مبارك بن عوض الدوسري
حين نتحدث عن رموز الكشافة في المملكة العربية السعودية، فإننا نتحدث عن قامات صنعت الأثر قبل أن تصنع المنصب، وأسهمت في بناء الإنسان قبل الاهتمام بالبرنامج، ومن بين هذه القامات يبرز اسم القائد الكشفي والتربوي إبراهيم بن العكاسي بوصفه أحد أبرز القيادات التي عرفها الميدان الكشفي والتربوي، بما امتلكه من سمات قيادية أصيلة جعلت منه قدوة حقيقية للأجيال.
أكتب عن القائد إبراهيم العكاسي كما عرفته عن قرب، من خلال مشاركات عديدة جمعتنا في مناسبات كشفية مختلفة، حيث لم يكن حضوره عادياً، بل كان حضور قائد يدرك رسالته، ويؤمن بأن الكشافة رسالة تربوية قبل أن تكون نشاطاً، وبأن الاستثمار الحقيقي هو في الفتية والشباب، وغرس القيم والمبادئ الكشفية في نفوسهم، بعد أن طبقها على نفسه قولاً وعملاً.
عندما كان على رأس العمل مدير مدرسة أو قائدا كشفيا كان صاحب رؤية واضحة ودقيقة، يعرف كيف يحدد أهدافه بعناية، ويجيد وضع الخطط القادرة على تحويل تلك الأهداف إلى واقع ملموس؛ لم تكن خططه حبيسة الورق، بل خطط عملية تراعي الإمكانات والظروف، وتستثمر الطاقات بأفضل صورة؛ وأكثر ما ميّزه كما عرفته قدرته الفائقة على التحفيز؛ فقد كان يرى في التحفيز حجر الزاوية في القيادة الكشفية، مشجعاً دائماً على تقديم الأفضل، سواء للقادة الكشفيين أو للفتية والشباب، مؤمناً بأن الكلمة الصادقة قد تصنع قائداً، وبأن الثقة قادرة على إطلاق أعظم الطاقات.
امتلك مهارات تواصل عالية، مكنته من التأثير الإيجابي في من يعملون معه، وتوجيههم نحو تحقيق الأهداف بروح الفريق الواحد؛ كما اتسم بنضج واضح صنعته الخبرات المتراكمة، فكان يتقبل النقد بصدر رحب، ويحوّله إلى فرصة للتطوير، وهو ما أسهم في بناء جسور الثقة بينه وبين أي فريق عمل شاركه المسؤولية.
ومن الصفات اللافتة في شخصيته ديناميكيته في اتخاذ القرار في الوقت المناسب، وهي سمة يشهد بها كل من عمل معه أو شاركه في برامج ودورات ودراسات ومعسكرات كشفية مختلفة؛ كما امتلك قدرة إنسانية عميقة على فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها بصدق، الأمر الذي عزز الروح المعنوية لدى القادة والفتية والشباب، وجعلهم يشعرون بالأمان والانتماء؛ وكان يؤمن بالتفويض الواعي، إدراكاً منه بأن القائد الكشفي الناجح هو من يصنع قادة من حوله، لا من يحتكر القرار.
قدّر الظروف المحيطة بالمعسكرات والبرامج الكشفية، وتعامل معها بمرونة وحكمة، واتسم بالشجاعة والقدوة الحسنة، والإرادة الدائمة للتطوير بما يتناسب مع كل مناسبة يقودها، مدركاً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، خاصة حينما يتعلق الأمر بالفتية والشباب، الذين كان يعاملهم بروح الأب قبل روح القائد، وقبل تقاعده، عرفته قائداً كشفياً مبدعاً، يمتلك قدرة مميزة على تحسين نتائج المهام الكشفية، وتصحيح المسار متى ما دعت الحاجة، واضعاً مصلحة العمل التربوي والكشفي فوق كل اعتبار.
أما كقائد تربوي فقد تجلت فيه صفات القائد التربوي الناجح؛ كان صادقاً مع نفسه ومع فريقه، ملتزماً بالنزاهة والشفافية، متحملاً للمسؤولية في مختلف المواقف، قادراً على حل المشكلات، وفياً بوعوده، يسود تعامله الود والاحترام والثقة المتبادلة؛ تمتع بقدرة على التفكير خارج الصندوق، وكان مستمعاً جيداً، يستقبل الآراء والأفكار بسعة صدر، محافظاً على ثباته الانفعالي مهما تنوعت التحديات.
إن الحديث عن القائد إبراهيم العكاسي هو حديث عن مدرسة قيادية وتربوية متكاملة، نحن اليوم في حاجة ماسة إلى الاستفادة من خبراتها، وتقديمها كنماذج وقدوات للأجيال القادمة، حتى تبقى الكشافة السعودية وفية لرسالتها، مستندة إلى رجال آمنوا بالقيم، وعاشوها، وتركوا بصمتهم شاهدة على صدق الانتماء وسمو الرسالة.