أن يتكلم أكثر مما أراد أن يفهم.
وبالنظر إلى المجتمعات التي تجمع طوائف متعددة وثقافات متعددة هل فكَّر أحد يومًا في سرِّ الترابط الذي يجمع هذه المجتمعات، إن سرَّ تماسكها لا يكمن في التشابه، بل في القدرة على إدارة الاختلاف بالحكمة، حيث كانت الكلمة الصادقة والحوار الهادئ أساسًا للتفاهم، فالحوار ليس مجرد تبادل للآراء، بل هو سبيل للاستقرار واستدامة العلاقات، ووسيلة لتحويل التنوع من مصدر للتنازع إلى عامل قوة وبناء.
ورغم تباين التعريف لمصطلح دبلوماسية الحوار إلا أنها تجتمع على مبدأ وهدف واحد وهو التواصل والتفاهم وبناء الثقة فالحوارُ دائمًا هو السبيلُ الأنجح لحلِّ الأزمات، فكم من أزماتٍ عالميةٍ كادت أن تعصف بالعالم، ثم انتهت على طاولة الحوار بدل ساحات الصراع، فمثلاً الأمم المتحدة عرفتها بأنها أداءة وقائية لإدارة النزاعات تقوم على الانخراط المبكر والاستماع المتبادل وبناء الثقة واحترام التعددية الثقافية والسياسية وتعد ركيزة في الدبلوماسية الوقائية وحفظ السلم والأمن الدوليين والوساطة وبناء السلام، بينما اليونسكو ترى أن دبلوماسية الحوار هي تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات باعتباره أساساً للتفاهم الدولي واحترام التنوّع ومنع التطرف والصدام وتربطها بالحوار الثقافي والدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة، أما الاتحاد الأوروبي فيرى أن دبلوماسية الحوار هي نهج رسمي في سياسته الخارجية ويعرفها بأنها آلية مستدامة لإدارة الخلافات وبناء الشراكات طويلة المدى حتى مع الأطراف المختلفة أو المتعارضة.
** **
- سفيرة الإيسيسكو للسلام