الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 1st September,2003 العدد : 27

الأثنين 4 ,رجب 1424

مساقات
لقبا «المهلهل» و«الشمّاخ» بوصفهما حكمين نقديين
د. عبد الله الفيفي*
1
اتجه بعض المدلين بقولهم حول مفهوم الهلهلة ولقب المهلهل بن ربيعة وجهة دلالية تتعلق بالمستوى الخيالي من الشعر وفي هذا الصدد يفيد (الجمحي)1: أنه إنما سمي مهلهلاً لهلهلة شعره كهلهلة الثوب، وهو اضطرابه واختلافه.. وزعمت العرب أنه كان يتكثر ويدعي في قوله بأكثر من فعله.
وبهذا يتجه مأخذهم على شعره إلى غلوه في الكذب الفني وإسرافه في خيالية التصوير، مما كان يتجافى عنه النهج البلاغي الواقعي السائد في القصيدة الجاهلية، والمنظّر له من قبل النقاد الإسلاميين، حتى لقد كان من آثار ذلك إيثارهم استخدام التشبيه على الاستعارة2 لأن «الفهم يأنس من الكلام بالعدل الصواب، والجائز المعروف المألوف، ويتشوف إليه، ويتجلى له، ويستوحش من الكلام الجائر الخطأ الباطل»3.
2
ومع أن مفهوم سلسلة البناء التي فسر بها معنى لقب المهلهل يبدو مترادفاً في وصف أبي عبيدة4 مع خفة النسج، حيث يقول: «وإنما سمي مهلهلاً لأنه هلهل الشعر، يعني سلسل بناءه، كما يقال: ثوب مهلهل إذا كان خفيفاً، إلا أنه ينطوي أيضاً على ما أشاروا إليه من إطالة المهلهل نصوصه وتقصيد قصائده ذلك أن الماء الهلاهل يعني الصافي الكثير5 والمهلهلة من الدروع، قال بعضهم: هي الواسعة الحلق6 وقد كان مهلهل بن ربيعة هو أول من قصد القصائد قالوا: ولم يقل أحد قبله عشرة أبيات7 وزعم الرواة أن الشعر كله إنما كان رجزاً وقطعا، ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حادثة، وأنه إنما قصدت القصائد وطول الشعر على عهد عبدالمطلب أو هاشم بن عبدمناف، وكان أول من قصّده مهلهل وامرؤ القيس8. ،كما يشيرون في هذا الصدد إلى أن مهلهلاً هو أول من قال الغزل و«استهل» به قصائده المقصّدة، فإنهم يشيرون إلى أنه كذلك أول من ضمنها ذكر الوقائع9. وفي هذا كله التفات إلى خاصية إطالة القصيدة وتنوّع موضوعاتها.
وهكذا فقد التمعت وراء لقب المهلهل جملة من القيم النقدية التي عبر عنها لقبه هذا. فقد حمل لقب المهلهل مآخذ على الشاعر في: أسلوبه، وتصويره، وملاحظ تجديد في موسيقاه الشعرية، وبناء قصائده، وطولها. ومن ثم كان يعبر لقب المهلهل عن الريادة الفنية التي اجترحها المهلهل في التحوّل بالشعر العربي عمّا كان عليه لدى أسلافه إلى تطور جديد، تبعه فيه الشعراء في مستوى القصيدة الصوتي والدلالي وفي بناء النص العام.
ويقابل مفهوم «الهلهلة» في لقب (المهلهل) مفهوم «الشموخ» في لقب (الشماخ)، الملقب به معقل بن ضرار الغطفاني، شاعر مخضرم (ت.22هـ =643م). فقد قيل إنه لقب بلقبه هذا لشموخه بالشعر10. وشموخه بالشعر المشار إليه إنما هو شموخ لفظي لغوي، حيث كان شديد متون الشعر، أشد كلاما، أو «أشد أسر الكلام»، من لبيد، وفيه كزازة، ولبيد أسهل منه منطقا11. وقد عده الجمحي12 أفحل إخوته، وجعله في الطبقة الثالثة من فحول الجاهليين، مع (النابغة الجعدي، ولبيد، وأبي ذؤيب الهذلي). وكانوا يعجبون بما يصفونه من رصانة شعره وإحكامه، حسب ما وصفه (هارون الرشيد)، عن (الأصمعي)13.
ولعل صحة عبارة (الجمحي) السابقة أشد كلاماً لا أشد أسر الكلام فذلك ما نقله عنه (الأصفهاني)14، وذلك كذلك مايتصف به شعره من شدة وغرابة. وهي إلى كونها خصلة فنية في شعره خصلة شخصية في شخصه، من مظاهرها ما قد ينسب إليه من أنه كان «يهجو قومه وضيفه ويمن عليهم بقراه15 على غير الغالب من عادة العرب كما كان سيئ الخلق مع زوجته16 ولا غرو فهذه الصفة الأخيرة مما يعدها بعضٌ في صفات الفحولة أو الشموخ الأسري. ولا غرو كذلك، فأولئك الذين تعجبهم أعرابية الشعر والشخص وكزازتهما هم أنفسهم الذين لا تعجبهم هلهلتهما وسهولتهما فيصفونهما بالليونة بل الخنوثة، كما حدث مع (المهلهل) وشعره.
وبين هذا الفريق من أصحاب هذا الخلق الأدبي والفريق المقابل من أصحاب الليونة والسهولة، التي قد تنعت بالتأنث، ينفرق الشعر ونقدته فرقين. انفراقاً هو في جوهره انفراق اجتماعي ثقافي أكثر منه فني.
المصادر
1 طبقات الشعراء، (عناية: جوزف هل)، 38. وقارن: ابن رشيق، العمدة، (تح عبدالحميد)، 1:86.
2 انظر: ابن رشيق، 1:581، 2:236.
3 ابن طباطبا، عيار الشعر، (تح. المانع)، 20.
4 نقائض جرير والفرزدق، 2: 905.
5 انظر: ابن منظور، لسان العرب، (هلل).
6 انظر: م.ن.
7 انظر: ابن قتيبة، الشعر والشعراء، (تح. شاكر)، 297، والبغدادي، الخزانة، (تح. هارون)، 2:164 165.
8 انظر: الجمحي، 35، وابن رشيق، 1:189.
9 انظر: الجمحي، 38.
10 هذا ما يذكره (العاني، سامي مكي، (1971)، معجم ألقاب الشعراء، (النجف العراق: مطبعة النعمان)، 63 في تعليل اللقب، محيلا إلى (ابن حبيب، ألقاب الشعراء، وابن قتيبة، الشعر والشعراء) ولم يرد ذلك التعليل عندهما، ولم يقف الباحث عليه عند غير (العاني). ويبدو أنه يستنتجه استنتاجاً مما يصفون به شعر الشماخ من الحزونة وشدة المتون. وهناك عدد من الشعراء المغمورين باسم الشماخ، (انظر: الأمدي، المؤتلف، والمختلف، (تح. فراج)، 138139 وغير معلوم ما إذا كانت بعض تلك الأسماء ألقاباً كذلك.
11 انظر: الجمحي، 56. وقارن: البغدادي، 3:197.
12 انظر: م.ن.
13 انظر: الإربلي، (1989)، المذاكرة في ألقاب الشعراء، تح. شاكر العاشور، (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة)، 133134.
14 انظر: 9:156. وقارن: البغدادي، 3/197.
15 هذا ما ساقه (البغدادي، 3:197)، دون استشهاد عليه، ويدل سياقه على أنه كان يستقي عن (ابن قتيبة، الشعراء، 315316). وقد كرر ذلك عنه 0العبادلة، 1991، ألقاب الشعراء بين الجاهلية والإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية)، 11. ومع أنه ليس بمستغرب ان يتصف الشماخ بهذه الصفات، فهو ومزرد الذي وصف بها من أسرة واحدة، غير أن ما ورد في كتاب (ابن قتيبة) إنما جاء في سياق الحديث عن مزّرد لا عن الشماخ، قائلاً: وهو ممن يهجو الأضياف ويمن عليهم بما قراهم به. وأمه وأم الشماخ من ولد الخرشب. ولم يقف الباحث على وصف الشماخ بهذه الصفة عند من اطلع على ترجمتهم له. فكأن البغدادي إنما وقع في لبس كلام ابن قتيبة عن الأخوين مزرد والشماخ معا. ومما يعزز هذا ان (الأصمعي، فحولة الشعراء، (تح. ش.توري) 12حين جعل مزرداً دون أخيه الشماخ فحولية، علل ذلك بقوله: ليس دون الشماخ ولكنه أفسد شعره بما يهجو الناس.
16 انظر: الاصفهاني، (1983) الأغاني، (بيروت: دار الثقافة، 9:158.


* استاذ النقد المشارك بآداب جامعة الملك سعود
AALFAIFY@HOTMAIL.COM

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved