محمد سليمان العنقري
لقاء مهم أجراه الرئيس التنفيذي لهيئة التأمين الأستاذ ناجي التميمي مع برنامج في الصورة بقناة روتانا خليجية بإدارة الزميل عبدالله المديفر، قدَّم فيه إجابات عن استفسارات عديدة مطروحة في الرأي العام وكذلك لدى المستثمرين والمستفيدين؛ نظراً لدور قطاع التأمين البالغ الأهمية اجتماعياً واقتصادياً، خصوصاً أن التطورات التي يشهدها الاقتصاد الوطني الذي تضاعف حجمه تقريباً منذ إطلاق رؤية 2030 يحتاج إلى نشاط تأميني كبير جداً للحفاظ على الأصول وتغطية احتياجات الأفراد كذلك بالمنتجات التأمينية الخاصة بهم، فالجدل يدور حول ممارسات في السوق لم يكن لها تفسير واضح بين أطراف العلاقة، فكان للقاء جانب إيجابي مهم بتوضيح تلك النقاط الجدلية التي دائماً تكون مثار أسئلة المستفيدين.
لكن ما لفت النظر في المقابلة بعض النقاط التي قد تحتاج لإيضاحات أوسع عنها من قبل الهيئة، فقد وجه سؤال حول سبب خسارة شركات التأمين، والحقيقة أن ذلك واقع عانت منه الشركات ومازال أغلبها يكرره وبعضها أفلس أو اندمج أو في وضع مالي صعب؛ نتيجة التباينات الكبيرة بأدائهم من حيث صافي النتائج وتذبذب الإيرادات، فقد ذكر أنه قد تكون الإشكالية في التسعير وأعتقد أنه يقصد تسعير الشركات لمنتجاتها التي تبيعها للعملاء، فهذه تعد إشكالية يبرز معها تساؤلان أساسيان، الأول هل هذا يعني أن كفاءة العاملين بالشركات ضعيفة، أو أن زيادة عدد الشركات أوجدت سوقاً تنافسياً غير منضبط؟ يضاف إلى ذلك هل الشركات تجيد استثمار الأموال التي تجمعها من اكتتابات التأمين من مبيعاتها بشكل صحيح ويحقق لها التوازن بالأداء؟ فهذا الأمر يحتاج لإيضاحات حول الجانب التنظيمي للسوق وتقييم رأس المال البشري إضافة للهيكلية العامة لواقع الشركات وعددها بالسوق، وكذلك النطاق العام لسوق التأمين من حيث التوسع بالتغطية التأمينية عموماً.
النقطة الأخرى متعلقة بمنع التملك للأفراد بأكثر من 5 بالمائة باعتبار أنه قطاع مالي ويرغبون بإدارته من قبل استثمار مؤسسي، وهنا نسأل هل منع ذلك الاستثمار المؤسسي وقوع شركات عديدة بالخسائر وسوء الإدارة؟ وهو ما يمكن ربطه بالنقطة السابقة حول سبب خسائر الشركات فكيف تحمي القطاع بانتقائية مستثمرين لمجرد أنهم مؤسسات رغم أن تجاوز هذا المعيار ليس صعباً، فيمكن للمستثمرين الأفراد تملك كيانات تستثمر بشركات التأمين وتديرها وفق رغباتهم مما يعني أن الأفضل هو معايير حوكمة القطاع والضوابط الناظمة له والرقابة عليه هي من تحميه وليس نوعية المستثمر، فهل من صنع ابل وانفيديا ومايكروسوفت وتسلا بل وعديد من البنوك العالمية والمحلية وشركات تأمين دولية وجعلها إمبراطوريات صناعية ومالية عملاقة كانوا مؤسسات أو أفراداً.
كما أن أسعار شركات التأمين بالسوق السعودي هبطت هذا العام بأكثر من 50 بالمائة في أغلبها وبعضها أكثر من ذلك فأين حماية القطاع من التقلبات السعرية التي تطمح لها هيئة التأمين؟
النقطة الأخرى تتعلق باستراتيجية قطاع التأمين التي ذكر رئيس الهيئة أنها قد تصدر قريباً فكان المنتظر شرح أوسع حولها، لأن لذلك أهمية بالغة للمستثمرين وللشركات أيضاً للاستعداد للمرحلة القادمة فالإضاءات حولها ذات أهمية كبيرة وما الذي ستحدثه من تغيير عميق بالقطاع وليس التركيز على الأطر العامة التي ذكرت بالإجابة حولها، خصوصاً أنها ستأتي بعد أن تجاوز العمر التنظيمي المستحدث للقطاع حوالي 20 عاماً أي أن الشركات تأسست وفق معطيات استقرت في سياساتها وتوجهاتها، ولذلك معرفة التغييرات الكبرى مهمة لأنها قد تكون مكلفة مادياً عليها إذا كانت تتضمن معايير وضوابط مختلفة عن الحالية.
النقطة الأخيرة تتعلق بمستهدف مهم وهو ما سيمثله القطاع من نسبة بالناتج المحلي التي ذكر أنها ستكون بعد 5 سنوات عند 3،6 بالمائة من الناتج الإجمالي غير النفطي، والحقيقة أن هذا الفصل بين الناتج النفطي وغير النفطي بمثل هذا المستهدف غير منطقي؛ لأن إيرادات النفط لها تأثير بالاقتصاد ككل من تمويل الميزانية العامة وإنفاقاتتا بالاقتصاد، ويرتبط بالقطاع النفطي أيضاً أعمال عديدة فنحن بذلك نضعف حجم قطاع التأمين بهذا التقسيم غير المنطقي، فالناتج الإجمالي يقاس بكل مكوناته بمثل هذه المستهدفات؛ لأن الناتج النفطي يقف خلف إنتاجه وكل ما يتبعه من أعمال آلاف الشركات ويخدمه كل القطاعات، ولذلك فإن مستهدف حجم قطاع التأمين من غير المنطقي أن يقاس بجزء من ناتج الاقتصاد، فهذا القياس قد يذكر بمعرض معرفة نمو القطاعات وليس قياس المستهدفات لنشاط حيوي مهم مثل التأمين.
لقاء بالمجمل كان إيجابياً ومنتظراً لأنه حمل إيضاحات مهمة حول قطاع أصبح أصيلاً في حياة المجتمع، كما أن جهود الهيئة بالتأكيد مقدرة للنهوض بالقطاع الذي نأمل أن يحقق مستهدفاته بالمدة المناسبة للتوسع بالمنتجات التأمينية وتعزيز ثقافة التأمين لدى المجتمع بكل أطيافه.