هويدا المرشود
الثقافة تموت حين يخاف المجتمع السؤال. الخطر الحقيقي ينبع من الصمت أمام الحقائق، لا من النقد. كل سؤال صادق يكشف هشاشة تقاليد مضت تُحفظ باسم التقديس، ويعيد رسم الحدود بين الشكل والجوهر. الجمود يحجب الرؤية ويقتل الفعل، بينما النقد يضيء الطريق ويفكك الوهم قبل أن يتحول إلى قيود.
الثقافة كائن حي، تتنفس وتتحرك مع الزمن. تحويلها إلى تماثيل جامدة يحمي الشكل ويخفي الفراغ. الأسئلة تكشف القوة والضعف، وتضيف للوعي قيمة تتجاوز كل مجاملة أو تقليد روتيني. الصمت أمام السؤال يسرق الحيوية ويضعف المجتمع، ويحوّل العادات إلى عبء ثقافي يرهق الأجيال.
المجتمع الذي يهرب من مواجهة الاختلاف يحاصر نفسه في الماضي، حيث يصبح التقديس ستارًا يخفي هشاشة القيم ويعطل التطور. العقل الذي يرفض اختبار ذاته يختار الظلال على الحقيقة ويؤخر مسيرته عقودًا. النقد الواعي يعيد الحياة للثقافة ويمنحها القدرة على التجدد والبقاء نابضة، بينما الجمود يحوّلها إلى ذكرى بلا صدى.
الوعي الجمعي ينمو بالجرأة على التساؤل وإعادة النظر. كل مجتمع يجرؤ على السؤال يكتشف نفسه، ويعيد تشكيل قيمه بعقل متفتح. النقد الفاعل يحمي الجوهر، ويحوّل كل هشاشة إلى فرصة للبناء، ويجعل الفكر حارسًا للهوية والحقيقة.
نقد الثقافة مرآة صادقة. تجاهلها يكشف هشاشة القيم ويعلن موتها البطيء. أي مجتمع يهرب من السؤال يقتل مستقبله بصمت، ويترك وراءه وهمًا يُعاد تمثيله، فارغًا من القوة والمعنى. النقد صرخة العقل، والصرخة وحدها تحرّر الثقافة من قيود الجمود، وتعيدها إلى الحياة التي تستحقها.