عايض بن خالد المطيري
في لحظة تاريخية، أثبتت الرياض وإسلام آباد أن التحالفات لا تُبنى بالكلمات وحدها، بل الأفعال التي تتجاوز الورق وتعكس صدق العلاقات واستراتيجياتها المستقبلية. الابتسامات العريضة، الإيماءات الودية، واللمسات الخفيفة على الكتف ليست مجرد مظاهر استقبال مجاملة، بل رموز قوية للتقارب والثقة والاحترام المتبادل. مشهد الاحتضان بين رئيس وزراء باكستان وولي العهد السعودي أثناء زيارته إلى الرياض لم تكن مجرد لقطة عادية، بل رسالة واضحة تعكس عمق العلاقة بين الدولتين، وتؤكد أن المصير واحد، وأن التحالف يتجاوز الصداقة التقليدية ليصبح استراتيجية مشتركة على المستويين السياسي والعسكري.
في خطوة تاريخية، أعلنت الرياض وإسلام آباد منذ أيام عن اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك، تؤكد أن أي اعتداء على أحد البلدين يُعتبر اعتداءً على الآخر. هذه الصياغة الدقيقة تحول العلاقة من صداقة سياسية تقليدية إلى تحالف قائم على المصير الأمني المشترك. لم تعد الاتفاقية مجرد ورقة بروتوكولية، بل إعلان عن مرحلة جديدة من الالتزام العسكري والاستراتيجي بين دولتين تتشاركان الدين والقيم والمصالح والتحديات، بما يعكس جدية كل طرف في حماية أمن الآخر وفرض قواعد واضحة للردع.
العلاقة السعودية - الباكستانية ليست وليدة اللحظة؛ بل تمتد لأكثر من سبعة عقود من الدعم السياسي والاقتصادي والثقة المتبادلة. السعودية كانت دائمًا أقرب حليف إسلامي لإسلام آباد، تقدم الدعم في أوقات الأزمات، وتقف إلى جانبها في المحافل الدولية. أما الاتفاقية الجديدة، فتعزز هذا المسار بآلية دفاعية واضحة تجعل الأمن المشترك هدفًا لا حدود له، وترسخ التزامًا جماعيًا يتجاوز مجرد البروتوكولات الدبلوماسية، بما يؤكد أن التحالف قائم على المصالح المشتركة والالتزام المشترك تجاه أي تهديد.
أهمية هذه الخطوة تتجاوز العلاقة الثنائية؛ فحين نضع في الاعتبار ثقل السعودية الاقتصادي والروحي في العالم الإسلامي مقابل قوة باكستان النووية وجيشها المتمرس، ندرك أن الاتفاقية تمثل رادعًا استراتيجيًا لأي تهديد محتمل. في منطقة تتسارع فيها التحالفات الجديدة، تصبح هذه الاتفاقية شبكة أمان توازن القوى وتحد من أي مغامرات عسكرية غير محسوبة، ما يجعلها بمثابة إعلان صريح للجهات الإقليمية والدولية بأن أمن البلدين خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
ما يميز هذه الاتفاقية أنها ليست وليدة اللحظة، بل تتويج لمسار طويل من التعاون الدفاعي، تدريبات مشتركة، تبادل خبرات، وتنسيق أمني مستمر. اليوم، لم يعد التعاون مجرد تنسيق ظرفي، بل التزام مكتوب وعلني يفرض نفسه على الأمن الإقليمي والدولي. الاتفاقية قائمة على الردع وتعزيز الدفاع، لا على المغامرة أو فتح جبهات جديدة، ما يجعلها سياسة استباقية تُرفع من حسابات أي معتدٍ قبل التحرك، وتؤكد قدرة الدولتين على التصرف بحكمة وتوازن في مواجهة التحديات المشتركة.
الحقيقة أن الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان ليست مجرد وثيقة إضافية في سجل العلاقات الثنائية، بل إعلان عن مرحلة جديدة من الشراكة قائمة على التاريخ والمصالح المشتركة والتهديدات المتشابهة. في منطقة تموج بالتحولات، تمثل هذه الخطوة رسالة طمأنة لشعوب البلدين وجرس إنذار لكل من يحاول اختبار قوة التحالف أو المساس بأمنه. هي تعبير صادق عن رؤية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز التحالف الإسلامي وجعله قوة رادعة تحمي الأمن وتردع أي عدوان محتمل، وتضع المصالح المشتركة فوق أي اعتبارات مؤقتة أو ضغوط خارجية.