الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

آليات التجريب وآفاق الدلالة «1»
*د. عادل ضرغام:
يجب أن نشير مبدئياً إلى أن تناول هذا الكتاب (قصص من السعودية) بوصفه نموذجاً للقصة السعودية يعد محاولة غير مأمونة الجوانب، من ناحية أولى لأن لكل كاتب قصة واحدة، والقصة الواحدة لا تصلح لإصدار حكم نهائي، يكون صحيحاً إلى حد بعيد. ومن ناحية أخرى فإن وقوف العمل النقدي عند حدود ذلك الكتاب ربما كان له قيمة إيجابية تتمثل في القدرة على القراءة، والوقوف على السمات الفنية، والتوجهات الموضوعية لهؤلاء الكتاب؛ لأن الوقوف على القصة السعودية بصفة عامة دون تحديدها في إطار معين يعد عملاً صعباً؛ لأن هناك كتاباً عديدين، ويصعب على أيّ باحث أن يلمّ بإنتاجهم.
إن أول شيء يلفت نظر المتأمل في هذا الكتاب يرتبط في الأساس بجزئية النوع الأدبي، فأغلب القصص التي جاءت في هذا الكتاب لا تزيد على صفحة واحدة، بل إن هناك مجموعة من القصص لا تزيد القصة فيها على عدة سطور، وهذا يتساوق مع الموجود إبداعياً في العالم العربي.
وحين نتوقف عند مجموعة من القصص القصيرة التي جاءت في هذا الكتاب، ندرك أن هذه القصص تتسم بسمات معينة، منها أنها تمارس تغييباً للموضوع، بحيث تغدو القصة فكرة عامة، ومن ثم تحاول خلق حالة معرفية من خلال تشكلها الكتابي البسيط. وهذا قد يشدنا إلى سمة أخرى من سمات هذا النوع من القصص، وهي السمة المرتبطة بتهميش أو محاولة تقليص السرد البنائي، فالمعروف عن القصة القصيرة أن هناك نمواً بنائياً قائماً على السرد، سواء كان هذا السرد تراتبياً أو غير متراتب، من خلال استخدام تقنية التشظي أو الاستباق أو الارتداد، ولكن هذه القصص تغيّب هذا النمو، وتستعيض عنه بتشكيل الحالة المعرفية، التي تتغير وتتبدل، فيمكن أن نجد تغييباً للسرد، تغييباً للحادثة، وهذه سمات ربما كانت وثيقة الصلة بالشعر.
وحين نتوقف عند مجموعة من هذه القصص سوف يتأكد لنا هذا المنحى، ففي قصة (ثلاثة) لجبير المليحان لا يمكن أن نلمح خطاً سردياً نامياً، ولكن هناك حالة تأملية يتم التركيز عليها، وهذه الحالة ترتبط بطبيعة الوجود، فهي تنطلق من المثير البصري الخاص بمراقبة أعمدة الإنارة والأشجار أثناء سير القطار، وهي جزئية إنسانية شعرنا بها جميعا، ولكنه لا يقف بها عند حدود المدرك البصري، وإنما ينطلق منها إلى الدلالة على طبيعة الوجود، الذي يشير إلى ثبات المكان وتغير الجالسين عليه بداية من الجدّ والابن والحفيد.
وفي قصة (شرخ) للبراق الحازمي سنجد أنفسنا أمام الإشكالية ذاتها، وهي إشكالية التصنيف، فليس هناك نمو تراتبي للسرد، وإنما هناك وصف لحالة شديدة الخصوصية بالمبدع، يمارس فيها نوعاً من التغييب، فالقصة تشير إلى أن هناك اختلافا جوهريا بين الآتي (المعيش والماضي)، وقد يكون مرتبطا بالموضوعي في كل تجلياته، وقد يرتبط بالفردي من تجليات باطنية، والمرآة التي حملت هذا الشرخ، تعد معادلاً لا نستطيع من خلاله أن نقيس المغايرة والاختلاف، ولا رصد التغير الشكلي، والتغير الباطني الداخلي.
وقد شكلت المرآة حضوراً لافتاً في قصة أخرى، ففي قصة (حواف المرآة) للكاتب عبد الله التعزي، سنجد أن هذه القصة - بالرغم من صغر حجمها، فهي لا تزيد على سطور قليلة - مهمة في رسم وإدراك التغير في تكوين النفس الإنسانية بين السابق والآتي، بين الفطري والتجريبي، بين عالم بداية الوعي المملوء بالآمال والأحلام، واللحظة الآتية المرتبطة بالسأم والقنوط. فالوقوف أمام المرآة - في حد ذاته - عملية ذات خصوصية لمعاينة الاختلاف أو الثبات، أو الاقتراب من الأحلام السابقة، وقد أفضت عملية الوقوف إلى وجود بون شاسع، فالتطلع إلى الآمال كان سمة المرحلة أو الصورة السابقة، أما اللقطة الآنية التي تقدمها المرآة فهي تنم عن مغايرة واختلاف واضحين.
إن القصص السابقة التي تمارس تغييباً للموضوع المحدد، وتغيبا للسرد التراتبي، تلتحم - بالضرورة - بالتأمل بوصفه جزئية أساسية تنفتح على دلالات عديدة، منها ما يرتبط بالذات، ولكنه لا يبقى على التوجه الذاتي، بل ينطلق إلى عمق الفكرة. ففي قصة (الفراشة) لحسن حجاب الحازمي، وهي قصة قصيرة جداً، سنجد أنها تقدم صورة الفراشة وهي تحاول الاقتراب من الضوء، تريد أن تشربه كاملا، ولكن الوزغ - البرص - يتربص بها، ويلتهمها ويسقط بها في جوف الظلمة. والقصة على هذا النحو ربما تكون مقبولة بوصفها تجربة عادية تأملية، ولكن الوقوف طويلا أمام هذه القصة ربما يجعلنا نعيد النظر فيها مرة أخرى، حيث ترتبط الفراشة بالنفس الإنسانية، وطبيعتها أو فطرتها المرتبطة بالتعلق بالآمال العالية ومحاولة التقرب إليها، ولكن البرص - الذي يمثل صوت الواقع - يكون دائماً سداً فاصلاً بين النفس الإنسانية وما ترصده من آمال.
إن القصة تصور ذلك الصراع الأبدي بين المتخيل النموذجي والمتحقق الواقعي. ويمكن أن نلمح ذلك التوجه الخاص القائم على تغييب الموضوع، وتغييب السرد التراتبي، والالتحام بحالة معرفية من خلال التأمل، في قصص قصيرة من قصص هذه المجموعة، مثل قصة فهد الخليوي (مكابدة)، (وجياد) لهدى عبد الله، و(دماء بيضاء) لأحمد بوقري، (وحكاية الطائرة الورقية) لصلاح القرشي، ففي القصة الأخيرة سنجد أن القصة ترتبط بحلم طفلي خاص يرتبط بامتلاك طائرة ورقية مزركشة تختلف عن الطائرات الورقية التي يستخدمها التلاميذ. والوقوف عند طبيعة التركيب البنائي للقصة ربما يجعلنا نقدم تفسيرات دلالية خاصة لتلك القصة ترتبط بالأمل الإنساني الذي يلازمنا على الدوام، وترتبط بحلم الحرية، والانعتاق من أي قيد.
.....................................................................................................يتبع
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved