الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 1st March,2004 العدد : 48

الأثنين 10 ,محرم 1425

وردة وقبلة للمجلة الثقافية
محمد بن عبد الرزاق القشعمي

ترددت كثيراً في الكتابة عن محبوبتي (المجلة الثقافية) تلك الوليدة غضة العود.. وهي الآن تكمل عامها الأول.. صحيح أنها ولدت وهي تمشي على قدمين وسريعاً ما اكتمل نموها، وتكاثر محبوها، وتشوقوا لموعد اللقاء الأسبوعي بها.. وبصفتي أحد من عاصر مسيرتها منذ ولدت وسايرها حتى الآن، فقد تعود بي الذاكرة إلى ما قبل ثلاث سنوات، فقد زرت برفقة الأستاذ التشكيلي عبد الجبار اليحيا في إحدى زياراته للرياض من مقر إقامته الصيفية في المجر زرت الأستاذ خالد المالك بعد عودته لقيادة جريدة الجزيرة ورئاسة تحريرها مهنئين ومرحبين به وكعادته دعانا للمشاركة في الكتابة بالجريدة.. وعند مرورنا على القسم الثقافي أو على الأصح القسم الأدبي إذ إن الجريدة كلها ثقافة في ثقافة وجدنا الأستاذين ابراهيم التركي مدير التحرير وعبدالرحمن المرداس، وجرى حديث حول تطوير الصفحات الثقافية معهما خصوصاً بعد ضم صفحات المسرح والفنون التشكيلية وغيرها من الأجناس الثقافية إلى الصفحة الأم الأدبية، وتمنى عليهم عبدالجبار اليحيا أن تكون الصفحات في وسط الجريدة ليسهل انتزاعها لمن يرغب الاحتفاظ بها.. ووصل به الطموح أو الطمع إلى أن يأخذ ورقة من الجريدة ويطبقها فوق بعضها لتصبح أربع صفحات، وقال لو كانت هكذا بحجم نصف الصفحة لسهل على الجميع اقتناؤها ومتابعتها وأصبحت مميزة عن بقية الصفحات ووعدهم أن يراسلهم من بودابست ويترجم لهم بعض النصوص الأدبية من شعر وقصة مما ينشر هناك مساهمة منه في إطلالة القراء على أدب أوروبا الشرقية.
وهكذا بدأت متردداً في الكتابة إذ إنني وحتى الآن مازلت أتعلم حروفها الأولى.. وتحملتني الصفحات الثقافية ونشرت لي ما كنت أعتقد أنه بدايات وحكيت ما بقي بالذاكرة من نتف متفرقة هنا وهناك..
في الحقيقة انني أدين لها الجريدة وصفحاتها الثقافية بكل ما حققته وتحقق لي من خلال حملي للقلم والمشاركة في تحبير جزء من صفحاتها بما لا أرى له فائدة، فقد يحسن الظن أحد من يرى موضوعاً يحمل عنواناً لافتاً للنظر فيقرأ شيئاً منه..
وقد قيل إننا شعب لا يقرأ وإذا قرأنا لا نفهم.. ورحم الله أمرأً عرف قدر نفسه فقد لا يقرأ الموضوع إلا اثنان كاتبه وناسخه.
لنعد إلى موضوعنا الأساسي..
صحيح أن مؤسسة الجزيرة الصحفية منذ تأسيسها قبل أربعين عاماً وهي تحضر لإصدار مجلة اجتماعية إلى جانب جريدة الجزيرة الأسبوعية ثم اليومية..
وطال الانتظار.. وأخيراً بهمة الرجال.. وبعودة ربان السفينة بعد مغادرته التي طالت لعقدين من الزمن أعاد معه الأمل وعاد بملحقين: الأول اجتماعي والآخر الكتروني، وبعد أسابيع ظهرت المفاجأة التي ترقبها البعض ولا أقول النخبة من المهتمين بمثل هذا اللون من الثقافة.
فمع إطلالة عام 1424هـ وبالذات يوم الاثنين 30 ذي الحجة 1423هـ الموافق 3 من مارس آذار 2003م ظهر العدد الأول من (المجلة الثقافية) التي طال انتظارها. لقد فوجئ الجميع.. وبالذات من كان يترقب مواعيد الصفحات الثقافية الاسبوعية بدءاً من أيام الأحد ثم أصبح الخميس في الجزيرة ويوم السبت نلتقي مع روافد البلاد وعبدالعزيز خزام وكوكبته الجميلة التي توقفت ونرجو لها العودة قريباً، ويوم الاثنين حيث اليوم الثقافي الذي يعيد ذكريات المربد ماضياً وحاضراً بجهود من رعاه قبل ثلاثة عقود محمد العلي وعلي الدميني والمرحوم عبد العزيز مشري وأخيرا عبدالرؤوف الغزال وشاكر الشيخ وغيرهم، وأربعاء المدينة المتجدد والذي تحول فترة من الزمان من ملحق إلى مجلة ملونة ولكنه عاد إلى سيرته الأولى، وخميس الرياض الأكاديمي المتخصص كما يطلق عليه.. لا أنسى بقية الصحف والمجلات فلكل دوره ومهامه في غرس الثقافة ورعايتها وتشجيع النشء وتحبيبه بها.
طالعتنا المجلة الثقافية بعددها الأول بلا جعجعة مع مطلع السنة الماضية وغازي القصيبي الشاعر والسفير والوزير يتربع على غلافها ويؤرقه هاجس العمر.. قلنا هذا سفير قادم من بلاد الضباب ووزير سابق ولاحق فلا يضيره أن يحتل غلاف أول عدد من معشوقتنا فهو شاعر وروائي وناقد ودبلوماسي وأكاديمي، فمن حقه أن يكون هو الاستفتاح.. وكم كان بودي وأملي ورجائي أن لو أحتل مكان غازي من فاجأنا به من ورطني بالكتابة من الأساس الأستاذ محمد الدبيسي في الزاوية اليسرى من الصفحة الثالثة تحت عنوان تكوين (عبدالله عبدالجبار) لقد قال عنه كلاماً كالشعر الجميل النابع من القلب.. هذا الرمز.. الذي يحق لي أن أطلق عليه المعلم الثاني مع الاعتذار للمعلم الأول أرسطو ومن أتى بعده الفارابي وغيرهم. فعبد الله عبد الجبار بمجرد ان أقرأ اسمه أقرنه بأستاذي وشيخي ووالدي عبد الكريم الجهيمان هذا الذي أدين له بالكثير.. فله الفضل في تثقيفي وإطلالتي على عالم جديد رغم أنني مع معرفتي له ومرافقتي له وقد قاربت الخمسين من العمر وهو يناهز التسعين ورغم ان العرب يقولون (إن القط الكبير لا يتربى) إلا أنني فخور ومعتز برفقة مثل هذا العلم هذا الجهيمان زميل ذاك العبدالجبار في مدرسة تحضير البعثات قبل سبعين عاماً من الآن.
مع احترامي لكليهما القصيبي والعبد الجبار فالقصيبي الأكاديمي والوزير والسفير ثم الوزير مرة أخرى والأهم هو ابن من؟ هو ابن عبد الرحمن أحد الأشخاص القلائل الذين رافقوا مؤسس هذا الكيان منذ بدأت لملمته لأطراف الجزيرة ليكون ما يسمى الآن المملكة العربية السعودية.
ولكن عبد الله عبد الجبار شيء آخر فهو الذي رعى وصقل مواهب هذا الجيل الذي عمل على تأسيس وإقامة المؤسسات العلمية للدولة الحديثة.. فقد انتقل العبد الجبار من مكة المكرمة إلى مشرف على البعثات حيث الطلبة السعوديون بالقاهرة قبل أكثر من ستين عاماً.. وهو أحد من دعم وبارك تأسيس جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
لقد سعدت بأن استفتح بقراءة تكوين اللوحة الجميلة التي رسمها محمد الدبيسي لمثل هذا الرجل فقد عمل العبد الجبار تاريخاً أدبياً مميزاً ومختاراً من خلال نماذج ودراسات للأدب السعودي الحديث، أصبح مرجعاً مهماً للجميع هو (التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية) والذي طبع بالقاهرة قبل أكثر من خمسة عقود وهو شبه مفقود إلا من نسخ مصورة لدى البعض فليته يسمح بإعادة طباعته للحاجة الملحة له.
وبالصفحة الخامسة من العدد الأول أطالع قصيدة أحمد الصالح المسافر دائماً والتي يهديها إلى الأديب والمفكر الكبير الشيخ عبد الكريم الجهيمان بعنوان (كبرياء الحرف).
ياسيدي.. ما كنت إلا فارساً
سيف الحقيقة في بيانك مشرع
لهب الصراحة كم أدرت حديثه
بالصدق.. والإخلاص حرفك يسطع
أتصفح العدد الأول لأجد كوكبة مختارة ما بين شاعر وناقد ومبدع فهذا ماجد الحجيلان وعبد الله الزيد ومحمد جبر الحربي ونورة الغامدي وغيرهم وندوة عن الترجمة وأخرى عن الرواية السعودية وصفحة تخصص للفنون التشكيلية وأخرى تستعرض آخر الاصدارات والمسرح شؤونه وشجونه وأحد رواده المخلصين بل المؤسسين له في هذا البلد محمد العثيم.
والعدد الثاني.. يحتل غلافه أحد المثقفين الشباب مترجماً وناقداً كبابه الدهر.. إذ تعرض لمرض ألزمه الفراش.. واحتفت به المجلة الثقافية وكتب عنوان العدد، فايز أبا.. علق الجرس. ويبحث عن أعماله.. ويبدأ الدبيسي يهتم بالرموز فمن عبد الله عبد الجبار إلى عبد الفتاح أبو مدين في زاويته (تكوين).
ويهمني من هذا العدد ان تتمكن المجلة من استعادة أحد الأدباء الرواد في هذا العصر.. وهو عبد الله الماجد أول رئيس للقسم الثقافي أو على الأصح أول مسؤول أسس صفحة ثقافية في جريدة بالرياض قبل خمسة وثلاثين عاماً في الرياض واليمامة والذي طلق الكتابة قبل عشرين عاماً وغادرنا إلى القاهرة حيث افتتح فرعاً لدار المريخ للنشر هناك واختار أرض الكنانة للإقامة بها.
استطاعت المجلة أعادته إلى بلاط الصحافة والثقافية بوجه خاص ومعه باقة أو إضمامه للأصدقاء.
ومن العدد الثالث يسمح لي بالتطفل والولوج إلى بلاط (الثقافية) من خلال بابها الخلفي أو صفحاتها الأخيرة من خلال راسالة شخصية تلقيتها من صديق شاعر مرهف نقي حذر من أن تلوثه المدنية ألا وهو الحبيب عبد الله الزيد.. فقد استدرجت وكشفت عنها بعد اثنتي عشرة سنة كتبها لي رافضاً بيع أفكاره، (مؤلفاته الشعرية).
وفي العدد الذي يليه تتاح لي فرصة أخرى وهو مناقشة وزارة الثقافة (ألم يأن الأوان لجمع شتاتنا الثقافي) مع الأستاذ ابراهيم الناصر الحميدان. والعدد السادس تفتح لي المجلة الثقافية ذراعيها وعلى مدى صفحة كاملة (18) لاستعادة ذكرى حبيب رحل وتركنا وهو عبد العزيز مشري في ذكراه الثالثة (دعه يستمتع ولو بلحظة فرح!).
وهكذا استمرت تنشر لي رغم عدم أهليتي وعدم استطاعتي مجاراة كتاب كبار لهم باع وذراع.
لفتة جميلة انتهجتها تلك الوليدة في عامها الأول وهو احتفاؤنا بالرموز في حياتهم وإتاحة الفرصة للجميع ليقولوا ما يشاؤون بهم نقداً أو مدحاً.
ولكن الجميع قدم حسب استطاعته باقة ورد ومحبة ضمن العدد الثامن تفتح صفحاتها للاحتفاء بعبد الله بن حمد القرعاوي يليه الشاعر محمد حسن فقي الحزن الجميل وبعدها يأتي صوت الصمت عبد الله الماجد، والمعلم عثمان الصالح و(لغة المكان) سعد الجنيدل وتفتح المجلة ذراعيها (لخارج المكان) حيث ادوارد سعيد لذكرى وفاته رحمه الله وهو الوحيد الذي يكتب عنه بعد وفاته إذ الآخرون ممن سبق ومن سيلحق كان الاحتفاء بهم في حياتهم، ويأتي بعد ذلك (الاستاذ) احتفاء بالشاعر الناقد محمد العلي يليه (الإنسان) فهد العريفي.
ولمسة وفاء وتقدير لأحمد الدويحي إذ فقد فجأة ابنه عبد الله في الوقت الذي يستقبل عمله الجديد (المكتوب مرة أخرى) الرواية الجديدة التي تصدر من بيورت دار الكنوز الأدبية 2004م.
وأخيراً رغم استرسالي غير المفيد.. بل وثرثرتي غير المجدية.. إلا ان حبي واعجابي بمثل هذا الوليد الكبير يجعلني أحترم مشاعركم ووقتكم وأتوقف عن الثرثرة.. مع تمنياتي للثقافية ان تستمر تطالعنا ببهاء صباح كل اثنين دون توقف حتى الأعياد فوجودها بيننا إكمال للفرح وتتويج للعيد.
أعود وأكرر.. وغيري يقول.. إن تكريم الرموز من أدباء وغيرهم في حياتهم لهو تتويج قل نظيره.. فقد عز الوفاء في زمن رديء مثل ما نحن نعيشه.. فليس أقل مما نهجته (الثقافية) فليس بعد الحياة تكريم إلا من رحم ربي.
وأخيراً لو أتاحت (الثقافية) الفرصة للمبتدئين وخصصت لهم صفحة أو أكثر لتشجيعهم والأخذ بيدهم ونشر محاولاتهم الأولى.. وكذا إعادة قراءة ما ينسخ قبل نشره بشكل نهائي للتقليل من الأخطاء المطبعية التي لا يخلو منها أي موضوع فقد يقلب حرفاً أو نقطة في موضوع المعنى إلى آخر.
وقبل ان أودعكم يجدر بي أن أشد على يد جميع العاملين في المجلة الثقافية فرداً فرداً وخصوصاً الأساتذة ابراهيم التركي ومحمد الدبيسي وعبد الحفيظ الشمري وتركي الماضي ومحمد المنيف وسعد دحيه الزهراني وزملاءهم.
الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved