الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 1st November,2004 العدد : 83

الأثنين 18 ,رمضان 1425

الفنان الصقعبي لـ«الجزيرة»:
في أعمالي..احتضان لذاكرة القرية..ولجمال الطفولة
* الثقافية محمد المنيف:

بمناسبة اعتزام الفنان محمد الصقعبي إقامة معرضة الأول في الرياض خلال الأشهر القادمة يسعدنا ان نسلط الضوء من جديد عليه وعلى تجربته الفنية اذا اعتبرناه اسماً غريباً على الجيل الجديد في الساحة التشكيلية مع احتفاظنا بحقه الذي نعرفه عنه عن قرب منذ ان اخذ في الحضور والمشاركة فهو أحد اعمدة الفن التشكيلي السعودي واحد رواد البدايات في هذا الفن، تلقى تعليمه العالى في ايطاليا في هندسة الديكور مع من ابعثوا في اهم فترات تأسيس الحركة التشكيلية السعودية عاد من هناك مكتسباً الخبرات التقنية الا انه كغيره من المعادن الأصيلة التي لا تغيرها الظروف او الثقافات الاخرى بقدر ما تضفي عليها لمعانا وتألقا، اخذ الفنان محمد الصقعبي في التواجد على الساحة مع بدايات اقامة المعارض الرسمية وساهم في الكثير منها اضافة الى عمله فترة الساحة مع بدايات اقامة المعارض الرسمية وساهم في الكثير منها اضافة الى عمله فترة
ليست قصيرة رئيسا للجنة الفنون التشكيلية بفرع جميع الثقافة والفنون بالدمام بجانب عمله الرسمي آنذاك كمهندس للديكور في محطة تلفزيون الدمام بعدها انتقل للعمل في مجال التدريس في كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك فيصل بالدمام.
الفنان محمد الصقعبي في أعماله تجده مستلهماً من خلالها الحرف العربي بأسلوب عصري غير مقيد أو معقد التقنية والاداء يرى في وجوده في اللوحة انتماء للغة الام وللارض وللتراث مع ما يضفيه من ديناميكية الايقاع اللوني بحرفة وإتقان يمتلك قدرة لونية ناضجة معاصرة بتلقائية وعفوية اتية من ذاكرة تحفز ابداعه استعادها من خبراته حتى اصبحت اللوحة قطعة موسيقية قوامها الوان مبعثها الانسجام والانشراح والمتعة الوان الشرق المشرقة، كما يرى الفنان محمد الصقعبي ان اللوحة تشكل له كائنا حيا يتحدث معه ويشكي له هواجسه وعشقه ووجدانياته لذلك كانت ولا زالت اللوحة الاقرب الى روحه من أي صديق او حبيب يقول عن هذا الاحساس في بعض ما كتبه من تفسير لتلك العلاقة.
يأخذنا من بين ما نبحث عنه من واقعية المشهد وفنتازيته الى الحوار وقراءة عوالمه المسكونة بصوره البصرية عن الاشياء كما يراها هو لاكما تراها العين ففي حروفية الفنان الصقعبي بعد عن التفاصيل واقتراب من جعل الحرف قيمة دلالية وتشكيلية تلامس وتقترب من خاصية الرسم بحذر كبير لتحيلها الى كتلة احساس لا يمكن تجزئة عناصرة.
هذه القيام والقيمة اللونية.. بومضتها الرشيقة المرنة الراقصة تكشف أبعادا جمالية.. تختفي خلفها آراء وتلميحات.. لأشياء نمر بها وتمر بنا قد تكون عبارة أو جملة او قد تكون ملامح وجه او موقفاً حزيناً او مفرحاً.. ليتواصل التخيل ضمن سياق تحريض وجداني يبدأ مع مشاهدتنا للوحات الفنان الصقعبي قد يرى البعض في تلك الاعمال ما يشعرهم بالتحرك في مساحة من الفوضى وتلك هي الحقيقة الا انها فوضى مدروسة ومحكمة التعبير كما هي الحياة حينما نشاهدها عن بعد.. ونرى كيف هي وكيف نحن معها ومع محاولاتنا استباق الزمن مع معرفتنا مسبقاً انه سابقنا دائماً.
هذه المقدمة او المدخل للتعريف بهذا الفنان الرائع لن تكون اصدق مما يمكن ان نقرأه له حينما يكون قريباً من نفسه ومنكم فماذا قال عن تجربته وما علاقة لوحاته التجريدية بقريته وطفولته وماذا لها من بيئته الفطرية وكيف يرى اللوحة ولماذا لم ينجح في تجربة الرسم التجاري او ما يمكن ان نقول عنه الرسم بناء على الطلب رغم قدرته على هذا المجال ولماذا لم يفهم ما قاله له الاديب الفنان مشعل السديري زميل الدراسة في روما حينما طلب منه مشعل ان يتوقف اثناء رسم الصقعبي احدى اللوحات اشياء كثيرة وجميلة وصادقة نستعرضها دون رتوش كما هي وكماجاءت معبرة عن شفافية وروعة اسارير هذا الفنان الرائد، ففي خاطرته التي ارفقها مع مجموعة لوحاته التي ينوي عرضها في الرياض وكان لي شرف اقتناصها منه ومن ثم توظيفها لخدمة هذا الموضوع دون الرجوع اليه، يقول الفنان محمد الصقعبي عن لوحاته وتجربته:
هذه الأعمال الفنية هي الخطوط والألوان التي كنت أرها عند السواني وتحت ظلال الأشجار والنخيل عند بركة الماء، هذه الخطوط الحرة المنطلقة كانت على جدران البيوت الطينية وعند شجرة التين ورائحة العشب الأخضر بعد الحصاد، وزهرة نوار الرمان وهي تسقط على بركة الماء الصافي تحت ضوء القمر واختلاط أصوات العصافير وهي تغرد، من خيوط الفجر الأولى وحتى بعد الغروب بقليل.
من هذه البيئة الرائعة التي فيها كل الأضواء وكل الخطوط التجريدية وكل أصوات السواني، ولدت اللوحة ولكن بحنكة الفنان المتمرس الذي يعرف متى تنتهي اللوحة، وعنده الحس التصميمي والتعبيري، فاللوحة تبقى دائماً فرحة ونشوة وقمة فرح وعمق الم الفنان، والعمل في اللوحة إبحار في النفس البشرية إنها عملية تكتنفها الأمواج العالية الهائجة، ثم تهدأ الأمواج ويصيح البحر رقراقاً كالنسيم أو ربما الألوان وهي تنفجر كمارد انطلق من قمقمه إنه الصراع بين النور والظلام.
وتبقى اللوحة دائماً دفقة من دفقات الروح تهلل فرحاً وهي تولد من جديد، وليست الخطوط الراقصة ولا التعابير اللاهثة تعبر عن اللوحة إنها عمق الكون وتلألأ الضوء البكر.
فالمشاهد العادي عندما يرى الأعمال الفنية يبحث عن معنى للعمل الفني وعندما يفشل في ذلك يرجع بخفي حنين، فهو عندما ينظر الى اللوحة لا يرى خطوطاً وألواناً ولكن لا يخطر على باله أن ذلك كله كان على حساب تحولات الفنان النفسية.
فاللوحة تتبدل وتتحول وأحياناً تبحر بعيداً عن الفكرة الأولى الى شيء لم يكن أبداً في الحسبان، لأنه لا يمكن أن تفهم العمل الفني إلا إذا كنت تفهم الحياة، فإذا كانت اللوحة تعبر عن الم وفرح فلا يمكن أن أقول لك ان اللوحة تعبر عن ذلك فالألم والفرح لا يعبر عنه بالكلمات، وكثيراً ما حاولت أن أرسم لوحات تجارية لظروف مادية لكني فشلت في أن أصبح فناناً تجارياً لأن فرشاة الألوان عندما تلامس اللوحة فإنها تصبح مسلوبة القوة، لأنها من قوة قلب الفنان وحساسيته وعينه التي ترصد اللون، ولا ترضى الا بالفن الصادق.
واللوحة أحياناً تتمنع عن الخروج كالفرس الجموح، ولكن الفنان بتجربته كسائس الخيل.. بخط من هنا ولون من هناك تبدأ اللوحة في الظهور، وأحياناً تهدم اللوحة لتبني على ركامها لوحة جديدة.
إن الفنان أثناء الإبداع يمر بأكثر من عملية مخاض وأكثر من ألم ثم تتولد الألوان وتنفجر وكان الشاعر نزار قباني يقول: ان الكلمات في اعتقادي عذارى حتى تضاجع الكاتب وتخرج ناصعة الجبين، وإما تتعهر، وكذلك لغة اللون
عند الفن التشكيلي يجب أن توضع في مكانها الصحيح كالألماس النقي على ثلج ناصع أبيض تحت شمس ساطعة.
وأذكر ايضاً عندما قمت في روما مع زميلي الأستاذ مشعل السديري برسم المجسم الجمالي ووضع فيه هو كل الألم والأمل والمعاناة بألوان ذهبية وفضية توحي ببرودة هذه المجسم حتى التجمد وكان يرسم وهو يتألم ويرسم وهو واقف كالجبل الأشم وكل ضربة كان يقوم بها تؤلمه وكان يرسم بكل قواه العقلية في
حالة يقظة وهذا أشبه بمن يقتل صبراً.
أما أنا فقد رسمت هذا المجسم الجمالي ولكن بعد حين فأنا أضع الخطوط الأولى ولكن الذي ينهي العمل عندي هو العقل الباطن، هو الثلث المغمور من جبل الثلج ان الذي ينهي العمل عندي هو رقصة الزار على جمر الغضى وعندما تنتهي اللوحة أقف مشدوهاً أمامها وأقول شكراً لك يارب، فالفنان الذي عمله ينطلق من العقل الباطن، وتكون عيناه ويداه تحت سيطرة هذا العقل، لا يصدق أبداً أن هذا عمله وهذا الذي يجعل الفن خالداً ولايمكن الإمساك به.
وفي فلورنسا عام 67م عند ميدان سنيوريا وكنت أرسم أمام زميلي الأستاذ مشعل السديري وعندها قال قف اللوحة انتهت وما كنت أدري أن اللوحة انتهت إلا بعد سنين حين قذف بي في البحر ووجدت نفسي أسبح بدون طوافات ولا حزام أمان إلا من عناية الله وحده.
وعندما أفتح المرسم الآن أقول: يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم وأدعو الله أن يمنحني القدرة على الإبداع وأن يمنحني القوة وأنني لا شيء بدون عونه سبحانه وتعالى، وعندما تنتهي اللوحة أرفع يدي الى السماء وأقول شكراً لك يارب على نعمة الإبداع والذي بنعمته تتم الصالحات.
لأنه ليس من الحكمة وليس من الشكر لله أن يلجأ الإنسان الى الله فقط وقت الشدة ويكون حاله كحال الذين ركبوا السفينة وأصبحوا على وجه اليم كاللعبة
تتقاذفها الأمواج هنا فقط يلجأون الى الله يارب موسى وعيسى ومحمد أنقذنا ويخلصون الدعاء لله وحده فلما زالت عنهم الشدة ونجاهم الله الى البر إذا هم يشركون ونسوا وحي الفطرة السليمة وعادوا يتمتعون كما تتمتع الأنعام لا هم لهم الا فروجهم وبطونهم فهل أخلصوا لله الدعاء في حالة الرخاء والشدة والعسر واليسر.
إن هذه اللوحات تجربة سنين طويلة من العرق والدموع والآلام والآمال.
ان أعظم سعادة للفنان وهو أن يرى الوانه وقد تحررت من أسرها أن الألوان تصرخ وكأنما تقول شكراً على أطلاق صراحنا، ويتامل الفنان اللوحة المنتهية كأم تنظر الى وليدها ما أروع هذا اللون وهو يتداخل مع ذلك وهذا الخط الأحمر مخترقاً الخط الأزرق بعفوية وقوة كبيرة ولون من هنا ولون من هناك معزوفة موسيقية منسجمة وكل نغماتها تتراقص ما أجمل هذا الألم وهو يلف جوانح الروح ثم تخرج اللوحة في أبهى حلة.
فالرغبة في حيوية الصورة والتعبير الصادق والتصميم القوي لا يفترقان ويمكن أن يقاس هذا التعبير على جميع لوحاتي.
وتجربتي في الفن تتلخص في أنني أبحث وأحاول الوصول الى اللوحة التي تأسرني بجمالها الأخاذ وتصيبني بالدهشة والانبهار وتمتنع عن التفاسير.
والفن سر من الأسرار حتى على من يمارسه ويبقى الإبداع دائماً نعمة من نعم الخالق سبحانه وتعالى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved