د. محمد بن عبد الله المشوح
ابتدأت علاقتي مع الأستاذ الأديب الكاتب محمد بن عبدالله الحمدان؛ الذي توفي يوم الاثنين، (2/ 7/ 1447هـ)، (22/ 12/ 2025م) قبل ما يقرب من ثلاثين عامًا.
حيث كنت أتردد على المناسبات والمجالس الثقافية في الرياض، وكان حاضرًا في كل مجلس ومشهد واحتفال.
وكنت قد قرأت مبكرًا بعض كتبه التي كان لها شهرة خاصة، مثل كتابه «حميدان الشويعر»، وتوثقت الصلة وزادت عند انطلاقة ثلوثية محمد المشوح في عام (1422هـ)؛ حيث كان -رحمه الله- أحد الملازمين والمواظبين على حضورها.
كنا في تلك الفترة نفزع ونستنجد بالصحف لكي تنشر خبر الثلوثية، فكان يتابع أخبار الصحف، ويقرأها بشكل يومي بل دقيق، فإذا وجد خبر الثلوثية بادر إلى الحضور، وكان في بعض الأحيان يفوت النشر من قبل الصحف عن خبر الثلوثية، فينشر خبرا لاحقا عن إقامتها. فيتصل، ويقول متسائلًا: لماذا لم تخبروني بهذا المجلس وهذه الثلوثية؟!.
بعد استمرارها ومواظبة أبي عبدالله -رحمه الله- على الحضور كنت أخصه برسالة خاصة من الثلوثية، فكان يحضر ويشارك ويعلق.
كان من عادته -رحمه الله- لمن يعرفه تمام المعرفة أنه لا يحضر مجلسًا إلا وقد تأبط بعض الكتب والأوراق التي صورها، فقد يجد قصاصة أو خبرًا أو معلومة أو مقالة أعجبته فيقوم بتصويرها في آلة التصوير الموجودة في بيته، وهكذا كان -رحمه الله- متعلقًا وعاشقًا ومحبًا ومولعًا بالكتاب والمعرفة والقراءة.
كان -رحمه الله- أحد مشاهير وقناديل المعرفة والثقافة في الرياض، فلا تجد محفلًا أو مجلسًا ثقافيًا إلا وقد حضر.
وعندما انطلقت اثنينية شيخنا محمد العبودي -رحمه الله- التي كنت أديرها كل اثنين، كان -رحمه الله- لا يتخلف حين أشعرته بذلك؛ للعلاقة الحميمة القديمة التي تربطهما، وكان كرسيه معروفًا، مقابلًا للشيخ في المجلس، فيفرح كل واحد منهما بالآخر ويبتهج.
وأذكر في تلك الحال أن الأستاذ محمد الحمدان كان أول من كتب عن «معجم الأمثال العامية في نجد»، الذي نشره الشيخ محمد العبودي أول طبعة له عام (1379هـ)، فكتب مقالة مطولة عنه أبدى فيها الثناء والإعجاب والتقدير بهذا العمل، واستمرت العلاقة بينهما ممتدة، وكنت أشهد حفاوة كل منهما بالآخر.
وزادت علاقتي بأبي عبدالله، واتصلت، فكان يسأل كل يوم عن الجديد من الإصدارات والكتب، ويسأل عنها، ويطلب تزويده ببعض منها. لا يفتر عن السؤال عن الجديد والمفيد من ذلك.
لم يكن -رحمه الله- مجرد قارئ فقط، بل مشارك وناقد، وكانت مشاركاته في الصحف والمجلات لا تتوقف كل أسبوع، بل كل يوم.
ومن ملامح شخصيته المحمودة -رحمه الله- شكره لمن أسدى إليه خدمة أو معروفاً، كما فعل في شكره للشيخ محمد العبودي؛ حيث زوده بنسخة -مخطوطه- من أشعار حميدان الشويعر، ثم قام أبو عبدالله بجمع كافة أشعاره في كتابه الذي نشره «ديوان حميدان الشويعر»، وكذلك أثنى على كتابه عبدالله الفوزان عن حميدان؛ حيث صدر الكتابان متزامنين، بل إنه دون أسماء من أقرضوه عند بناء بيته، ومن أعانه في الأرض التي بنى عليها بيته، وهذا والله من الوفاء النادر في هذا الزمان .
كما كان كثير الأسفار والترحال، وزيارة البلدان، ولا أدري هل دون شيئاً منها؟!.
وكذلك غيرته على اللغة العربية، وتصحيحه للأخطاء التي ترد في بعض المقالات، فكان يصحح ويصوب للآخرين في مقالاتهم أو في عناوين كتبهم أو غير ذلك، وإذا وجد خطًا أو تجاوزًا في أمر فإنه يعقب عليه تعقيبًا رصينًا ومهذبًا.
وفي سنواته الأخيرة كان أولاده حفظهم الله يرافقونه في حضوره للمناسبات الثقافية، وخصوصاً الدكتور عبدالله -جزاه الله خيرًا- .
واستمرت مشاركاته المتعددة وإسهاماته العلمية والثقافية حتى في مؤلفاته التي امتازت بالرصانة والجدة، ومن ذلك أنه كتب عن السامري، والهجيني، وحميدان الشويعر وجمع مقالته في كتاب أسماه «من أجل بلدي»، ومشاركاته الصحفية التي كان ينشرها، وغير ذلك من المشاركات التي كانت لا تتوقف.
قررت في ثلوثية محمد المشوح أن يكون الأستاذ القدير محمد الحمدان أحد الشخصيات المكرمة والمحتفى بها في هذه الثلوثية، واتصلت به وطلبت منه ذلك.. فوافق مشكورًا -جزاه الله خيرًا-، متبعًا ذلك بتواضعه وعدم استحقاقه لهذا التكريم، لكني ألححت عليه بهذا التكريم، وقلت: لا بد أن نحتفي بك، وأن نقدر عملك وجهدك ومشاركاتك المفيدة، وكان ذلك مساء الثلاثاء 25/ 2/ 1439هـ.
حضر جمع غفير، وكان على رأسهم معالي شيخنا محمد العبودي، ومحبو العلم والثقافة، وزملاؤه وأقرانه، إضافة إلى أبنائه الكرام البررة الذين حضروا معه وعاضدوه وساعدوه في كل ما يحتاجه في تلك الليلة من إعانة على الحديث، وعلى استذكار بعض الجوانب من حياته ومؤلفاته.
كانت ليلة مشهودة، ومن ذلك ما يتعلق بهذه الثلوثية، والتي كشف فيها الأستاذ محمد الحمدان -رحمه الله- عن تعلقه منذ طفولته بهواية الاطلاع وقراءة الكتب والصحف والمجلات، وجمع الكتب والجرائد والمجلات والدوريات القديمة بقصد الفائدة؛ الأمر الذي تسبب بامتلاء منزله بها، مما دفعه إلى فتح مكتبة تجارية، وهذا ما تحقق بالفعل.
وقال: سميت المكتبة باسم ابني قيس، وأصبحت المكتبة تعج بنوادر وطرائف الكتب والجرائد والمجلات والمخطوطات، ولم يخف الحمدان القول بأنه اضطر إلى بيع أجزاء كبيرة منها لاحقًا لإكمال بناء منزله الجديد.
جاء ذلك في أمسية احتفائه في ثلوثية الدكتور محمد المشوح، الذي رحب بالمحتفى به، ووصفه بالعاشق للكتاب والمعرفة، الذي بذل جهده ووقته للناس ونفعهم، وتكريمه في هذه الأمسية هو امتداد لما سارت عليه الثلوثية في تكريم الرواد ورموز المجتمع.
كما تحدث الشيخ محمد العبودي الذي نوه بالعلاقة التي تربطه بالحمدان منذ أكثر من خمسة عقود، واستذكر جانبًا من المواقف مع رفيق دربه في رحلة الكتاب. واستعرض الحمدان في الثلوثية التي أدارها سعد النفيسة شيئًا من طفولته وسيرته، وقال:
ولدت في بلدة «البير»، وبعد سنتين توفيت أمي -رحمها الله-، ولما بلغت سن التاسعة توفي والدي -رحمه الله- عام (1366هـ)، وكان قارئًا للقرآن الكريم، وطالبًا للعلم، وقد عين إمامًا لمسجد سلام الخاص بالأمير عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود.
وأضاف: درست في الكتاب في «البير» القرآن الكريم، وبعض العلوم، والمطوع هو عبدالرحمن بن زومان -رحمه الله-، وقد تأخر فتح المدرسة الحكومية في قريتنا «البير»، وفتحت المدرسة في تمير؛ حيث كان جدي إمامًا لجامعها، وذلك عام (1371هـ)، فالتحقت بها، وفي عام (1374هـ) فتح في الرياض معهد إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومديره صالح بن شلهوب، فسارع جدي لإلحاقي به، وتخرجت منه عام (1379هـ)، وإضافة إلى الدراسة النهارية في المعهد واصلت الدراسة الليلية في مدارس وزارة المعارف، فتخرجت من الابتدائية عام (1375هـ)، والمتوسطة عام (1380هـ).
وقبل التخرج من الكلية بسنتين اضطررت للالتحاق بوظيفة حكومية، وأكملت دراستي في الكلية منتسبًا عام (1383هـ)، وتعينت في وظيفة بإدارة الكليات والمعاهد العلمية، وانتقلت من الديوان الملكي إلى مكتب العمل بالرياض في حوالي عام (1383هـ)، فانتقلت لإمارة منطقة الرياض، وفي عام (1400هـ) طلبت التقاعد المبكر، وبعد حوالي ست سنوات رجعت للعمل في الإمارة متعاقدًا بوظيفة مستشار ثقافي بمكتب سمو أمير منطقة الرياض، في المرتبة التاسعة حتى عام (1415هـ).
وأشار إلى أن مكتبته تعج بنوادر وطرائف الكتب والجرائد والمجلات والمخطوطات، كمجلات الرسالة والثقافة والمقتطف والسياسة الأسبوعية والبلاغ الأسبوعي، والكشكول، والمقتبس، وتطوان، وجريدة العرب الباريسية لصاحبها يونس بحري، ومجلة أخبار الحرب والعالم، والمعرض الأسبوعي «اللبنانية»، ومجلة المعهد المصري التي صدرت في مدريد بإسبانيا، ومن المحلية: أم القرى، وصوت الحجاز، ثم البلاد، وبريد الحجاز، والقبلة وقريش والقصيم والندوة (أحمد السباعي)، والندوة (صالح جمال)، وحراء (صالح جمال)، وعكاظ (أحمد عبدالغفور عطار)، واليمامة (حمد الجاسر)، ,مجلة الجزيرة (عبدالله بن خميس)، وأخبار الظهران عرفات (حسن قزاز)، والأضواء (محمد سعيد باعشن)، وراية الإسلام والإصلاح والنداء الإسلامي والإذاعة والإشعاع (سعد البواردي)، والزراعة، والرائد (عبدالفتاح أبو مدين)، والخليج العربي، ومئات الجرائد والمجلات القديمة، (معظمها من عدد واحد للعرض)، صدرت من أنحاء العالم باللغة العربية من باريس ونيويورك وغيرهما.
وقد استفاد من المكتبة الكثير من الباحثين والباحثات وهواة الإصدارات القديمة والنادرة.
وحول مجال التأليف قال: ألفت بعض الكتيبات؛ «بنو الأثير الفرسان الثلاثة»، من سلسلة المكتبة الصغيرة التي أصدرها الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله-، وهو تراجم، واستعراض لمؤلفات الأشقاء الثلاثة، «ابن الأثير المحدث»، «صبا نجد في الشعر والنثر العربي»، و»ديوان السامري والهجيني»، يضم نصوصًا مختارة من المأثورات الشعبية القديمة، و»ديوان حميدان الشويعر»، و»البير» عن قريتي من سلسلة (هذه بلادنا)، التي تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، و»معجم المطبوع من دواوين الشعر العامي القديمة».
ثم لم تتوقف العلاقة مع الفقيد الأستاذ محمد الحمدان -رحمه الله- عند هذا، بل استمرت إلى اتصالات شبه أسبوعية معه؛ يسأل ويستفسر عن جانب معين أو كتاب صدر، أو عن نقص عنده في مكتبته.
ومنها أنه أرسل لي قائمة بالكتب الموجودة في مكتبته من إصدارات دار الثلوثية، وخصوصًا مؤلفات الشيخ محمد العبودي، ووعدته بأن يتم استقصاء ما هو ناقص، وتزويده بها.
وفعلًا جمعت له جميع النواقص من الرحلات والمعاجم، وأرسلتها إليه، فشكر واستبشر، وكان هذا من الواجب الذي أقدمه له -رحمه الله-، ثم أتبعه بجملة من مؤلفاته، وكتب عليها إهداءً بخطه -رحمه الله-.
ومن ثمرات هذه العلاقة الوطيدة معه -رحمه الله- والتي يعتز بها كثيرًا أني طلبت منه أن أقوم بزيارة مكتبته، فوافق - رحمه الله-، وقمت بزيارة مكتبته في يوم الاثنين، (6/ 2/ 1443هـ)، الموافق (13/ 9/ 2021م). وكانت زيارة أعتز وأبتهج بها.
ومن مشاهدات هذه الزيارة لمكتبته؛ أنها مكتبة قديمة حدثني أنه أنشأها في عام (1390هـ)، وكان مبتدؤها في حي البديعة، وأخبرني بطرفة حول هذا الأمر؛ وهو أنه استأذن البلدية آنذاك والأمانة عن طريق الأمين عبدالله النعيم، فأذن له بفتح باب من بيته على الشارع؛ لأنه ليس شارعًا تجاريًا، بمقدار متر ونصف.
يقول الأستاذ محمد: فقلت له: إنك قد حصرت رزقي في متر ونصف، فمازحه عبدالله النعيم، وضحك، وقال: إن هذا الأمر مزح، يقول: فرددت عليه فقلت له: أنا أمزح أيضًا.
الفقيد لأستاذ محمد الحمدان له تعلق عجيب بالكتاب، بل هو من الكتاب السعوديين المبكرين، فله كتابات في الصحف السعودية في (1381هــ، 1382هـ)، وهو أول من كتب مقالة عن كتاب شيخنا محمد العبودي؛ «الأمثال العامية في نجد»، وأطلعني على مقال كتبه عن التراث الشعبي كان منشورًا عام (1385هـ)، كما أطلعني على العديد من المقالات المبكرة له، والتي يحتفظ بملفات لها ضخمة وكبيرة، الأستاذ محمد الحمدان قارئ نهم، وجمع خلال عمره وتعلقه بالكتاب العشرات بل المئات من الكتب والطبعات النادرة، واهتم كثيرًا بالصحف والمجلات، وكان لديه إلى عهد قريب أرشيفات ضخمة للصحف السعودية والعربية، إلا أن مكتبة الملك عبدالعزيز قامت بشراء جزء كبير من هذه الصحف والمجلات عن طريق رئيس الشؤون الخاصة المثقف المعروف الأستاذ إبراهيم الطاسان -رحمه الله-.
أخبرني رحمه الله وقال: إنني فاتحت الأستاذ إبراهيم الطاسان -رحمه الله- بوجود هذه الكتب والنوادر عندي، وقال: سوف أختار الوقت المناسب لأعرض الأمر على الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وفعلًا -كما يقول محمد الحمدان:- إنه وفى بوعده، فعرض الأمر وتمت الموافقة على الشراء لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وقاموا بأخذ العديد منها، غالب ما بعت عليهم -كما يقول- صحف ومجلات وأعداد قديمة، وبعض الكتب، أما غالب المكتبة فهو موجود لدي، وقد وضعت فهرسًا مفصلًا بالنوادر التي فيها.
حاولت أن ألتقط ما لديه عن بعض الكتب، أو أوائل الكتب التي اشتراها، لم تستطع ذاكرته أن تجمع التواريخ لتلك الكتب، ثم حدثني أن لديه أعدادًا من منوعات المجلات، ما زالت لديه، منها؛ مجلة «الحرب والعالم» التي صدرت عن دار الهلال المصرية، والطريف في هذه المجلة أنها صدرت أيام الحرب العالمية الثانية، ثم كان اسمها مجلة «الحرب والعالم»، بعد ذلك أثناء الحرب غير اسمها إلى مجلة «الحرب»، ثم بعد انتهاء الحرب تغير اسمها إلى مجلة «العالم»، ويقول: إن لدي أعدادًا كثيرة من هذه المجلة.
وقال أن لديه أعداد من مجلة الشرطة السورية، وهي مجلة قديمة عريقة، وهذه الأعداد كثيرة لدي ما زالت عنده.
إضافة إلى ما أسماه نوادر الصحف، وهي كالتالي: الأهرام، أول جريدة أهلية مصرية (1879م)، الجرائد العثمانية التي صدرت في مكة، القبلة الشريف حسن، بريد الحجاز الشريف علي، أم القرى أول جريدة سعودية، صوت الحجاز، المدينة المنورة، قريش، عكاظ، البلاد السعودية، اليمامة، القصيم، الأسبوع التجاري، الفجر الجديد، الرياض، الدعوة، الجزيرة، حراء، الندوة، الرائد.
والجرائد الثلاث التي كانت تصدر آنذاك، أم القرى، المدينة، البلاد السعودية.
والجرائد الثلاث التي كانت تصدر آنذاك بمناسبة وفاة الملك عبدالعزيز، أم القرى، المدينة، البلاد السعودية.
وجريدة بريد الحجاز، كاملة، (60) عددًا، أصدرت في جدة الشريف علي بن الحسين، جريدة القبلة الشريف حسين، مصورة كاملة، صفحات من الجرائد والمجلات التي صدرت خارج المملكة، الراي العام، كويتية، أردنية، سورية، بحرينية، لبنانية، قبرصية، أمريكية، فرنسية، الإخاء، مجلة إيرانية، العلم مغربية، مصرية، الأحوال، مصرية.
جرائد ومجلات صدرت باسم الرياض في القاهرة:
- الرياض، جريدة سياسية دينية لسان حال النهضة الحجازية النجدية (محمد شفيق مصطفى).
- الرياض، صحيفة أدبية جامعة محمد مصطفى حمام، 1954م.
- الرياض، صحيفة سياسية أسبوعية قضائية جامعة، 1853م.
- الرياض، مجلة علمية أدبية روائية مصورة، 1343هـ.
مجلة الجزيرة الثقافية، كاملة. مجلة الشرطة السورية، قبل 50 عامًا، مجلة أخبار الحرب العالم، أصدرها الحلفاء باللغة العربية من القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وحدثني الأستاذ محمد الحمدان خلال الزيارة أنه يرغب في بيع هذه المكتبة، وأنه لديه بعض الأشخاص الذين يساومونه على بعض العناوين.
بعد ذلك عرضت عليه أن يزودني بالفهرس للنوادر التي لديه، وإذا للمكتبة أيضًا فهرس عام فيزودني فيه، وقال: لدي مجموعات ضخمة جدًا.
أعجبني في أبي عبدالله، -أبي قيس- أنه منظم لمكتبته بالطريقة التي تناسبه، قد لا تروق للآخرين وتناسبهم، لكنها مريحة له نظرًا لكبرها، فهي موجودة في القبو عنده، وفي الصالة العلوية امتلأت الغرف، والمكتبة تجمع أمرين:
الأمر الأول: الكتب، بما فيها الصحف والمجلات.
والأمر الآخر: المتحف الذي لديه، وهو يحتفظ بالعديد من الأشياء في متحفه من أواني وتحف وغيرها، ومن طرائف متحفه الذي رأيته أيضًا أنه لديه مئات العلب أو علب الكبريت، ويقول: إنني كانت هذه هواية عندي، فعندما أشاهد علبة كبريت في الداخل أو في الخارج أو في أسفاري أحتفظ بالعلبة وآخذها، وبالفعل وضع لها لوحة كبيرة تجمع هذه العلب بألوانها وأشكالها وصناعاتها في العالم، وهذه هواية أعتقد أنها نادرة.
من الأشياء الموجودة بالمتحف أنه يحتفظ بكروت التذاكر، ومقاعد الطائرات، فكلها محتفظ بها، ووضع لها علاقة كبيرة، علق فيها هذه «البوردنجات» والتذاكر وبطاقات السفر، كلها محتفظ بها، وبطاقات الشحن، فهو لا يرمي بطاقات الشحن للشحن الذي يأخذه في أسفاره، بل يحتفظ بها.
ومن الأشياء التي رأيتها أيضًا عنده؛ احتفاظه بالعديد من الأشياء المتعلقة بالخطابات والبطاقات، وهو جماع لكل ما هو نادر وغريب وعجيب.
لقد استمتعت بزيارة أبي عبدالله، وهذه المكتبة العجيبة الغريبة، وحاولت أن أتفاوض معه على شراء بعض ما لديه، وقال: إنني ليس لدي مانع ببيع بعض الأشياء، وكذلك ليس لدي مانع ببيع المكتبة كاملًا، وهو الأفضل لي.
سألته عن السعر الممكن لها، فقال: إنني أرغب بمليون ريال. فقلت له: إن هذا المبلغ قد يكون مبالغًا فيه كثيرًا، لكنه قال لي: إن هذا المبلغ قابل للتفاوض.
الحقيقة إن زيارة مكتبة قيس زيارة مهمة لأمور؛ أولها: أن صاحبها مؤلف وقارئ وناشر قدير وكبير.
وثانيها: أنه أحد أصحاب المكتبات الخاصة في الـمملكة العربية السعودية، وصاحب مكتبة تجارية كذلك، وجدت لديه سجلًا للمكتبة التي تم الترخيص لها من قبل وزارة الإعلام عام (1422هـ)، حيث كانت ليس لديه رخصة للمكتبة إلا بعد صدور التنظيمات الجديدة عام (1422هـ) حصل على رخصة لمكتبة قيس التجارية.
ترتيب المكتبة ترتيب موضوعي، وترتيب مؤلفين. فمثلًا؛ المؤلفون الذين لديهم أعداد كبيرة من المؤلفات، مثل: شيخنا العبودي، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، ابن خميس، والشيخ حمد الجاسر، وغيرهم.. هؤلاء يضع لهم أركانًا خاصة بهم، ويجمع مؤلفاتهم فيها.
أما بقية المؤلفين فيضع لها الموضوعات، مثلًا: ما يتعلق بتاريخ الجزيرة، فإنه وضع ركنًا خاصًا لتاريخ الجزيرة العربية وكل ما يتعلق بها يضعه في هذا العنوان. أعتقد أنه مناسب له ومريح، ويستطيع الوصول إلى ما يريد بكل سهولة.
من لطائف أبي قيس أنه أي مقال يكتبه يقوم بتصويره في آلة تصوير موجودة عنده، ويقوم بتوزيع هذا المقال في كل مكان ومحفل ومجلس يزوره.
كان متعلقًا بالكتاب ومحبًا للمعرفة والثقافة، عاش متواضعًا، لا يتكلف في حياته أبدًا، يحب الترحال والسفر، له آراء في السفر عديدة، وعجيبة، وتعبر عن تجربة لديه، وأتمنى من أبنائه وذريته إذا كان له تدوينات عن رحلاته وأسفاره أن تنشر، وأن نقوم على نشرها تقديرًا ووفاء له.
ومن الملامح في هذا الجانب، أنه كان حاضر البديهة والنكتة والطرفة في حياته، بل إنه أخبرني بأن في مكتبته من أكثر من (25) كتابًا عن الطرفة والنكتة. وهذا من محبته للمسامرة اللطيفة بين الجميع، بل إنه كان في كل مجلس يزوره نجد أنه يحاول أن يلطف هذا المجلس بطرفة أو نكتة أو خبر ثقافي بعيد عن الإسفاف أو التجريح لأحد.
وفي الختام، أسأل الله -عز وجل- أن يغفر للفقيد وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يبارك في عقبه وذريته وكتبه.