الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 1st November,2004 العدد : 83

الأثنين 18 ,رمضان 1425

المثقف المعولم
سهام القحطاني
إن معرفة العلاقة بين الثقافة والتطوير الاجتماعي مسألة ذات أهمية, فكثير ما نظن أن الثقافة صفة أحادية للفعل الإبداعي وبذلك نكون قد (معيرنا) سقف المفهوم وفصلناه عن الارتباطات الأخرى، الأكثر تعقيداً ودقة وانغراساً في بنية الجذور، لأننا نميل إلى تظليل المساحة الأقرب إلينا لمفاهيم الأشياء, وهذا النزوع نحو التبسيط وخطيّة المتجه لتسهيل إيجاد العلاقات بين المفاهيم المختلفة، هو منهج لا يفلح عادة (أو هكذا أظن) في تكوين قدرة إدراكية للمسائل المعقدة وتفاعلاتها التبادلية وفضاءاتها الخفية التي هي بمثابة (ويب) مركبة الأنشطة والأمداء والتراتبية، وها هنا تتجلَّى أزمة مأزقنا في التعامل مع المفاهيم المنقوصة، وهو مأزق يسهم غالباً في الارتباك الوعيويّ، لتبقى الأمور في حالة طفو على سطح المدرك الذهني للجماعة، فيصعب عليها في المقابل خلق فاعلية الوعي أبرز مميزات البنية التحتية للتطوير، لأن ما نحوزه من معرفة مفهوماتية هو ما يشمل مواقفنا من رؤية الأشياء، بل كثير ما يحبسها وفق مساوقة المفهوم الناقص، وبالتالي تنمو أنشطتنا الفكرية والسلوكية خارج نويّات التركيب الحيوي للنظام الثقافي، وهو أمر يظل يهدد المنجز الثقفوي بالإجهاض إذا استمر نحو المدّ الخطيّ لنجد في نهاية المطاف أن ما بدأنا به هو ذاته فحوى النهاية، أي تكرر البداية والدوران حول نقطة البدء، فالوجود بنى متفاعلة أكثرها كذلك وقليلها بنى ثابتة, لكن أن نجمد الحراك الوجودي للمتغيّرات وندور حوله، حسبنا أن الدوران يعني التحرك والتطور والارتفاع، هو أمر لا يقبله العقل الثقافي.
إن التغيرات العالمية تقتضي من الأمم اليوم صناعة مقصودة لمثقفيها بمعايير عالية الجودة ليصبحوا قادرين على منافسة الصناعة الثقفوية العولمية والتواجد ضمن محورها بكافة أشكالها ومضامينها والجلوس في المقصورة الأولى للقطار العالمي، للتفاعل مع حضارة الآخر عبر آلية الاستيعاب والمعقولية، دون الانصهار معها عبر إمبريالية التنازل والتماهي.
إن النظام الثقافي للشعوب ينمو من خلال النموذج الاختزالي الذي يصنعه العقل الجمعي عبر المثقف كوسيط لهذه العملية الترابطية بين المجتمع والنظام الثقافي المخصوص، ومن هنا تبدأ المسئولية الأحادية للمثقف السلفي، الحماية والمحافظة على الجينات الوراثية الثقافية للجماعات الوظيفية، (أي شبكة المعاني التي نسجتها لنفسها) إلا أن إزاحة الحدود بين الشعوب، أوجبت على المثقف المعولم اليوم مسئوليتين تضافان إلى مسئولية الحماية, وهي مسئولية تطور العقل الجمعي للمجتمع ضمن تأطير المدلولات الحضارية التي تسعى إلى إضمار محليات الشعوب وقولبتها داخل الجاهزية العولمية، ومسئولية تفعيل الوعي الاجتماعي مع المتغيرات لاستيعاب سنة التغير والتلاؤم معها، وإخراج التصور الجمعي من هيمنة التآلف والثبوتية، وإيجاد رؤية ائتلافية بين القديم والجديد، وهي من أصعب مسئوليات المثقف المعولم، وأبرز سماته أصالة وعمقاً.
ويظل السؤال.. من هو المسؤول عن صناعة المثقف المعولم لدينا؟
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved