الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

حمزة شحاتة ومحمد فقي.. (هو.. وأنا)
تحليل أسلوبي «2-3»
*وضحاء بنت سعيد آل زعير:
***
مقطع ثان
كان في هذه الحياة هو الرشـ
ـد، وكنا، رغم التباهي، الضلالا
ولقد راح، فاستراح، وأمسى
فكرا، تستحثنا.. وخلالا
يا لهذا الجلال، أعيا على المو
ت، ولم يخش في التراب، الزوالا
كم خلود يطل من عالم الغيـ
ـب علينا، مرفرفا، مختالا
فرضيناه شامخا، ومدلا
وحمدناه، واقعا، وخيالا
ذاك مجد السمو، راح وأبقا
نا، نساء نشدو به، ورجالا
أيهذا العملاق، يا ناسك الفكـ
ـر، تركت الأقلام، تشأو النصالا
إن بعنف، وإن برفق، توثبـ
ـتَ، وحطمت بالنهى الأغلالا
أترى تشهد الربوع، وقد غبـ
ـت، اعتزالا، يجري عليها النوالا؟
صاغ أقواله، فما الماس والتبـ
ـر؟! استحالا أمامها صلصالا
رب نهر أروى عطاشا، فقالوا
بجحود ما أبخل الأوشالا؟
وتولوا عنه سراعا، فما جف
وما زال نبعه سلسالا
المادة:
كثرة الأسماء في هذا المقطع: (الرشد، الجلال، مجد السمو، العملاق، ناسك الفكر،.. الخ) لها دلالة الثبوت التي يريد أن ينقلها الشاعر مما وُضعت له إلى نفس الشخص (الفقيد)؛ ليدلل على ثبوته في نفس الشاعر، ومن حوله بصفاته الكريمة التي يسردها لنا.
وبالنسبة للأفعال، فالغالب التصريف الماضي لها: (كان، استراح، أمسى، تركت، توثبت، حطمت،.. الخ)؛ والذي يدلّ على الدوام ويتآزر مع الاسم للكشف عن مكانة الراحل في نفس الشاعر.
الهيئة:
وفي هذا الجزء نجد الدلالة تتضح أكثر في استثمار الشاعر لوسيلتي التعريف والتنكير، والتي تختلف دلالة كلّ منهما بحسب السياق الذي تستدعيه الفكرة.
فحينما يتحدث عن الفقيد، ويسبغ عليه الصفات فإنها تأتي معرّفة؛ ليبين استغراق الموصوف في هذه الصفة: (الرشد،الجلال، العملاق، النُهى)، ومن المفارقات التي يريد الشاعر لفت انتباهنا لها تعريفه لكلمة (الضلال) التي يصف الناس بها، فهي أتت للمقارنة بين حال المرثي، والناس؛ وإتيان الضلال معرّفة فيه توظيف لمبتغى الشاعر، الذي يرفع من شأن الفقيد، وعدم مساواته بالبقية، بل هو يرتفع عنهم درجات؛ وهذا ما يتغيّاه الشاعر في نصه.
وفي التنكير أيضا يستثمر دلالته، ليعبّر عنها بكثرة الشادين بالفقيد (نساء نشدو به، ورجالا)؛ وهذا يدلّل على أهميته وعظمته في النفوس نساءً ورجالا.
وفي البيت العاشر حينما يعرِّف الماس والتِبر مدللاً على قيمتها، حتى يتسنى للقارئ ملاحظة الفرق بينه وبين الصلصال الذي جاء منكّراً لهذا الغرض، وهو إبراز المفارقة بين كلام الفقيد، الذي يحوّل هذه المعادن النفيسة إلى أقل شيء وهو الصلصال؛ مما يؤكد على مكانة المرثي الرفيعة، التي استطاعت إفقاد الثمين ثمنه.
***
المستوى التركيبي:
الجمل الإنشائية والخبرية:
الجمل الإنشائية:
البيت: الثالث، والسابع، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر.
الجمل الخبرية: البيت الرابع.
لقد استثمر الشاعر الجمل الإنشائية بنوعيها: الطلبية، وغيرها؛ ليوضح الفكرة التي يسعى لإقناع المتلقي بها، وهي علوّ مكانة المرثي. فنجده حينما يتعجّب، يتعجب تارة من صاحبه الذي لا يهاب الموت والزوال، بل وأعياهما؛ وهنا تتضح المبالغة.
وتارة أخرى يتعجب في سياق حديثه مع نفسه عن الجاحدين؛ الذين يستقبلون كل عطائهم في حاجته؛ وبعدما يرتوون ينكرون الجميل، بل ويتذمرون. ويحاول أن يوظف الشاعر هذا الأسلوب للدلالة على أن هؤلاء الجاحدين، ومع فعلتهم إلا أن الفقيد لا يزال يعطيهم، وذلك من الأمور التي تلفت انتباه الناس لهذا الحليم؛ وهو ما يريد الشاعر لفت المتلقي إليه.
وكذلك من الجمل الإنشائية (النداء)؛ ينادي الشاعر صاحبه في البيت السابع بصيغة (أيُّهذا)، مركبة من (أي) + اسم الإشارة (هذا) تفخيماً للمنادى الذي أطلق عليه وصف العملاق، والشاعر يؤازر بين هذه الوسيلة، مع التعريف للمنادى يريد من هذا كله أن يبرز الفكرة التي يسعى لإقناعنا بها، وهي علو شأن الفقيد.
والجملة الخبرية هنا تفيد تعظيم هذا الخلود للراحل، دالاً على تجدده الإتيان بالفعل المضارع (يطلّ) متآزراً ليكشف لنا عن حضور صورة الفقيد دائماً.
الجملة الاسمية والفعلية:
الجمل الفعلية: الماضوية: في البيت الأول، والثاني، والخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والعاشر، والحادي عشر. والثاني عشر.
والمضارعية: في البيت الثاني، والثالث، والتاسع.
تكثّفت الجمل الفعلية في هذا المقطع، وإن كان للماضوية نصيب الأسد؛ ليؤكد الشاعر لنفسه قبل المتلقي غياب الراحل، وأنه انتهى لا عودة له.
وتبرز المفارقة حينما يورد الشاعر في البيت الواحد فعلاً ماضياً وآخر مضارعاً، ويوظّف الماضي للحديث عن الفقيد، بينما المضارع ليتحدّث عن نفسه وصحبه الأحياء، كما في قوله: (أمسى فكراً تستحثّنا)، و(تركت الأقلام تشأو النصالا)، و(وقد غبت اعتزالاً، يُجري عليها النوالا).
وحينما يستثمر الشاعر الفعل الماضي في الحديث عن موقف الشاعر، وصحبه من الفقيد (رضيناه، حمدناه)، يبرهن أن ذلك أمر قائم، وذلك للصفات التي ذُكرت بالاسم (شامخاً، مدلاً، واقعاً، خيالا) مؤكدة ثبوتها واستقرارها فيه.
التقديم والتأخير:
في البيت الأول حينما أتى بالضمير المنفصل (هو)، زيادة في التقرير، والتأكيد على أنه يتصف بالرشاد، فلم يذكر أنها صفة له، بل جعله هو نفسه، مبالغة في الرفع من شأن الفقيد، ولبيان مكانته في نفسه، والذي سيشعر القارئ -كما شعرت- بمكانة هذا الفقيد، وهذا ما يريده الشاعر.
كما قدّم الجار والمجرور (في التراب) في قوله: ولم يخش في التراب الزوالا. ليقنعنا أنه فعلاً قد أعيا الموت، ولا يخش الفناء، لأن التراب الذي يوحي بالقبر، يبعث في النفس القشعريرة، والوجل؛ فما دام الفقيد لا يأبه بها فهو يستحق الإشادة، وعلوّ المنزلة، التي يريد أن يلبسه إياها الشاعر. وهنالك تقديم جار ومجرور أيضا في البيت الثامن حينما يجعل تحطيم الفقيد للأغلال كان بالعقل لا باليد، التي قد تتصرف بلا عقل، أو تفكير، فهو برجاحة عقله يعمل ليزيل ما يعيق تقدّمه، سواء كان ذلك بالعنف، أو اللين؛ إلا أن العقل موجود، فالشاعر يخرجه من دائرة الطائشين المتسرعين، الذين يتصرفون بلا عقل أو روية.
ونلحظ في هذه التقديمات، محاولة الشاعر -وقد نجح - في بيان لمكان الفقيد عالي المنزلة، رفيعها، وهو الهدف الذي يتضح لنا مع تحليل كل وسيلة تعبيرية.
***
المستوى التصويري:
الصور الجزئية:
شبّه الشاعر نفسه، وأصحابه بالضلال رغم ما كانوا يتوهمونه من رشد في أنفسهم، وذلك بعدما شبّه الفقيد بالحياة، وفي هذين التشبيهين تتضح المفارقة بينهم؛ ليبرز الشاعر بذلك الاختلاف بين الراحل وبينهم، فيكشف الرفعة والمكانة له عن البقية.
ويشبهه بالفِكَر والصفات التي تستحث النفس داعية أن تُتبع؛ لأن في اتباعها الخير الذي يُرجى، وفي هذه الصورة أيضا كسابقتها استثمار للتصوير، الذي يوضّح مكانة هذا الراحل في نفس الشاعر.
ويكنّي بقوله: (تركت الأقلام) عن أن هذه الأقلام ما فتئت تكتب بعده، وتسجل مآثره، وكأن الشاعر في قصيدته واحد منهم فقط؛ وفي هذا أيضا دلالة على مكانة الفقيد التي يبرزها الشاعر بالوسائل المختلفة.
الصور الكلية:
في البيتين الحادي عشر، والثاني عشر صورة كلية استثمرها الشاعر؛ ليبيّن مدى حلم الفقيد، ورفعة أخلاقه، ممن يجحدون فضله، وأنه رغم ما يفعلونه إلا أنه يردّ الإساءة بالإحسان، ويستمرّ في عطائهم إذا احتاجوه، وإذا استغنوا عنه تركوه، وكأنهم لا يعرفونه. وهذه الصفة تقلّ في البشر؛ وإن كانت في الفقيد فهي تدلّ على عظم أخلاقه، التي -بلا شك- ترفع من مكانته بين الناس. وهذه الصورة الكلية الوحيدة الموجود في هذا النص.
***
المستوى الإيقاعي:
التكرار والتضعيف:
استثمر الشاعر جرْس كلمة مضعّفة وردت؛ لتبين جمال روح الفقيد في قوله (مرفرفاً)، ولن تكون له هذه الروح إلا لأخلاق الكريمة التي خلّدت ذكراه، وتطلّ على عالم الأحياء مجدّدة ذكراه.
القافية:
اللام المردوفة بحرف المد الألف، وقد أُشبعت حركة اللام -الفتحة- لتعطينا ألفاً ممدودة (الوصل).
البحر الشعري:
البحر الخفيف بتفعيلاته (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن).
وهو من البحور التي يغلب عليها الليونة، والسهولة؛ مما يتناسب مع الرثاء، فليس بحرا طويل النفس، كالطويل المناسب للفخر مثلاً.

wadha88@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved