الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 02th January,2006 العدد : 136

الأثنين 2 ,ذو الحجة 1426

النظرية العربية عند النقاد القدامى من منظور حديث
ابن طباطبا والنقّاد من بعده6
د. سلطان سعد القحطاني

يبدو أثر ابن طباطبا واضحاً في الدراسات النقدية من بعده، وصار كتابه مثار الجدل، بين الاختلاف والاتفاق معاً، وسنكتفي بذكر ثلاثة من أشهرهم:
- المرزباني (ت 384 - 997) نقل المرزباني في كتابه (الموشح) عن ابن طباطبا كثيراً من آرائه النقدية، ومن الصعب علينا نقل كلِّ ما ذكره، لكن سنكتفي بالإشارة إلى بعضها، فقد نقل عن ابن طباطبا رأيه في بيت امرئ القيس من قصيدته المشهورة التي مطلعها:
(ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي)
وعلّق عليها نقلاً عن ابن طباطبا في البيت المعروف:
(كأني لم أركب جواداً للذة ولم اتبطن كاعباً ذات خلخال)
ولم يختلف عنه فينقده في كتابه (عيار الشعر)، كما نقل عنه رأيه في قصيدة النابغة الذبياني، ومثل ذلك عن الأعشى، وغيره من الشعراء، ولو تبعنا ما نقله المرزباني عن ابن طباطبا لأحصينا الكثير، وقد اجتهد الباحثون في تتبُّع بعض هذه الآراء في منهج علمي يذكر لهم، منهم الدكتور محمد عبد الرحمن الربيع، لكن ضيق مساحة البحث ورغبة منا في عدم التكرار تركناها للباحثين عنها في مظانها، كما اعتمد على نقده للكثير من الشعر، بعض النقاد في عصور مختلفة بما في ذلك الجاهلي والمحدث.
- أبو هلال العسكري (395 - 1009) تأثّر بنقد ابن طباطبا في كتابه (الصناعتين)، فقد تحدّث في الفصل الأول من الباب الثاني، عن تمييز جيد الكلام من رديئه، فقال (فإذا كان الكلام قد جمع العذوبة وورد على الفهم الثاقب قبله ولم يرده وعلى السمع المصيب استوعبه) ويمكن مقارنة ذلك بما ذكره ابن طباطبا وتكلمنا عنه في الصفحات السابقة، وقال العسكري عن كيفية نظم الكلام (وإذا أردت أن تنظم الشعر فاحضر المعاني التي تريد نظمها .....)، وحديث العسكري عن التشبيه وأقسامه قريب جداً من حديث ابن طباطبا، ونحن في هذا البحث لم نستطع نقل النصوص كاملة فاكتفينا بالإشارة إلى بعض منها في صفحات كتاب العسكري وابن طباطبا رغبة في الاختصار، فالعسكري لم يصرح بهذا التأثّر، لكن الدارسين والنقاد لاحظوا هذا التأثّر بنقد ابن طباطبا، نذكر منهم الدكتور شوقي ضيف، والدكتور إحسان عباس، والدكتور محمد زغلول سلام، وما تنبّه إليه النقاد المذكورون آنفاً، ما هو إلا جزء من تناص الفكر النقدي بين المتقدمين والمتأخرين.
- وقد تأثّر به المرزوقي (ت 421 - 1030) في كتابه (شرح حماسة أبي تمام)، بل نقل منه بعض النصوص بكاملها، فابن طباطبا يقول: (الشعر ما هو إن عري من معنى بديع لم يعر من حسن الديباجة وما خالف هذا فليس بالشعر)، وقد نقله المرزوقي بتمامه بل إنّ المرزوقي اعتمد مصطلح (عيار) في مقدمته، فيقول: (فعيار المعنى أن يعرض على العقل الصحيح والفهم الثاقب فإذا انعطف عليه جنبا القول والاصطفاء مستأنساً بقرائنه خرج وافياً وإلاّ انتقص بمقدار شوبه ووحشيته ..)، ويقول ابن طباطبا: (وعيار الشعر أن يورد على الفهم الثاقب فما قبله واصطفاه فهو واف ..) ويقول المرزوقي عن التشبيه: (وعيار المقاربة في التشبيه الفطنة وحسن التقدير، فأصدقه ما لا ينتقص عند العكس وأحسنه ما وقع بين شيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما ...)، ويقول ابن طباطبا: (أحسن التشبيهات ما إذا عكس لم ينتقص ...)، وبعد هذه المقارنة السريعة بين ابن طباطبا ومن جاء بعده من النقاد نجد أنّ ابن طباطبا قد أثّر في العملية النقدية بنظريته، التي أخذت بعداً جيداً في مجال النقد العربي. وفي هذا الصدد أشاد النقاد بنظرية ابن طباطبا النقدية وتميُّزها في مجال الدراسات النقدية الحديثة: واستقلاليتها. وقد ذكرنا أنّ نظريته قامت على دعامتين أساسيتين: الذوق العام، من الناحية النظرية، والتطبيق الفعلي على القصائد المدروسة، من الناحية العملية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved