علي حسن حسون
في الخامس من أكتوبر من كل عام، يقف العالم وقفة إجلال واعتزاز احتفاءً بمن نذروا حياتهم وجهدهم في سبيل رسالة خالدة، هي رسالة التعليم؛ تلك المهنة التي تُعد مفتاح الوعي الإنساني، وجسر العبور نحو آفاق الارتقاء والتطور. فبفضلها تُضاء العقول، وتُفتح الأبواب أمام الإنسان ليبحر في عوالم الإبداع والاختراع والاكتشاف، حيث يسهم العلم في تطوير الفكر الإنساني وتسهيل الحياة، ويمكّنه من التعامل مع تحديات الوجود منذ أن وطئت قدماه الأرض وحتى المدى المعلوم من عمره.
إن هذه النظرة الفلسفية العميقة لم تولد إلا من تطور الإنسان ذاته، ومن وعيه بقيمة المعرفة التي صقلت وجوده ووسّعت مداركه ، فكما أن لكل علةٍ معلولاً، فإن لكل معرفةٍ معلِّمًا، ولكل وجودٍ واجد، حيث علّم الله الإنسان ما لم يعلم، فكان العلمُ أول طريقٍ سلكه الإنسان ليتعرّف إلى ذاته وإلى خالقه وإلى أسرار الكون من حوله.
ومن تمام شكر النعم أن نُقدّر أصحاب الفضل فيها، وإن أعظمها نعمة التعليم.
لذا، فإن تقدير المعلّم لا ينبغي أن يقتصر على قاعات الدرس، بل يجب أن يمتد إلى المجتمع بأسره، فحيثما حلّ المعلّم وجب أن يُستقبل بالاحترام والتبجيل، لأن ما يقدّمه لا يُقاس بمالٍ أو جاه، بل هو عطاء معنوي ونفسي سامٍ يستحق أن يُقابل بكل الامتنان، إن الدعم الحقيقي للمعلم ليس في الاحتفال به ليومٍ واحد، بل في أن نجعل التقدير له أسلوب حياة وسلوك مجتمع.
وفي نظري، لا يبتعد الأب الحقيقي عن هذه المكانة السامية؛ فالأب الذي يسعى لتطوير ذاته وتعليم نفسه، ويغرس في أبنائه حب العلم والأخلاق والسلوك القويم، يمارس في الحقيقة أسمى صور التعليم، فهو المعلم الأول والأب الثاني للروح، يجمع بين التربية والتعليم والقدوة في آنٍ واحد، فيُنشئ أجيالاً متزنة الفكر رصينة الخلق.
ختامًا، تحية حبٍ وتقدير إلى أبي الغالي، وإلى كل أبٍ ما زال يؤدي دوره النبيل في رعاية أبنائه والارتقاء بهم نحو مستقبلٍ أفضل ، كما أرفع أسمى التحايا لكل معلمٍ صادقٍ حمل مشعل المعرفة، وسار به في دروبٍ مليئة بالتحدي والعطاء.
أتمنى أن يكون يوم المعلّم يومًا للتقدير الحقيقي للأب والمعلّم معًا، وأن نترجم امتناننا لهم بأفعالٍ ملموسة تعبّر عن عرفاننا، فهما معًا يشكّلان النواة الأولى لكل نهضةٍ، والمصدر الأصيل لكل ضوءٍ أضاء عتمة الجهل في هذا العالم.