الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

تركي الحمد في إشارات نقدية لاذعة:
أوهام الحداثة .. أن تحابي ذواتاً.. وتناصح أرباب مال.. وتثاقف امرأة
* الثقافية- عبدالحفيظ الشمري:
الناقد والمفكر الدكتور تركي الحمد هو الأعرف بمن أبدع، وهو الأقرب لمن يبوح في دهاليز الكلمات عن مكنون ما اعتلج في ذاته من أدب وغير أدب، بل هو الساكن في هياج التفضيل بين هذا وذاك.. تلك مداومة أنجز فيها المبدع (الحمد) خيارات معرفية عدة.. جلها هائل في نمائه، إذ يذكي في الذائقة شعوراً مختلفاً يستدعي التأمل والاستقصاء.
الدكتور الحمد تتجاذبه صنوف عدة من دأب البحث عن إجابات مقنعة لسؤال واحد يتلظى كنصل حارق، أو سهم مارق يخترق الحقيقة ويشظيها، إلا أن حالة هذا التشفي تصبح أعصى من حقيقة متكاملة، فالمشهد الثقافي العربي - حسب ما تفيد طروحات الناقد - حالة من فصام مزمن يأخذ من المرض العضال ألمه، ومن الذبول هيئته، حتى يصبح كل مشروع أواناً مؤجلاً لا تقوى المواعيد على تدارك حالة وجوده، أو لحظة لقائه.
يشير الأديب الدكتور تركي الحمد دائماً - كما عهدناه - إلى أن النقد العربي أصيب بمقتل، ليس على أيدي الخصوم والمناوئين إنما على أيدي مريديه العاقين وبحراب المقربين منه، هؤلاء الذين أذكوا نار الفتنة فيه حتى التهبت أرجاء المقولات النقدية ولم يطفئها قصاص أو ثأر أو وجاهة.
يرى الدكتور الحمد في إضمامة بحوثه ومنشوراته أن الخصوم والمناوئين أقل خطراً من دعيّ للنقد يرى أنه الوصي على الخطاب والممثل للمشروع التنويري، وهو المطفئ بحول الله نار كل افتتان، والملجم الغالب لقول كل حكيم.
لقد أشار في ثنايا كتابه: (من هنا يبدأ التغيير) بكل صراحة إلى أن النقد يحتاج إلى نقد، والطرق تحتاج إلى رسم جديد لكي تصل الحقائق قبل الأكاذيب، والواقع قبل الخيال، لنسير جميعاً محملين بوهج الحقيقة.. تلك التي تكاشف المنجز حالة ضعفه، أو مواطن قوته، وهذا هو الوجه الحقيقي للنقد دائماً.
***
ثالوث أوهام الحداثة
يؤكد (الحمد) في أكثر من مقولة، أحدثها حديثه ل(المجلة الثقافية)، أن الحداثة الثقافية تتناهبها عدة مثبطات ومعوقات وأوهام تكتنف فكر التناول للمنجز الأدبي، ولا سيما الإبداعي منه، فهو يشير بشكل مباشر إلى أن أوهام الحداثة ترتكز على ثالوث (ادِّغائي) (تَمَطْلُبي)، هو:
- أن تحابي ذوات بما يقول من نقدٍ.
- مناصحة أرباب مال في فرية نيل مراد.
- أن تثاقف المرأة بوصفها أيقونة لسحر الوصول.
عجالة حديثنا للدكتور الحمد الهاتفية لم تجعلنا نأخذ النص بأبعاد استنطاقية أكثر، وبفهم أكبر، إنما أسمعنا جانباً من بوحه النقدي اللاذع على هيئة إشارات تومئ نحو هذه المعضلة التي تتحرك وفق هذه المرتكزات الثلاثة السابقة.
فالحداثة كما يراها (الحمد) في مطارحاته الاستشرافية لحقيقة انحسار (المجتمع التقليدي) في كتابه (من هنا يبدأ التغيير) هي الحداثة الشكلية أو الكمية؛ حيث يجد الباحث أو القارئ حجم القصور في إيصال حالة الحداثة التي تتم عبر أقنية وأشخاص تتداخل مفاهيم رسالاتهم النقدية بمستدركات حول كنه طلباتهم ومرامي رغباتهم الاستحواذية؛ إذ يختلط (الحابل بالنابل) فلا تعد تدرك ما يرمي إليه هؤلاء الذين يتشدقون بمقولات تدور حول هذه المفاهيم الآنفة الذكر (الذات، والمال، والمرأة).
فكتابه يذهب إلى توضيح حقيقة أوهام الحداثة التي يروج لها البعض بوصفها بعداً معرفياً أو ثقافياً أو أدبياً، إلا أن هذه الرؤى هي من قبيل إقحام الثقافة والمعرفة والأدب في قضايا أخرى قد تحتمل فكرة الحداثة وتتفاعل معها في وقت يسترشد الدكتور الحمد بمقولة تشير إلى أهمية التفريق بين التحديث والتغيير وفق رؤى سليمة لا تأخذ المنهج الكمي مثالاً حقيقياً للتقدم.
وعن ثالث ثالوث أوهام الحداثة يقول (الحمد):
(فالاختلاف الذي يستند إليه الإنسان في تفضيل الأنثى على الذكر في عالم الحيوان مثلاً هو نفسه الذي يجعله يقلل من شأن الأنثى في المجتمع الإنساني.
وعلى الرغم من أن المفاضلة بين الرجل والمرأة والتقليل من شأن المرأة بالنتيجة النهائية دفعا فيلسوفاً (عقلانياً) مثل أفلاطون إلى حمد الرب لأنه خَلَقَه ذكراً ولم يخلقه أنثى، وفيلسوفاً (علمياً) مثل أرسطو إلى الاعتقاد بنقصان المرأة عن الرجل عقلياً) (من هنا يبدأ التغيير، ص 49) فمن هذا المنطلق يشير الدكتور الحمد إلى أن حقيقة التثاقف الحاصل الآن مع المرأة وأدبها هو من قبيل كشف المخبوء من غموضها من خلال التعريض بما تقول، والتقريظ لما تكتب بشكل سادر يؤصل عدمية المشهد وهزالة واستطراف قشوره، إذ لا أمل في التغيير على نحو ما ذكر، إذ لا (مؤشرات) أو (دلائل) أو (قرائن) تؤكد أن تناول مشروع المرأة من قِبل الرجل في وارد تقديم رؤية نابهة، إنما هو رغبة في الرنو أطول وقت ممكن لأيقونة السحر فيما تقوله المرأة أحياناً.
فالأيقونة وسحرها هو ما ذهب إليه الشاعر نزار قباني حينما وصف العلاقة بين الرجل والمرأة منذ أمد، وهي عين الحقيقة حينما نتمثل هذا الإطراء غير المبرر لما تمارسه المرأة:
حين كنا في الكتاتيب صغارا
حقنوننا بنبيل القول ليلاً نهارا
فنشأنا ساذجين
نحسب المرأة شاة أو بعيرا
***
مراوغة نقد يَصِمُ الذائقة
ليس كل نقد هو من قبيل الكمال المطلق، ولا كل نقد يغرق في السطحية والبؤس، إنما المسألة نسبية في هذا السياق.
الناقد والمبدع الروائي (الحمد) يشن هجوماً لاذعاً على نقاد يمارسون النقد بطوية تحمل أسقامها، بل ويتوالد من هذه المثابرة على هذا التقليد السيئ شعور بهوان الذائقة على هؤلاء الأدعياء. فالمراوغة هنا هي أدق وصف لحالة النقد الأدبي الذي يتسم بغياب الهوية، ولا يقبل الجدل الحقيقي، إنما يضحي الانتقاد هو السمة الأبرز في بناء العلاقة بينه وبين المنتج الأدبي والإبداعي، بل يتخطاه إلى جوانب المعرفة والفكر.
فالدكتور تركي الحمد يرى أن أوهام بعض النقاد تتجاوز مضمون المحاباة والمجاملات والتثاقف مع أدب المرأة، إنما يتحول الناقد - حسب رأيه - بهيئة فحل أدب يَصِمُ الذائقة بهراء (الأنا).. تلك المقولات التي تقدَّم إلى القارئ وكأنها يقين قاطع بجمال هذا أو قبح ذاك، فهو بذلك يرسم ملامح الهراء والهرطقة التي لا تقدم أو تؤخر في بناء مشروع الثقافة والأدب، بل تزيده تعقيداً فوق ما هو معقد وبائس؛ لأن هذه السمة أضحت بارزة في خطابات المشتغلين في الحقل الأدبي، أو ما يسمى المشروع الإبداعي.
وأشد حالات التردي في النقد الأدبي لدينا ما يذكره الدكتور تركي الحمد حينما يقول: (المؤذي في مسألة النقد الأدبي هذه الأيام لا سيما على المستوى المحلي هو أن ترى بعض من يسمون أنفسهم بالنقاد ينقلون من ثقافة الغرب وفكره العديد من المقولات والنظريات دون أن يتم تطبيقها حتى ولو بشكل بسيط؛ لأن هؤلاء لا ينقلون إلا لمجرد النقل دون الاعتناء بأي صورة من صور الجماليات التي تحتم على الكاتب أن يؤديها بشكل مناسب يحقق المتعة والفائدة).
ولنا أن نصور بعض النداءات النقدية العابثة، كناقد (ليس من المهم ذكر اسمه) نراه وقد أسرف في تناول بعض الأعمال دون مبرر، أو لنقل: إن لديه مبرراً واحداً يكمن في حالة الهوى، أو كما يقال (المزاج) في تناول بعض الأعمال، إما في الإيجاب وإما السلب، لتعود المسألة النقدية مجرد وهم عصي لا يمكن أن يضيف شيئاً.
المثقف في البلاد الغربية يغير في المفاهيم، ويصحح الرؤى، ويسهم في صياغة مستقبل للأمة، حتى وإن كان غير مقبول أو مرغوب من أي طرف؛ لأن الهدف لديه ولدى من يناصبه العداء هو خدمة المجتمع بكل الوسائل الممكنة، إلا أن مثقفينا للأسف لا يبينون مراميهم وأهدافهم حينما يتناولون المنجز الثقافي بمجرد رؤى تحكمها الأهواء، لتبقى أدوات النقد في أيدي هؤلاء النقاد مجرد صور تأملية مراوغة لا تخدم المنجز ولا تضيف أي جديد في بناء العلاقة المطلوبة بين الثقافة والمجتمع. وقد تتطور الحال إلى درجة يصبح معها الأمر غاية في التعقيد، ولا سيما حينما يضحي النقد على هيئة فحل نقدي يَصِمُ الذائقة بهراء (الأنا).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved