Culture Magazine Monday  01/10/2007 G Issue 218
نصوص
الأثنين 19 ,رمضان 1428   العدد  218
 
مطالعات - عبدالحفيظ الشمري
بسام شمس الدين في قصص (روح الحبيبة):
أحداث واقعية تسجل حضورها السردي القوي

 

 

يقيم القاص اليمني بسام شمس الدين جدلية الإنسان مع الحياة ومع من حوله؛ ليلونها بقتامة رؤية لا تفارق محيا الشخوص، وإن حاول جاهداً أن يكون موضوعياً مع الأحداث إلا أنه يصاب في كل نص بوابل من المنغصات اليومية التي تنعكس على روايته للأحداث، ليأتي متناغماً مع انثيالات واقع لا بد من مناجزته وكشف بعض تفاصيل إسرافه في الأذى، وسد منافذ تفكيرنا ولو ببصيص أمل، حتى سيدة البيت في القصة الأولى (الشعرة البرونزية) من مجموعة شمس الدين الجديدة (روح الحبيبة) أضحت سنداً وعوناً لأحداث واقعية أليمة، لتأتي متناقضات الحياة الرامزة؛ فعبد القوي أحد شخوص القصة الأولى يعكس صورة الإنسان القوي قولاً، والضعيف عملاً، والمرأة الجميلة والخادمة القبيحة المظهر، والفقر حوله والثراء الذي ورثه أبو المرأة حتى باتت على النقيض منه، ولا يكف الراوي العليم عن رسم أدق التفاصيل لحياة هذا الإنسان الذي تقاطع همومه مع هموم هذه المستخدمة (الهندية) في بيته الذي يعاني من الشك الذي حسمه بلا مقدمات بأن يستبدل هذه الخادمة الهرمة بخادمة أخرى أكثر حيوية ونشاطاً.

في القصص التالية يتفنن الرواي في سرد تفاصيل كثيرة ودقيقة عن أسرار البيوت، وأحاديث الناس فيها، فهو لا يقدم لنا إلا ما هو نادر وجدير بالقراءة على نحو عادة العجوز ومداومتها العناد والمكابرة أمام حفيداتها ذلك الذي ينتهي عادة بانتصار الأكبر دائماً.

تتوالى القصص على هذا النحو الاستقصائي لحالة الشخصين المولعين في رسم عنائهما على الوجوه، أو طبعه على التصرفات، على نحو قصة (نبوءة العراف) التي اتسمت بتصور يقترب من الخيال لحالة ولادته الأولى التي تغادر الحقيقة، لولا أن الكاتب (شمس الدين) أبدع في رسم تفاصيلها السرمدية حينما استحضرت أم (الراوي - البطل) رؤية العراف بأن ابنها نبوءة تشترى بالذهب، وهو يشير بدهاء إلى عقد الأم المعلق في رقبتها، ليبرر هوس الأم في صنع قصة ما، مختلفة عن ما سواها من القصص اليومية، لنرى هذه التوقعات لطفل قادم إلى الحياة ما هي إلا مجرد أوهام ساقها العقل الباحث عن أي شيء يثير الحياة في هذا الخواء.

لغة قصص (روح الحبيبة) هادئة، ومقننة، تسعى لإظهار الفكرة الرئيسية في كل نص لنرى الكاتب بسام شمس الدين وقد دفع بالرواة إلى حافة البوح الصادق من أجل الوصول إلى عقول هؤلاء الشخوص الذين يبحثون عن ذواتهم البسيطة بين أنقاض الحياة المعاندة على نحو شخصية (الراعي) في قصة (روح الحبيبة) التي حملت اسم المجموعة، حيث تجالد أفكار الراعي (فالح) في البقاء حية ويقظة من أجل صنع فكرة ما تستدر عطف من حوله من رعاه، إلا أن هؤلاء الذين يشاركونه شظف عيشه، إلا أنهم يستعيدون من خلال حكايته صورة الحياة الممكنة في ظل نزوات المستحيل الذي لا يرحم، لنرى أصدقاء الراعي وقد أخذوا في سرد تفاصيل صور الحياة البريئة بين الراعيين (فالح) و (جيهان) حيث فارقت الأخيرة الحياة بمرض (التيفوئيد) الذي يغتال عادة اليافعين قرب جبل المنار، لتتلون القصة العاطفية بقتامة الحزن الذي غشي فالح ورفاقه الرعاة فغياب الفتاة عن الحياة أذكى في روح الرفاق حزن أعم لولا أنه أقوى وأنجل في قلب فالح الذي طرز بقية أيامه بسيل من الذكريات ولا سواها.

القاص شمس الدين برع في نقل أفكار القصص إلى القارئ عن طريق رواة مدربين حقاً على قول الحكاية تلو الأخرى دون ملل أو كلل، فها هو يرسم أفق الحياة في نطقة ما من العالم وتحديد حول جبل المنار الذي يوحي ببراءة الحياة، وعفويتها التي لا يعكر صفوها إلى الموت المفاجئ، أو هجمات المرض على هؤلاء البسطاء، فيما تحمل بقية القصص ذات التفاصيل والفضاءات وإن اختلفت سحن الشخوص، وهيئاتهم، لأن اللواعج والأحزان لا يعرف لها لون، أو هيئة فهي حق مشاع لجميع المكلومين والمعذبين على نحو شخوص قصص (شمس الدين).

يحاول هذا الكاتب المتمكن من حكاية الأرض أن يرسم مقدار صدقه، وعذوبته في التصوير الحقيقي لفقد طال حياتنا.. جاء على نحو هذه النزوات التي أصابت (ألبابنا) فلم يعد هناك فرصة لأن تعيد الحياة سيرتها الأولى، لتبحث عن أهلها الطيبين جداً هؤلاء الذين يتناسلون على نحو ما ورد في قصة (مدينة الجبل) التي ختم فيها القاص مجموعته حينما دفع بالراوي إلى أن يكون أكثر تجردا في رسم تفاصيل حياة تزيد علاقة بحيوات أخرى قد تكون أقرب الخيال، رغبة منه في رسم خاتمة موائمة تعيد موازنة الأشياء بعضها إلى بعض.

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

إشارة:

* روح الحبيبة (قصص)

* بسام شمس الدين

* مركز عبادي للدراسات والنشر - صنعاء - 2006م

* تقع المجموعة في نحو (120 صفحة) من القطع المتوسط

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة