الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 1st March,2004 العدد : 48

الأثنين 10 ,محرم 1425

المجلة الثقافية .. أحبك ولكن
د. صالح زيّاد

كان إصدار الجزيرة ل (المجلة الثقافية) في شكل مستقل ومتصل بالجريدة الأم حدثاً ثقافياً مبهجاً للمهتمين بالثقافة .اتضح ذلك لي في رسائل التهنئة والثناء والمباركة التي نشرتها المجلة في أعدادها الأولى وفيما استمعت إليه من أحاديث بعض الزملاء والأصدقاء وهي فرصة الآن لتقديم الشكر والتقدير لرئيس تحرير الجزيرة الأستاذ خالد المالك ولمدير التحرير للشؤون الثقافية الاستاذ إبراهيم التركي وزملائهما.
أن تستقل الثقافة في مجلة لها طابع الجريدة يعني أن الاهتمام بالثقافة بلغ درجة الاختصاص الذي يقتضي الكثافة والعمق والشمول لأشكال الثقافة ومعناها وهو اهتمام ينم عن موقع الثقافة في حركة وسيرورة الوقائع الفكرية والأخلاقية والجمالية والفنية والاجتماعية وما يستبطنها من تصورات تحيل إلى وعي مركب يتعالى ويتصدر وفي أقل الأحوال يتبادل الفاعلية مع تلك الحركة ومن ثم يغدو من صلب الاهتمام في هذا الصدد التصورات والعادات والتقاليد الاجتماعية والنتاج الأدبي والفني والفكري ومناهج واتجاهات المقاربة والتحليل لكل ذلك.
حين نقول (الثقافة) نقول: الكينونة والعقل والسلوك والأحلام والذكريات والأنظمة .نقول الكلام والفعل.. لا من حيث هي مفردات معلقة في الهواء بل من حيث هي أنماط ومسارات للتشكل والتكيف الاجتماعي والفردي والإنساني.
وهكذا يغدو اختصاص إصدار دوري بالثقافة تموضعاً في موقع لقيادة الوعي وتفعيله بشكل ينطوي على زاوية جوهرية للرؤية والبصر والكشف هي (الثقافة). وهنا يبدو المحك الحاسم للقيمة والوظيفة فالإصدار الثقافي الذي لا يعي موضعه المكاني ولا يمتلك نزوعاً إلى الفعل ولا بصراً أو استبصاراً يفقد قيمته ووظيفته المخصوصة.
لم تدخل ثقافة (الجزيرة) منذ الثمانينات على حد علمي في تصنيف يحجم دورها ويختزل مقروئيتها فبخلاف الملاحق التي اختزلها التصنيف وأوثق قيادها في أقفاص بعض الأسماء والأفكار ذات النزوع إلى التقليد والمحافظة أو التجديد والحداثة بقيت الجزيرة في حس القارىء على الأقل مفتوحة لأسماء مختلفة وأفكار متنوعة نسبياً وهذه صفة نفت عن الجزيرة التكريس والشللية القاتلة صحفياً لكنني أعتقد أن ثقافة الجزيرةأخفقت في استثمار هذه الخاصية لصالح الحوار الذي ينبثق منه النور كما قال أرسطو ولتعميق وعي الحركة والتفاعل والتجدد الثقافي خاصة وأنها تملك بالأساس أرضية هذا الاستثمار التي نجت من سجون الوصف والتصنيف.
كأن ثقاقة الجزيرة ولتعذرني بلا رؤية وبلا هدف وبلا فاعلية وهي بالتالي بلا استراتيجية وبلا منهج وهذا لا يعني أنها لاتحتضن قدرات صحفية وأقلاماً متميزة كما لا يعني أنها تقدم بين الفينة والأخرى دوال وشواهد الاحتراف والمهنية الإعلامية في مستوى لافت لكن هذه الدوال وتلك القدرات تبقى مفردة دون نظام يصنع لها دلالة ودون مدار يؤلف لها معنى خارج سياق فرديتها.
وإذ يبدو هذا التوصيف في حاجة إلى بسط لا يتسع له المقام هنا فإنني سأكتفي بتعيين بعض الملاحظات السريعة فيما يلي:
1 المدائحية والشخصانية:
وليس المقصود هنا مدح من لا يستحق المديح وإضاءة المغمورين خصوصاً وأن ملفات (الثقافة) وصفحة (أقواس) وبعض المقالات أو الزوايا فيها حافلة بتمجيد وتقدير أسماء بارزة وأحياناً رائدة في مجالات معرفية أو أدبية أو غيرها ولاجدال حول فضلها لكن صيغة العرض والانتقاء ذات طابع احتفالي يحرص على المديح ويستدعي الشخصانية بشكل يكاد يطابق مناخ التلقي لقصائد المديح في الشعر العربي ماذا مثلاً لو برز اسم الرائد أو ذلك الأديب في سياق قضية ثقافية أو أدبية أو معرفية أو في معرض القراءة المعرفية النقدية الموضوعية لكتابته أو لنصه أو لأحد أعماله؟! إن مديح أو أخبار من نحب ومن نعرف له الفضل سارة ومطربة لنا وقد تكون كذلك له ولكنها في العمق صيغة مجانية وشعرية خالية من القيمة وتورث بكثرتها الصحيفة طابعاً مناسباتياً وفردياً وشخصانياً معتماً وحدِّي الرؤية لم يعد مناخ التلقي الحديث يألفه ويطمئن إليه.
2 سلبية التحرير:
إذا كانت الصحافة الثقافية تمتلك بحكم اختصاصها موقعاً جوهرياً لأنه يتصل بموقع الثقافة وفاعليتها في المجتمعات فإن دور التحرير فيها يمتلك أهمية وظيفية ذات ثقل وامتياز تفرض عليه الفعل لا رد الفعل والحركة لا السكون والإيجابيات لا السلب وحين يقف التحرير موقفاً سلبياً وساكناً ويقتصر على إجازة المقالات للنشر ونقل الأخبار عن صدور هذا الكتاب وإقامة تلك المحاضرة وتنظيم ذلك المنتدى فانه يستحيل إلى مراقب مطبوعات او مخبر وينسى فاعليته كمحرر يصنع قضايا الثقافة ويخلق وعيها في الناس.. وأعتقد أن التحرير في (الثقافة) يكاد يتصف تماماً بالسلبية والسكون فلا مقابلات ولا مواجهات ولا تحقيقات ولا قضايا تثار للنقاش ولا عروض نقدية للكتب والإصدرات ولا تقارير تحليلية ونقدية لمناشط الثقافية الخ.. إلا ماندر وعلى حد متابعتي للثقافية يمكن أن أذكر مناسبتين قريبتين هما مهرجان الجنادرية وندوة الحوار الوطني اللتين غابت عنهما المجلة الثقافية تماماً.
3 خلطة الغث والسمين:
قارىء الثقافة والمهتم بها لا تعنيه في العادة صور الوجوه الملونة، ورزّات الغتر المنشاة أو ربطات العنق وإنما تعنيه الكلمة المقروءة في تماسكها المنهجي وبنية منطقها المعرفي من جهة وفي قدرتها على تمثيل شروط الإبداع وإشباع شهية القراءة وفق ما تخلقه النصوص من درجات المسافة الجمالية من جهة أخرى.
وهذا لا يعني بطبيعة الحال، أن هناك كيفية معينة من الرؤية ولا شكلاً محدداً من الرأي أو الكتابة الإبداعية لكنه يعني ضرورة توافر حد أدنى للجودة النوعية فيما ينشر ومن الملاحظ في الثقافية أن بعض مقالاتها ونصوصها ضعيفة من جهات مختلفة وخطورة ذلك لا تقتصر على تلك المواد حتى وإن كانت قليلة وإنما تتعداها إلى وسم الصحيفة إجمالاً بالاستسهال والضعف.
وختاماً أتمنى للثقافية في عيد ميلادها الأول مستقبلاً أكثرإشراقاً ونضجاً وتجدداً وأن تسهم في لحظتنا الراهنة في تشكيل وصياغة وعي ثقافي أكثر جدية واتساعاً وإيجابية.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved