د. أحمد محمد القزعل
إنّ النّفس هي الجوهر النّفيس المطلوب سعادته، والتّزكية والتّعليم هما منهج الأنبياء في تربية الإنسان ووصوله إلى طريق الخير والتّوحيد، فطمأنينة القلوب هي في الوصول إلى الله؛ لذلك فإنّنا مطالبون بتزكية أنفسنا وتربيتها على الحب والرّحمة والعطف والشّفقة والحنان والأخوّة في الله، وهذه العوامل بمجموعها من أهمّ عوامل التّربية الإيمانيةّ في المجتمع المسلم، حتّى إذا تمكّنت هذه المشاعر من نفس الإنسان كانت أقرب إلى الله عزّ وجلّ، وإلى التّعاون بين أفراد المجتمع، وأدنى إلى التّكافل فيما بينهم.
ولقد بيّن القرآن الكريم حرصه على تنمية جوانب التّربية الإيمانيّة في آيات كثيرة: منها حرصه على تذكير النّاس بالتّقوى الّتي هي رأس الأمر كلّه فقال تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء: 1).
وفي ظل الحبّ والمودّة والرّحمة والتّقوى، توجد قيم الإيثار والتّضحية بما هو عزيز على النّفوس في سبيل سعادة الآخرين، فلابدّ للتّكافل الإجتماعيّ من قوم يؤثّرون على أنفسهم، ويضحّون بالغالي والنّفيس، فالمجتمع فيه الواجدون والمحرومون، وإذا لم يؤثّر الواجدون على أنفسهم، وإذا لم يضحوا بما يملكون لم يقم التّكافل ولا التّعاون.
ولقد رسم القرآن الكريم صورة مشرقة للإيثار في نفوس الأنصار من أهل المدينة المنوّرة، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة الحشر: 9).
كما حرص القرآن الكريم على تطهير النفس الإنسانية من الرياء، حتى يكون العمل الخيري التطوعي خالصاً لوجه الله لا سمعة فيه ولا رياء، فقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (سورة الإنسان: 8).
وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة: 262).
ثمّ إنّ الإسلام جاء بالمفهوم الواسع للإحسان، فهو لا يقتصر على الأغنياء وحدهم، بل حتّى الفقراء أمامهم مجال واسع للإسهام في التّكافل، وطلب الآخرة والثّواب، قال صلى الله عليه وسلم: ( كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه الشّمس، تعدّل بين الاثنين صدقة وتعيّن الرَّجل في دابّته فتحمّله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطّبيّة صدقة وكلّ خطوة تمشّيها إلى الصّلاة صدقة وتميط الأذى عن الطّريق صدقة) (صحيح مسلم).
فكلّ مفصل من مفاصل الإنسان عليه صدقة لله تعالى من خلال: فعل الطّاعات والخير والصّدقة كل يوم، وهذه الصّدقة تكون بتحركها في الطّاعة ونفعها للآخر واشتغالها بالعبادة لله عزّ وجلّ، فتركيب هذه العظام ومفاصلها من نعم الله على العباد، وكلّ عظم منها يحتاج إلى الصّدقة الّتي يتصدّق بها الإنسان عنه يكون ذلك شكراً لله على هذه النّعمة، واشتمل هذا الحديث على تعدّد أنواع الخيرات والطّاعات الّتي تكون صدقة مقدمة لله عزّ وجلّ، ونجد فيه الحثّ على الطّاعات بشكل مستمر، وتفضّل الله على العباد بأن يسر لهم الأعمال التّطوّعيّة، ثمّ أعطاهم الأجر عليها.
وهكذا نجد إنّ التّكافل في الإسلام إيماني ربّاني والمسؤوليّة فيه مزدوجة دنيويّة وأخرويّة، بينما في النّظام الوضعيّ مادّيّ دون روح أو تسامح.