الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

رؤية
الخطراوي.. و(أسرة الوادي المبارك)؟

*محمد الدبيسي:
حين كان التأريخ الثقافي في (الحجاز) كله أو جزء كبير منه.. بعيداً عن اهتمام الباحثين لإجلاء صفحاته المشرقة.. وتحرير دوره المهم والفاعل في سياق الحركة الثقافية في بلادنا لتتراكم مراحله وتحولاته, مفضية إلى استشرافاته وتحققاته اللاحقة, التي نطالع مثالاته أو مظاهرها الحاضرة.. دون أن ندرك مخاضاتها الأولى وإرهاصات تكوناتها البدائية؛ لتستوجد الرغبة الجادة والإصرار الواعي المسئول، مكانها وأهميتها على صعيد البحث العلمي والرؤية المنهجية الأمينة، والرصد الدقيق لتلك المراحل وإبراز معالمها وطبيعة تكونها وسياقاتها الثقافية الأخرى.
وكانت (المدينة المنورة) إحدى محاضن الحركة الثقافية والأدبية في بلادنا.. بحكم خصوصيتها التاريخية والحضارية.. التي ما فتئت تدر وتنجب وتنجز وتضيف..؟ ففيها وُلدت (جماعتان أدبيتان).. لمت شتات أدبائها.. وكونت عصبتهم المؤثرة.. واستجمعت طاقاتهم.. على نحو شكَّل ما يمكن وصفه ببدايات التنوير.. والوعي بأهميته كحتمية معرفية فاعلة تنتظم سياقاتها كفاءات من العقول المفكرة.. والمواهب الإبداعية الخلاَّقة.. احتوت ذلك النشاط والإسهام الثقافي الجاد.
فألفينا (جماعة المحاضرات) التي نشأت عام 1356هـ وكان أعضاؤها عبد الحق نقشبندي ومحمد عمر توفيق وعلي وعثمان حافظ وعبد الحميد عنبر، وجايلتها (جماعة الحفل الأدبي) وكان أعضاؤها عبد القدوس الأنصاري وأحمد الخياري ورضا حوحو وآخرين.
لتبتدع في بلادنا فكرة الجماعات الأدبية والتجمعات الثقافية.. مما يعطي مؤشراً على الوعي بأهمية العمل الجماعي والشراكة المعرفية.. وهو ما بدت معه تنوّعات اهتمامات أولئك الأدباء ومنازعهم، برهاناً على الاختلاف والتعدد في إطار الجماعة.
وقد كانت (أسرة الوادي المبارك).. التي تشكلت في العام 1371هـ آخر الجماعات الأدبية والتكتلات الثقافية الأهلية (غير الرسمية)، التي تبلورت كمجموعة أدبية بمقتضى وعي أعضائها بأهمية الهم الثقافي الذي كان يلح عليهم.. وإدراكهم لضرورة التعاون فيما بينهم، في سدى التلاحم الحميم.. واتساع لآفاق المشاركة.. التي كانت المعرفة نبراسها, والأدب موضوعها وعمادها.
وكانت هذه الجماعة النواة الرئيسة التي انبثق عنها (نادي المدينة المنورة الأدبي) الذي تأسس عام 1395هـ فصار أعضاء الجماعة أعضاء في أول مجلس إدارة للنادي. ولم تتوقف فاعلية الجماعة عند هذا الحد.. !؟ بل أثَّرت فيمن حولها.. وأثرت الحركة الثقافية بالمدينة المنورة.. وكان تسجيل.. ورصد مراحل تأريخها.. يحتاج إلى معرفة بمظاهر الثقافة بالمدينة آنذاك.. واستيعاب لحساسيتها ومعطياتها.. وتجليات الأثر الذي أنتجته.. ومن ثم تأثيرها في المجايلين لها من ذوي الاهتمامات الثقافية والعلمية الأخرى.. والأجيال التي تلتها..؟
وهو ما نذر (الدكتور محمد العيد الخطراوي) نفسه له.. في كتابه الصادر حديثاًً عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة (أسرة الوادي المبارك في الميزان)، والذي سجَّل فيه وعبره لمسة وفاء لرفيق دربه, وصديقه الشاعر (محمد هاشم رشيد) الذي كثيراً ما ألحَّ عليه بكتابة تأريخ هذه الأسرة, والتي لم يبق من أعضائها على قيد الحياة سوى (حسن صيرفي ومحمد العيد الخطراوي وعبد الرحمن الشبل).
وكان الخطراوي جديراً بالتصدي لهذه المهمة.. وأهلاً لتدوين مسيرة هذه الأسرة.
ويأتي هذا الإنجاز في سياق تدوين الحركة الثقافية بالمدينة المنورة خاصة.. والمملكة بشكل عام. والخطراوي الذي اعتمد على مخزون ذاكرته في كتابة ذلك التاريخ، كونه أحد أعضاء الأسرة الفاعلين ومؤسسيها البارزين.. إنما يستثمر ذلك المخزون الذكروي, وينصت لفيضه الدفاق.. ويحتوي كل ما يمكن أن يدره ذلك الفيض من وقائع ومواقف وإشكالات.. بإسناد من وعيه المنهجي, وحضوره الثقافي المهم, في مشهد الثقافة في هذه المدينة الطاهرة، فهو ممن رصدوا تأريخ حركتها الثقافية والأدبية والاجتماعية والسياسية في العصرين الجاهلي والإسلامي وذلك ما يضفي على تجربته النوعية في هذا المسار عمقاً ووثوقية وقيمة..!
وتنبع قيمة نوعية أخرى لهذا العمل.. فهو الأول الذي يؤرِّخ ل(أسرة الوادي المبارك)، ولادتها وأعضاءها ومقرها, والمناخ الثقافي الذي نشأت في ظلاله, وأهدافها ومنجزاتها وتوجهاتها الأدبية، وسماتها الفنية وأثرها على الواقع الأدبي, ودور المرأة فيها وعلاقتها بالمناشط الثقافية والاجتماعية الأخرى، كالرياضة والمسرح والموسيقى، وكذا علاقتها بالواقع الإداري بالمدينة آنذاك وأثرها في الأجيال الأدبية اللاحقة..؟ والخطراوي في هذا الكتاب.. لم يتجاوز علامات التواصل الثقافي والأدبي بين أدباء المملكة والحركات والروابط الأدبية في العالم العربي؛ فنجده في رصده لنشأة ميلاد هذه الأسرة يضيء بعض ملامح التجاذب بين رواد الحركات الأدبية في الوطن العربي، - ولا سيما في العواصم الثقافية المنتجة للثقافة بوجهها الأصيل - وأدباء المملكة..؟ وكيف أفاد أدباؤنا من منجزات أولئك الأدباء العرب.. وتأثروا بها وحاولوا محاكاتهم.. ومن ثم شبت مواهبهم وتكاملت.. لتحقق سماتها المميزة.. وتعبر عن هموم واقعهم الخاص..؟
لقد حاول المؤلف وفق ما أتاحته له ذاكرته الخصبة؛ استيعاب كل مناحي الحضور الفعَّال لهذه الأسرة وأثرها وتجلياتها.. وهو ما يعد رافداً مهماً في مثل هذه النوعية من المؤلفات.. التي لا تربأ أحياناً بالمنهجية البحثية في جانبها الشكلي.. مثل إثبات المراجع التي استقى منها بعض النصوص الشعرية والمعلومات التاريخية التي أوردها..؟ فحسبه وهو في هذا العمر المتقدم.. أن يتحف مكتبتنا الأدبية بهذا السفر المهم.. والذي يُسجل في منظومة إسهاماته الأدبية والثقافية العلمية الجادة.
كما كان لمكتبة الملك عبد العزيز وللقائمين عليها دورهم الإيجابي, في تبني طباعة هذا الكتاب.. الذي كثرت فيه الأخطاء الطباعية.. وغفل من قام بترقيمه وإيداعه وفقاً للتصنيف الموضوعاتي، عن أنه كتاب في (تاريخ الأدب) وليس في (القبائل العربية) كما دُون في أولى صفحات الكتاب.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved