الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 1st September,2003 العدد : 27

الأثنين 4 ,رجب 1424

بين رأيين
الصحافة الأدبية.. هل كسبت الرهان؟؟
الثقافية سعيد الدحية الزهراني:
من المتعارف عليه في الوسط الثقافي والأدبي ان هناك إشكالية لا تقف عند حدود الاطار المحلي أو الإقليمي بل تتجاوز ذلك لتشمل المناخ العربي بأكمله أيضاً، وهي إشكالية ان الثقافة منتجها ومستهلكها المثقف وحده.
هذه الاشكالية بلاشك تتأثر بمجموعة من العوامل والمؤثرات إحداثا وتقليصاً.
والصحافة الأدبية بوصفها إحدى وسائل الاتصال المعروفة تحمل على عاتقها الشيء الكثير.
نحن هنا ومن خلال زاويتكم «بين رأيين» نطرح قضية الصحافة الأدبية حيث تداخل معنا فيها كل من الروائي الناقد الاستاذ أحمد بن علي الشدوي والشاعر الاستاذ عبدالله السميح.
رأي الشدوي
وقد جاء رأي الاستاذ الشدوي متحاملا نوعاً ما على الجانب الأدبي واعتبر الجفوة على حد قوله مابين الأدب والمتلقي آتية من جانب الأديب محملا إياه المسؤولية في ذلك حيث قال:من الواضح للمتتبع لصحافتنا المحلية أنها قد مرت بمراحل متعددة من الازدهار والانكماش طوال العقود الماضية وهي تخضع في ذلك لعاملين مهمين: الأول عامل الحركة الأدبية ذاتها فمن غير المعقول ان تزدهر الصحافة الأدبية من دون ان يسبق ذلك ازدهار في الحركة الثقافية الأدبية والثاني وهو السبب المباشر ذلك هو وجود المحترف الحقيقي على رأس العمل الصحفي الأدبي، وهي في هذا العامل تستوي مع غيرها من مشروعاتنا الثقافية، في غياب واضح للعمل المؤسساتي المنهجي، وارتباط وثيق بالمشروع الشخصي ذلك المشروع الذي يختفي باختفاء صاحبه عن الساحة (سبق لي إلقاء الضوء حول ذلك على صفحة الجزيرة الثقافية العدد 13 وعلى صفحة عكاظ العدد 13418) وللسبب الثاني رأينا ظهورا متميزا لبعض المجلات الأدبية ثم انطفاؤها، ويصح القياس على الأقسام الأدبية في الصحف السعودية.
غير أنه يلوح في الأفق بشكل جيد ظهور حديث للصحافة الأدبية ويمكن ان نستبشر بدخول الصحافة الأدبية العمل المؤسساتي الممنهج على أننا لن نفرط في التفاؤل ذلك لوجود تاريخ من الانتكاسات في الصحافة الأدبية، إن ما قامت به صحيفة الجزيرة من إنشاء المجلة الثقافية كعدد اسبوعي لم يكن جديدا في حد ذاته فقد سبقتها صحف أخرى، غير أن الجديد هو العمل المنهجي، حيث انها تقترب كثيرا من ذلك في هذا العمر القصير مما يدعونا لكثير من التفاؤل.
وهنا يجب ان أوضح نقطة في غاية الأهمية من وجهة نظري إن القيام بتأسيس صحافة أدبية متخصصة وقائمة بذاتها كالمجلات الأدبية والدوريات وغيرها أمر مهم لتطوير العمل الأدبي والصحافة الأدبية معا غير ان التوسع في ذلك ليس في صالح انتشار الأعمال الأدبية وابراز الصحافة الأدبية في آن قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى ولكن لا بأس من مناقشته باختصار، وتمهيدا لتفهم ما أعنيه فإنني أؤسس على مبدأين مهمين مازلت مؤمنا بهما:
المبدأ الأول، يجب تلافي العزلة الأدبية التي بنيت بالتراكم بين الأدب وفضائه، فقد بات واضحا أن الأعمال الأدبية تحظى بجفوة من المتلقي المفترض لأسباب ليس من بينها القصور في الصحافة الأدبية وإنما بعد الأعمال الأدبية ذاتها عن الملتقي لعوامل تتعلق بجماليات النص من أجل كسب ود النقاد، ومن هنا ظهرت الفكرة المشؤومة (الأدب من أجل الأدب) وتطورت الفكرة حتى أصبح القارئ لا يفهم كثيرا مما يكتب وعلى هذا التأسيس فإن الصحافة الأدبية بذلت جهودا طيبة للمقاربة وهذا ما نلاحظ بداية ثماره، وعلى هذا أيضا فإن الصحافة الأدبية أصبح على عاتقها البحث عن الأماكن التي يمكن للمتلقي ارتيادها بعد هذه الجفوة.
المبدأ الثاني، يؤسس على المبدأ الأول ذلك ان الملتقي الذي يهتم بالكتابات الأدبية، والملتقي المستهدف بفتح مساحة للقراءة الأدبية لديه يعاني كثيرا من ضيق الوقت وسط زحام الحياة، كما يعاني من المبالغ التي يتم تخصيصها لشراء المطبوعات في الوقت الذي تتزاحم فيه الوسائل الإعلامية على وقته وماله، فإذا كنا نستهدف كسب الكثير من القراء للأعمال الأدبية فإنه يلزمنا ان نكون حيث يكون القارئ لا حيث نريد لذا فعلى الصحافة الأدبية ان تبذل الجهود لحجز أماكن لها في الصفحات الأخرى بدءاً من الصفحة الأولى للصحيفة وهي لن تتمكن من ذلك إلا بوجود المبدعين والمحترفين المتعاملين مع الزمن بذكاء.
أكاد أعترف على مضض ان الصحافة الأدبية اليوم هي التي تبذل الجهود وحدها وأكرر وحدها لردم الهوة بين المتلقي والعمل الأدبي في الوقت الذي يصم المبدعون آذانهم عن النداءات المتكررة للمساعدة.
ومع هذا فإن الصحافة الأدبية يجب ان تنظر باهتمام بالغ للحياد في العمل المهني، وألا تقع فريسة سهلة للشللية الواضحة التي وقع ويقع فيها الكتاب في المجال الأدبي.. إن الدليل على وقوع الصحافة الأدبية (ربما دون قصد) في هذا الفخ شديد الوضوح، حيث يكفي قراءة التحليل الصحفي عن عمل واحد في صحيفتين لنرى التناقض الشديد بين التحليلين، ومن المسلم به ان اختلاف التحليل فيه اثراء للعمل لكن أن يكونا نقيضين دون سبب واضح هذا فيه الكثير ويتطلب الكثير من المراجعة للتصحيح.
لم يعد خافيا قيام بعض الصحف بتخصيص مساحات كبيرة لمؤلفات أصحابها يعملون في الصحيفة ذاتها، وهذا لاينفي تجرد البعض الآخر من هذا المنزلق ، ولولا اتهم بالمجاملة لضربت أمثلة على النوعين.
السميح الأدبي والمهني
أما الاستاذ السميح بوصفه الإعلامي المتخصص والممارس للعملية الإعلامية أيضا فقد جاء رأيه مشخصاً لواقع الصحافة الأدبية حيث تحدث عن الجانب المهني في الصحافة الأدبية وعلاقتها مع الصحفي الأديب أو العكس حيث كان رأيه كمايلي:
الحديث عن عوائق الصحافة الأدبية ومسببات هذه العوائق لايمكن ان يتم بمعزل عن الاشكاليات التي تعاني منها الصحافة المحلية بشكل عام من الثابت ان الصحافة السعودية بدأت أدبية بحكم نشأتها على أيدي الرواد من الأدباء ولعلنا نتعجب الآن حينما ننظر في أحد أعداد جريدة (القبلة) من تلك اللغة الجاحظية السجعية التي يتحول معها الخبر إلى مقامة من مقامات بديع الزمان الهمذاني على ان تلك الصحافة أدت دورها الفكري والتوعوي بما يتلاءم ومعطيات ذلك الزمان بالرغم من مهنيتها المحدودة مع هذا فإننا نبدو أكثر عجباً حينما نتأمل الواقع المهني للصحافة المحلية.
صحيح ان الصحافة المحلية قفزت قفزات هائلة في مضمار التقنية الطباعية والأساليب الاخراجية الجذابة لكنها على المستوى الاحترافي المهني بقيت رهينة أنماط تحريرية وأشكال نسقية باهتة لا تواكب ذلك التقدم التقني المتميز فالأشكال الصحفية المعروفة تتداخل في كثير من الأحيان فترى التحقيق مختلطاً بالتقرير والتعليق ملتبساً بالتحليل والغريب ان المقابلة تتحول بقدرة قادر في أكثر صحفنا إلى تحقيق من خلال تصور ذهني لدى كثير من المحررين مشوب بسذاجة مهنية وكأن التحقيق الصحفي يستمد معناه من التحقيق بمفهومه الأمني، ومع هذا فإن المقابلة في كثير من الطروحات الصحفية لاتتمثل المعايير الصحيحة لفن المقابلة بما يتطلبه هذا الفن من أسئلة مغلفة أو مفتوحة أو أسئلة افتراضية أو أنواع أخرى كأسئلة التداعي وأسئلة التقصي وإنك لتندهش لهذه الأسئلة الايحائية الجامدة التي تجسد القاسم المشترك في أكثر المقابلات الصحفية.
هذا التشظي المهني نتيجة طبيعية لعدم اكتراث الصحف بالجانب التدريبي المستمر لتأهيل صحفييها بما يتواءم ومتطلبات الحرفة الصحفية في عالم اليوم ناهيك عن عدم استقطاب المتخصصين في مجال الاعلام مما جعل الصحف مرتعا خصبا لمن يريد زيادة دخله والعمل كيفما اتفق بدون ادراك لأبجديات هذه المهنة وأخلاقياتها.
كان لابد من هذه التوطئة للوقوف على واقع الصحافة الأدبية التي ينسحب عليها ما ينسحب على الصحافة المحلية باعتبارها جزءاً منها وان كانت لها خصوصيتها التي تميزها في المجال الابداعي والفكري والثقافي.
في اعتقادي ان أهم اشكالية تواجه الصحافة الأدبية هي ما أستطيع تسميتها بالصدامية ما بين الأدبي والمهني بمعنى ان الأديب أو المبدع الذي يعمل في الصحافة الأدبية يعتقد ان إبداعه سيجعل الفنون الصحفية طوع بناته وماهي هذه الأشياء؟ حتى تتعصى على أديب ومبدع يملك ناصية البيان! متجاهلاً ان هناك بوناً شاسعاً بين الأساليب الصحفية المهنية والأساليب الأدبية الابداعية وان اللغة الأدبية على وقارها لا تخدم الطرح الصحفي يقول Henry Fowler عن الكتابة الصحفية (إن استخدام الكلمات القصيرة أكثر يسراً في التعاطي مع الكتابة وأكثر تأثيراً على القراء على عكس ما يعتقده بعض الأدباء من أن الكلمات المعجمية ستدهش القارئ).
ويقول في كتابه James stouall (Writing for the Mass (Media: (إن مفتاح الوضوح هو البساطة في استخدام الكلمات والتركيز على استخدام المفردات والجمل المفهومة لدى جمهور القراء وعدم تكرار كلمة ما لم يكن هناك ضرورة لتكرارها) والأديب أو المبدع الذي له حضور في الصحافة الأدبية يرى ان أسلوبه الكتابي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويتناسى أنه يكتب للناس وان هناك رسالة في ثنايا سطوره يجب ان تصل إلى الجمهور.
وهكذا وبسبب استسهال كثير من المبدعين للعمل الصحفي نجد ان كثيرا من الاشكال الصحفية المعروفة شبه غائبة في الملاحق الأدبية.
الطرف الآخر من هذه الاشكالية أعني (المهني) يتمثل في وجود الصحفي المتخصص الذي يعمل بحرفية ولكنه يصطدم بحذلقات (الأدبي) إضافة إلى ان هذا الصحفي وان كان مجيداً لمهنته قد لايلم بكل أطياف المشهد الثقافي والأدبي.
يا فدى ناظريك
غازي القصيبي
110 صفحات من القطع المتوسط
إلى هذا الحد من الفرحة العارمة والعامرة اخترق شاعرنا الفضاء كالصاروخ العابر للقارات. أو السهم الناري القاري ليلقى نفسه متربعا على كرسي لا جاذبية تشده إلى ما حوله.. يغازل النجوم في وجه طفلته القادمة.. بل ويعابثها.. وهو في غزوه لا ينسى شاعرنا غازي بث شكواه ووجعه كمن يذكرها بطباع قد تلحق بها بعد ان تشب عن الطوق:
(اشكو اليكِ البعض. كم قاسمتهم
عِنبي. وكم ضنوا عليَّ بحصرم
وبكيت في احزانهم، واستقبلوا
حزني ببشر الشامت المتهكم)
لست وحدك الذي يشكو جور الزمن.. وجفوة الناس.. وشماتتهم.. لا عليك ان تكون محسوداً افضل من ان تكون حاسداً..
وان تكون مظلوما اشرف من ان تكون ظالما رغم شراسة الحسد.. وقساوة الظلم على النفس.
«الفداء» صفة ملازمة لشاعرنا.. نجدها بين طيات قصائده.. واطياف شعره:
(فديتكِ.. انتِ باذخة الجمال
كأحلام المحارة باللآلي
كما تتنفس الصحراء ليلا
كأشواق السفوح إلى الجبال)
توصيف وتوظيف لمفردات عشقه بالجمال لا يمل منه ابدا لأنه الرئة التي يتنفس بها أي شاعر مرهف الوجدان والحس..
(فديتكِ ما الذي تبغين مني؟
وما عندي سوى عرس الملال
من الخمسين للستين قفراً
يجر خطاي من آل لآل)
حب عقلاني لا يندفع وراء شهوته.. وانما يتغنى بجمال الصورة دون ان يفترسها.. هكذا الفنانون حين يغرمون بفنهم..
«اغنية للفارس» والوطن.. لعلها من اجمل واجود قصائد الديوان..
(اسرج حصانك.. قرن الشمس ينتظر
وهز بندكَ يسمع خفقه الظفر
تنفست لهفة الصحراء عن نبأ
عذب. كما سال في قلب الظما المطر)
ترى من يكون ذلك الفارس الذي اسرج حصانه.. وتربع على كرسي كيانه؟ انه عبدالعزيز بطل التوحيد والتوحد
(الفجر. لاحت رياض العز وابتسمت:
«هنا التقى فارس. والشعب. والقدر
تغفو الجزيرة حينا. ثم يوقظها
صدى الأذان فيندى الموسم المَطر)
يستعرض في قصيدته ملامح من تاريخ وطنه.. اسماء من مدن وطنه بعد ان توزع قلبه قِطعا في ارجائه:
(تركت مكة في قلبي وطالعني
قلبي بطيبة، والاطياف تنهمر
وفي الرياض ارى قلبي وألمحه
ملء الجنوب. وضمت قلبي الخُبر
من الجبال إلى الشطآن رحلته
وفي الصحارى. وفي الواحات ينتشر
الله يا تربة حباتها امتزجت
بالروح. انت الهوى.. والعشق. والوطر)
ومع آهات شاعرنا الصديق غازي القصيبي. ومع تأوهاته عن بيروت التي عاشها عروسا حسناء تلامس بجدائلها امواج البحر.. وبأشجار صنوبرها هامات السماء.. بيروت لبنان الذي هزمته الحرب. وهدت عنفوانه.. وانتفض من جديد يعيد بنيانه. ويستعيد كيانه.. ماذا قال عن بيروت لبنان رئة عالمنا العربي الذي يتنفس من خلالها ويتفيأ ظلالها؟!
(ربع قرن. وما التقينا، فقولي
أين ما كان في الزمان الجميل؟!
آه بيروت. ما لوجهكِ يبدو
مثل وجهي مبرقعا بالذبول؟!
كيف ضاع الشباب منكِ ومني
فقنعنا بذكريات الكهول)
نعم بالنسبة لي ولك واقراننا في العمر الشباب لن يعود.. بقي شباب الروح الذي نحاول التشبث به.. وتبقى بيروت الفتية الجريحة قادرة على صياغة شكلها من جديد.. واعادة حيويتها وحياتها لو انها ارادت ذلك.. واخالها اخذت الدرس والعظة من تجاوزات واخطاء اهلها.. ولن تعود ثانية إلى الوراء.. ونستكمل مع شاعرنا بقايا آخر محطة من ديوانه الشيّق
«يا فدى ناظريك»:
(ارجعي لي بيروت احلى سنيني
وخذي ما اردته.. ارجعي لي»
لعلها سمعت واستجابت لشاعرنا دعوته.. في النهاية كانت رحلتنا لا تعب فيها ولا نصب.. الطريق ممهد معبَّد.. حقول الالغام والاشواك بعيدة عنه.. الاشواق وحدها هي المغروسة على جوانب الجادة نبادلها شوقا بشوق وحبا بحب.. شكراً لأخي الشاعر القصيبي لقد منحنا فرصة سعدنا به.. واسعدنا بجميل شعره.

الرياض ص.ب: 231185 الرمز: 11321
فاكس: 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved