الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

الأندية الأدبية..
لا شيء يقبل القسمة على اثنين!!
*سهام القحطاني:
هل علينا أن نقول إن الأندية الأدبية اليوم تعيش طور تغير الجلد؟ هل علينا أن نقول إن زمن نخبوية الأندية الأدبية أوشك على النهاية؟.. واقترب الوقت لتنزل من السماء إلى الأرض..؟ هل علينا أن نقول إن الفكر الإصلاحي الاجتماعي الشعبي أوشك على الدخول إلى العالم المخملي للأندية الأدبية؟ هل حقيقة إن هناك تغيير في جذرية وظيفة الأندية الأدبية وأدوارها الثقافية في المجتمع أم أن الأمر هو كالعادة مجرد متاجرة بتطلعات المجتمع ومجانية التسويق والاستهلاك الإعلاني مثل (صنع في تايوان - صنع في وزارة الثقافة والإعلام)!؟ ويظل الأمر كما هو دائماً لا شيء يقبل القسمة على اثنين!! على العموم أنا لن استبق الأمور وسأصطف في طابور المشاهدين رغم أنني لا أميل عادة لمشاهدة أفلام الكوميديا من الدرجة الثالثة، ولن أعلّق المشنقة، وإن كان المسئولون لدينا أكثر الناس حظاً في المجتمع لأنهم دائماً يفلتون من المساءلة والعقاب!! زمر من النخبويين وحِفن من الكتب وعشرات من المحاضرات والأمسيات هي نتاج الأندية الأدبية فيما مضى، فما قدم أؤلئك النخبويون وتلك المحاضرات والأمسيات والكتب لثقافة الجمهور، لوعي الجمهور لمشكلات الجمهور؟! على اعتبار أن الأدب كجزء من ثقافة المعيوش ليس مضافاً نتمتع به ولا نشاطاً كمالياً نقضي من خلاله أوقات فراغنا إنه أوسع من هذا المعنى وأكثر شمولية فما هو خارج الحذاء أكثر حرية من داخله أيها السادة! أما ما داخل الحذاء يظل هوالمشكلة الأولى لاعتقاداتنا الخاطئة، لأنها منطقة غير قابلة للمطر والضوء والتعشّب أي مُوفِرات الإثمار.
إن تأمل بسيط لتاريخ الأندية الأدبية سنستنتج أنها لم تقدم شيئاً يذكر في مجال الوعي الاجتماعي الشعبي على مستوى التغيير والإصلاح، بل انفصلت عن وعي الشارع، ذلك الوعي الذي لم تؤمن به، كما لم تؤمن بضرورة الامتزاج معه، وهكذا يظل وعي الشارع هو الحلقة الأهم الغائبة في نصوص أنديتنا الأدبية، لأن المثقفين (الأكابر) ظنّوا وما زال بعضهم رغم سقوط النخبوية يظن أن وعي الشارع لدينا وعي أخدج غير قادر على استيعاب النص الحداثي وما بعد الحداثي والعولمي بتوتراته ومفرزاته، ولا أقصد هنا بالنصوصية المحتوى الإبداعي في فنيته، بل النص الأدبي في قيمه الثقافية التي تمثل مستوى نشاط وعي الفرد الذي يتأثر بالواقع المادي، أي روح العلاقة الثقافية بين مستويين من الوعي، مستوى النص الأدبي كفاعل اجتماعي ومستوى الوعي العام الشعبي أي ضابط تطبيقات الواقع المادي بكل اضطراباته وظرفياته، إن فكرة (الوصاية) على وعي الشارع، التي يمارسها لدينا النص الأدبي الثقافي عبر وسائطه، هي محور مشكلة تعطيل وظيفة الأندية الأدبية في المساهمة في صياغة وثيقة الوعي الشعبي أوتصحيح اعوجاجه أوتكوين إتلاف معه عبر وسائط الفنون الأدبية والمنابر الثقافية، ولعل التجاوز ما قبل الأخير لوزارة الثقافة والإعلام في تعطيل فاعلية الانتخاب لهو أبرز صور الوصاية التي تمارسها سلطة الثقافة الرسمية نحو وعي الشارع وتأكيد ثقافة الديكتاتورية وإلغاء الرأي الجمعي، ولا أشطح خارج السياق إن قلت إنها مشكلة المثقف ذاته منتج النص الثقافي، وهنا نقف وجها لوجه أمام مشكلتين (المنتِج والوسيط).
لا شك أن مصداقية الأندية الأدبية لا تتحقق إلا من خلال إيمانها بالمواطن الأعزل من الزيّ الأدبي، لأن كل مواطن هو بالضرورة حامل زيّ ثقافي لنوع خاص ومستوى خاص وقيمة خاصة، باعتبار أن الثقافة هي جملة نشاطات أفراد المجتمع ومشروعاتهم والقيم المشتركة بينهم والخطاب اللغوي الموّحد لمشاعرهم وانتماءاتهم، وبهكذا مواصفات تحدد جودة العلاقة الثقافية الروحية بين الوعي الشعبي والوعي الثقافي الرسمي عبر منابره ووسائطه، كما تبلور قيمة الدور والوظيفة للوسيط الثقافي، والأندية الأدبية كونها إحدى الوسائط الثقافية الرسمية المجتمعية العامة هي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن صياغة وثيقة الوعي الشعبي، ولا شك أن هذه المسئولية لن تتحقق إلا عبر ثقة متبادلة بينها وبين ذلك الوعي، (الثقة المتبادلة) لعلها أول رواسخ التأثير وإعادة صياغة الوعي العام، ودون تلك الثقة لا شيء يقبل القسمة على اثنين! إن احترم لغة الوعي الشعبي ووعيه وطريقة تفكيره وتطبيقاته المادية نحو المستجدات تلكم من معززات الثقة في المسؤول الفرد والمؤسسة، وهكذا نجد أن الخطوة الأولى التي يجب أن تقوم بها الأندية الأدبية هي بناء مفهوم الثقة وتطبيقاتها بينها وبين وعي الشارع، ودونما تلك الخطوة لا شيء يقبل القسمة على اثنين! إن التأمل السريع والموجز لماضي الأندية الأدبية، سنجد أنها لم تقدم شيئاً فيما يتعلق بالتأثير على وعي الشارع السعودي، بل لا أبالغ إن قلت إن (فديوكليب) لمغنية شابة شبه متعلمة أقدر على تغير مجرى تفكير الشباب لدينا من الأندية الأدبية التي تجمع زمرة من نخب المثقفين لدينا خريجين جامعات أوروبا وأمريكا!! ليس هذا من عجائب الزمن ولا من سخافات العولمة، بل يعني افتقار الوسائط الثقافية لدينا لإستراتجية جذب الجماهير وخاصة فئة الشباب من الجنسين، فلم يعد الكتاب ولا الخطب العصموات ولا المحاضرات المغرقة في الفلسفة والتنظير بذات فائدة وأثر يرجو في عمليات التغيير وإعادة صياغات الوعي المعيوش، كل ما قدمته الأندية فيما مضى مجرد حبر على ورق، لا يقبل القسمة على اثنين! نعم قد يكون - حسبما اعتقد - تعريف تاريخ الأندية الأدبية لدينا (بأنها مجرد حبر على ورق) باستثناء نادي جدة الأدبي.
إن الفترة المقبلة من تاريخ الأندية الأدبية الذي يحب البعض أن يسميها (فترة انتقالية)، وحتى التراجع حيناً نطلق عليه مرحلة انتقالية من حيث الفعل فليس بالضرورة كل فعل يعتمد على حركة الانتقال هي خطوة تقدميّة، على العموم أحسب أن (التاريخ يعيد نفسه) لكن بصيغة مختلفة، فالبدايات التي فرضت عن طريق التعيين الفكر المحافظ في جيله الثاني غير مشجعة على تنوع الفكر الثقافي والتغيير وبهكذا فرض فلن يقبل الفكر المحافظ المفروض القسمة على اثنين، ومن ظن غير ذلك فهوشأنه، على العموم مبدأ التعيين في ذاته وتنحيّة فعل الانتخاب هو تكريس لذات صياغة القرار الرسمي القائم على (القطب الواحد)، والنوع الثقافي الواحد والصوت الواحد في صراخه وتلاوته وصمته.
إن المرحلة المقبلة من حياة الأندية الأدبية تحمل لنا بضع أسئلة هي في ذاتها مشكلات متعالقة ببعضها البعض، أولها كيف نريد أن نتعامل مع هذه الفترة الانتقالية - إن صحت العبارة -، بل كيف يجب أن نتعامل معها؟ هل سنبدأ من الداخل للخارج نناقش أسباب إخفاق الأندية الأدبية في حقبها الماضية والاستفادة من عدم الوقوع في ذات الفشل وأسبابه، لأن إلغاء الاستفادة من التجارب الفاشلة لا ينّضج التجربة التصحيحية للوضع؟ وهو ترابط أظنه بين التجربة الجديدة والقديمة لا مناص منه، أم سنراكم ما نتوهم أنه جديد على قواعد متهالكة وفكر محافظ لم نجنِ منه في الماضي إلا ابتعاد المثقفين الجادين عن الأندية ليرعى فيها كل من هب ودب؟ إن الأمر في جادته يحتاج إلى تفكيك بنى ثقافتنا التقليدية التي سيطرت على الأندية الأدبية وأدخلت بعضها في دائرة الملكية الخاصة لرؤسائها، فكانت الفردية من أهم مشكلات الأندية الأدبية فيما مضى، ويدخل ضمن الفردية الشللية، وهذه ليست أقصد الشللية مشكلة الأندية الأدبية بل مشكلة الثقافة السعودية برمتها، وهي ما جعلت بعض أنصاف المثقفين يعتلون منابر الوسائط الثقافية في الداخل والخارج، إنها دوما ذات المشكلة، (لا شيء هناك يقبل القسمة على اثنين) إن الأندية الأدبية تقف اليوم بين ثقافتين مختلفتين، الثقافة التقليدية بمفهوميها المحوري والوسائطي والثقافة المعاصرة أيضاً بمفهوميها المحوري والوسائطي، والمطلوب منها إيجاد معادلة التوازن بينهما لمسعى جدي لإمكانية التوافق حول المفاهيم والقيم المشتركة، من أجل ديمقراطية المعرفة وإن اعتبرنا تلك المعرفة بكيفيتها تواجداً افتراضياً، وتفعيل وعي شعبي بصيغة معاصرة لثقافة معاصرة ورؤية معاصر للثوابت.
إن المسألة فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة للأندية الأدبية لا تقتصر على حركة تبادل الأدوار، فهذا مفهوم ضيق وأخرق للتغيير،بل المسألة هي أكثر من ذلك وتحتاج إلى أكثر من ذلك، تحتاج إلى جدية الغاية؛ أي الإصلاح في شموليته، والثقافة خارج اعتبارات الإصلاح في مراتبه الثلاث الوعي والسلوك والتغيير لا قيمة لها، تحتاج إلى الإيمان بأهمية الدور وقيمته خارج دائرة صراع المعسكرات الفكرية فالمهم آخر الأمر قيمة الناتج سواء كان عبر الفكر المحافظ أوالعلماني أوالليبرالي، لذا فالتعايش بين المعسكرات الفكرية المختلفة من الأهداف الرئيسة التي يجب أن تسعى في تحقيقه الأندية الأدبية في مرحلة تغير الجلد هذه، كما تحتاج إلى إستراتيجية مصمَمة وفق نتائج قراءة نصوص الوعي الشعبي وتطبيقاته الحياتية المختلفة.
أما (المرأة) فإنها ستظل من أهم تحديات تفعيل الإصلاح في مفهومه العام وفي الثقافة خاصة، وأي دور ترجوه الأندية أوتتشدق به، يحاك من خلفها أوفي غيابها أو كأضعف الإيمان في حضورها الصوري والعرفي لتقف خلف الرجل، لن يحقق أي قيمة اعتبارية لكليهما - ولي وقفة مطولة في هذا الأمر - وأخيراً، لا شك أن مفهوم علاقتنا بالأشياء هي انعكاس لأفكار الخاصة بل والأقرب هي تمثيل لأفكارنا، وبذلك فنحن نشخصّن الأشياء حسبما نميل إليه من وعي وآليات، وهو ما يفقد الأشياء عطاءاتها، ليس تجديد الأشياء هي التي تمنحنا التغير بل تجديد الأفكار في مستواها الإجرائي أي (الإنسان) هو الذي يؤدي إلى التغير والتغيير، وهكذا فالتغيير هو نظام بكل ما يعنيه من كلانية، وبذا تصبح كل الأشياء قابلة للقسمة على أكثر من اثنين!!.


seham-h-a@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved