الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

القاصات والشاعرات السعوديات..
هِجرتهن إلى الكتابة الاجتماعية.. لماذا؟!
البدايات وليدة الإبداع واللاحق قاب قوسين من العادي!!..
هذا ما استقام لي من وصف لمسيرة الكتابة لدى بعض الكاتبات في محيطنا السعودي.. فحين كن يمارسن التحليق في فضاء البوح كانت أقلامهن تتكئ على الكتابة الإبداعية التي لا تنفك تغرق القارئ في تداعيات ثرية المفردة والمعنى.. الشكل والمضمون..
أما اليوم فالمصير الذي آل إليه كثير من الكتابات النسائية وجعلني أصفها بما سبق في مبتدأ حديثي ليس لنضوب في الموهبة قطعاً بحسب ما أرى، لكنها - أي الكتابات الابداعية - خلعت عنها بمحض إرادة واعية.. خلعت هويتها الإبداعية لتتجه صوب الكتابة الاجتماعية؛ ما يعد ظاهرة ملاحظة، قد يغذيها رغبة الكاتبة في التواجد كيفما اتفق، وإن كان هذا التواجد في المكان غير المألوف لما اعتدناه منها لا يعني بالضرورة عدم التلاقي في بؤرة الإبداع أو أنه لا يستحق عناء القراءة منا، بل العكس تماماً ما يلاحظ أنه سيكون قيد الاهتمام ولسببين الأول كونه يحمل اسم الكاتبة التي حلقنا معها في غير ذا المجال وعدنا بمغنم الإعجاب أو الامتاع أو غير ذلك، والسبب الثاني محتوى الطرح الذي أتت به الكاتبة لنستكشف أهو جدير أن يحتل من فكر الكاتبة مساحة كان الأولى أن تضن بها على كتاباتها الإبداعية، فما من قلبين في جوف واحد، وتوجه الكاتبات إلى الكتابة الاجتماعية يغرقهن في تفاصيل ويوميات واهتمامات ليس بالمستطاع والممكن الجزم بعدم تأثيرها على الخارطة الإبداعية لديهن.. أسئلة كثيرة تطرأ حال المرور من أمام أو على بقايا كتابة أنثوية أدبية حقيقية آثرت كاتبتها الهم الاجتماعي والركض اليومي من خلال الكتابة الصحفية.
السؤال الأكثر إلحاحاً: هل هاجس البحث عن الذات هو المحور الأساسي خلف هذه التحولات التي ستنسحب حتماً على مجمل التجربة الكتابية وتحديداً الإبداعية أم أن العملية لا تتجاوز كونها مزهرية شخصية ليست مضطرة في الأصل إلى مزيد تنسيق أو تشذيب؟.
هذه لمحة سريعة لقضية تحول الكتابة الأدبية الإبداعية إلى الكتابة الاجتماعية اليومية من خلال الزوايا والأعمدة الثابتة في الصحف والمجلات، حيث التقت (الثقافية) عددا من النقاد والمهتمين فكان هذا التحقيق:
*الثقافية - منى العصيمي:
***
تصنفيات الكتابة
البداية كانت للناقد الدكتور صالح زياد، حيث أشار إلى أسس تصنيف العمل الكتابي قائلاً:
الكتابة الإبداعية لا تصنف من وجهة أدبية لموضوعها، ولكن لشكلها وأسلوبها؛ ففي كل أدب موضوعات اجتماعية وغير اجتماعية؛ ذلك لأن الأدب هو الحياة بمختلف شؤونها وشجونها، فكل ما يهم الإنسان يدخل في مجال أحلامه وعواطفه وخيالاته التي هي مدار الأدب والإبداع.
كتابة المقالة الاجتماعية هي طريقة في إظهار المواقف وتحليل القضايا والظواهر الاجتماعية.. والكاتبة بمثل هذا الفعل تضيء واقعها الاجتماعي وتنير المعرفة بجوانبها المختلفة. وينبغي هنا ألا ننظر إلى المقالة الاجتماعية أو الكتابة في شؤون المجتمع بأنها أقل منزلة من الكتابة الإبداعية شعراً ورواية وقصة وما إليها فالنتيجة هنا هي مقدار ما يحققه الكاتب أو الكاتبة من أثر في قرائه ومجتمعه، وهذا الأثر يمكن أن يكون عن طريق الإبداع الأدبي بالشعر والقصة ويمكن أن يكون عن طريق المقالة أو البحث أو العمل الإعلامي التلفزيوني أو الإذاعي.. لكن حساب الفارق في النتيجة والأثر هو أمر ملحوظ بين أنواع الكتابة والإبداع المختلفة، فتأثير الباحث الاجتماعي والمحلل النفسي هو بالتأكيد غير تأثير كاتب المقالة أو الشاعر؛ لأن مجال البحث والتحليل بأساليب معرفية ومنهجية لها صبغة علمية يختلف من العمق ويترك من الأثر ما لا يمكن أن تعمله القصة أو القصيدة.. وأعتقد أن لدينا كاتبات على مستوى من الإبداع الأدبي والفني وعلى مستوى من الوعي والمسؤولية تجاه واقعهن، ومنهن من يظهر مواقفه ويحلل مجتمعه عن طريق الكتابة الأدبية، ومنهن من يظهر موقفه ويحلل واقعه ويضيء معرفتنا به من خلال المقالة أو البحث أو التحقيق الصحفي وما إلى ذلك. وكون الكاتبة تخرج من أسلوبها المعتاد لا يعني بالضرورة أنها جنت على إبداعها، بل هي تخوض تجربة جديدة تتيح لها تجريب موهبة جديدة وإمكانات وقدرات كانت مختفية لديها ومحجوبة بموهبة أخرى.
***
فضاء واسع
وتأتي مشاركة الأستاذ خالد اليوسف معتبرا أن الكتابة الاجتماعية فضاء واسع للمبدع حيث قال: الكتابة لها أصل وجذور لدى كاتبها، والكتابة لا تنبع من جوف خال، أو عقل ناضب جامد غير مقلق لصاحبه، والكتابة لا تأتي إلا لمن أوتي التدبر والتمعن والضجر من الحال!!.
من هذا المنطلق جاء العبقري والمبدع والمفكر والكاتب، وكثير من الناس يطلق عليه صاحب الحواس أو صاحب الحاسة السادسة! لأنه قد تجاوز الواقع المنظور إلى غير المنظور، بل لأنه لا يدع شيئاً يمر من أمام حواسه إلا وقد حلله كثيراً، وقلب أبعاده وأعماقه وأشكاله حتى تظهر له الخفايا الجميلة والقبيحة، الضارة والنافعة وغير ذلك من مميزات أو مثالب، بعدئذ يأتي دور الكتابة، فالمبدع له تناوله والمخترع له أدواته وتخيلاته وحلوله، والمفكر له نظرياته وشروحاته، ولعل حديثي واضحا هنا أنه يعبر عن الجنسين؛ لأن المرأة الكاتبة لا تختلف أبداً عن الرجل الكاتب، لكن عندما تضيق بها - وبه - اللغة والبلاغة والتقنية الكتابية الإبداعية لا بد لها من مهرب ومخرج، حيث الكتابة للمقال الاجتماعي الذي لا قوالب للغته ولا رقابة نقدية لمضمونه ولا حساب للتقنية الفنية المسكوبة فيه.. إن الكتابة الاجتماعية فضاء واسع وحل مطلق للمبدع كما هي لغيره، لكن المبدع ينطلق من زوايا مختلفة، لا يستطيع الكاتب العادي الانطلاق منها، وهي مقدرته الأدبية الطليعية الاستشرافية التحولية للمجتمع، وبما أنه مختلف عن غيره فلا بد أنه يسعى إلى التغيير والتحديث والتطوير، والمقال الاجتماعي يعطيه الرحابة للتعبير عن ذلك، بخلاف النص الإبداعي المحكم.
ولنا في واقعنا شواهد ونماذج قوية منذ بداية الصحافة حتى الآن؛ لأن التغيرات السريعة في الحياة الاجتماعية، وإيقاع العصر الانفتاحي على القرية الكونية وغيرها، ضغطت على أقلامنا ومدادنا وأوراقنا للإدلاء بما يجب قوله خارج النص الإبداعي الذي لم يعد يستوعب كل هذا، فكان المقال الاجتماعي حلا للجميع للخروج بكتابة تخدم المجتمع وتكون قريبة من كل الطبقات والمستويات الاجتماعية.
***
التكامل الكتابي
أما الأستاذة بهية بوسبيت فاعتبرت أن الكتابة تكاملية ووظيفة مشتركة إبداعية كانت أم اجتماعية.. حيث قالت: أعتقد أن الكتابة الاجتماعية والإبداعية وجهان لعملة واحدة أساسها موقف أو رؤية أو عقدة أو مشكلة اجتماعية نسمعها أو نعرفها أو نعيشها.. وبقلم المبدع الكاتب وفكره وخياله وإحساسه بالآخرين يحوّلها إما إلى قصة أو قصيدة أو قطعة نثرية أدبية أو اجتماعية أو حتى لوحة فنية تعكس دواخل هذه الشخصية وما يعتمل فيها من آثار نفسية سلبية أو إيجابية نوعاً ما، كذلك الكتابة الاجتماعية هي الوجه الآخر لمشكلة ما أو قصة أو مأساة يجسدها قلم الكاتب إلى مقال اجتماعي أو يصوغها على شكل مشكلة تحتاج إلى حل.. وقد يحوّل هذه المشكلة أو الحكاية إلى فكرة حوار يناقش من قبل عدة أشخاص، وقد يستفيد المبدع أو الكاتب من هذه الإجابات المختلفة ويستخدمها في عدة محاور إبداعية.. قصة.. قصيدة.. رواية مقال.. إلخ، فالكتابة الاجتماعية في رأيي لا تقلل من مستوى المبدع بل تزيده ابداعاً في نوع آخر من الإبداعات الكتابية الأخرى؛ لأن الكتابة في شقيها فيها إبداع والدليل على ذلك ما نرى من المؤلفات للمبدع والمبدعة التي تتنوع بين الرواية والقصة والمقال الاجتماعي والأدبي والشعر والنقد.. فلكل كتابة إبداع يخصها، وليس معنى اتجاه المبدع أو المبدعة إلى الكتابة الاجتماعية أنه يدلل أو يقلل من مستواه الإبداعي، بل على العكس هذا يعتبر إبداعا آخر يضاف لصاحبه؛ لأنه أصبح يجيد أكثر من لون من ألوان الكتابة المختلفة.
***
الفضاء الأرحب
أما الناقد الدكتور حسين المناصرة فرأى أن الكتابة الاجتماعية هي الأرحب من بين سائر الفنون الكتابية فيما يتعلق بالتعبير.. حيث قال: الكتابة الاجتماعية مجال التعبير فيها أوسع من غيرها من فنون الكتابة، ثم إن المجتمع في حالة تحول اجتماعي وإرهاصات، هذا التحول يفرض هذا التوجه من الكاتبات ليتسنى لهن وبأسلوب مباشر الدفاع عن حقوق المرأة وهمومها وما إلى ذلك من المفرزات الاجتماعية، وهذا برأيي أكثر فاعلية من أن تستخدم في ذلك الأسلوب الإبداعي من قصصي ونحوه، ثم إن وسائل الإعلام خاصة الصحافة معنية أكثر بالناحية الاجتماعية؛ لذا كانت الكتابة الاجتماعية مدخلا للاستفادة من وسائل الإعلام والتواجد فيها.
***
الهمّ الاجتماعي العام
كما شاركت القاصة الأستاذة نورة الأحمري قائلة: إن الكتابة بجميع توجهاتها تصب في اتجاه واحد تقريباً وهو الهمّ الاجتماعي العام، فالكاتبة الصادقة هي أكثر التصاقا بما يخص قضايا مجتمعها أينما كانت القضية. وفي تصوري أنه لا يوجد توجه بقدر ما هو مقدرة للكاتبة على ملامسة شيء ما في ثنايا الحروف المشبعة بألم الفرد.
فالمقدرة على الكتابة سواء كانت على هيئة القصة أو الرواية أو حتى الصور الشعرية بالضرورة تصب في مصب الهم العام للفرد الذي تبحث عنه الكاتبة لتصوره في إطار اجتماعي.. فالخلفية الإبداعية للكاتبة هي الداعم في مواصلة المشوار.
وبما أن التأثير هنا يلعب دورا مهما فبالضرورة يكون في صالح القارئ، فالمقالة تخلق من الكاتبة إنسانة متمرسة في امتلاك زمام الحروف والفكرة التي قد تستعصي في وقت ما.
أما الروائية المعروفة قماشة العليان فقالت: لا يشك أحد في أهمية العلاقة الوثيقة والخطيرة في نفس الوقت، التي تؤسس لنتائج بالغة الأهمية يسعى إليها الإعلامي من أجل سيادة فصل مهم من فصول الكتابة، المتمثل في حرية التعبير المسؤولة قبل أن تكون جريئة، خدمة للأسس النبيلة التي بنيت عليها مبادئ الإعلام والمواثيق الدولية التي تراعي القيم المثلى التي تشترك فيها الإنسانية دون تميز أو تحيز أو ميول. وكذلك خصوصيات الأدب الذي يأمل في مكاشفة النفس والبوح والوقوف على جراح الإنسان الماضية والحاضرة، ويرسم معالم الغد، مستعملا في ذلك فضاءات الصحافة التي كانت المنبر الأول والمؤسس الأول لمفهوم الأدب، حتى أصبحت العلاقة وطيدة ومتشابكة إلى حد عدم التفريق بين الكتابة الصحفية والأدبية في مرحلة ما.. لتتطور تلك العلاقة إلى مساءلة ما مدى تأثير الأدب في الكتابة الصحفية؟ وهل تستغني الصحافة عن قلم الأديب؟ وما هو الفاصل بين الصحفي والأديب؟ وما مدى تجاذب الكتابة الصحفية والكتابة الأدبية؟ وهل يمكن أن يتطور الأدب بمعزل عن الصحافة؟ هي أسئلة طرحت سابقاً ونوقشت ولم يفصل فيها بالشكل الذي قد يرضي أي طرف؛ ما ترك الباب مشرعاً للنقاش وطرح أسئلة جديدة، ومعرفة العلاقة التي يجب أن تسود بين الإعلامي والأديب وبين الكتابة الصحفية والكتابة الأدبية وما يمكن أن تقدمه هذه لتلك.
أرى ومن تجربة خاصة أن الكتابة الاجتماعية والصحفية تسرق قلم الأديب، وأعني بالسرقة هو خفوت الوهج والسقوط في دائرة التكرار والعبارات العادية؛ ما يبعده عن اللغة القوية التي تستخدم عادة في الكتابة الأدبية؛ لذلك فالأسلم والأفضل للأديب ذكراً كان أم أنثى أن يتفرغ للأدب، وكل مؤهل لما خُلق له.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved