Culture Magazine Monday  02/04/2007 G Issue 193
نصوص
الأثنين 14 ,ربيع الاول 1428   العدد  193
 
نص
عطش
بدور الأحيدب

 

 

رجاء:

(أيها الألم اسلخنِي كما شِئت لكن حاذِر أن تبقر عُروقي فليس بِي طَاقةٌ لنزفٍ أكثر..)

...

خلفَ اتِّساقِ أيامنا الّتي لا تأتي سوى بِالأَلَم..

وخلف رتابةِ كل الساعات التي تتسابق عقاربُها لاصطياد الدموع من أعيننا..

خلف كل ذلك أنا وَحرفي نقف تائهين بحثاً عن ملجأ يقينا من تشويه الحياة لأرواحنا النقية..

أشعرُ الآن بلحظة صمت دامع مرمية بين ضوضاءِ جروحٍ تصرخُ برعب..

أشعرُ بغربةٍ ممتدة الجذور..

ماذا أفعل وعيناي اللتان عرفتهما منذ زمن صارتا تريان كل الحياة سواي..

ماذا أقولُ وكل الأبجدية عقيمة أمام البوح بي..

ماذا أكتب وأنا الطفلة الهرمة المرمية في صحراء مقفرة..

...

منذ زمن..

كان هناك رجلٌ بسيط.. بسيطٌ جداً..

علمني كيف أصمت..

علمني كيف أكتب صمتي على أوراق الشجر وقطرات المطر..

وقبيل رحيله كتب في باطن كفِّي أن شيئا ما في يوم ما سيولد وسيلتهم الطفولة البريئة..

رحل.. وخلّف وراءه فراغا هائلاً..

رحل.. وانتهت برحيلهِ شعائر الصدق وبدأت شعائر الزيف والخداغ..

...

قبل مدة امتد الهجر بيني وبين الحرف..

لم أعد أبوح إلى الورقة بشيء ولأني كنت بحاجةٍ ماسةٍ للبوحِ ببديلٍ آخر ظننتُه ولو للحظة سيغنيني عن الكتابة لجأتُ إلى الثرثرة بتلك المضغة الصغيرة..

وبعدَ أيام امتلأَ كلّي بالندم فخرج مغسولاً بدمعي..

تذكرت عبارةً أخطأت كتابتها حين كنت في الصف - الأول المتوسط - ومن يومها لم أنسها كانت تقول:

(أمسك عليك لسانك فإنك إذا تكلمت بكلمةٍ ملكتك)!!

وبالفعل ملكتني كل أحرفي التي نطقتها..

فشكراً لزلة طفولةٍ نحتت تلك العبارة في ذهني..

وشكراً لثرثرةٍ رسخت حب الحرف فيّ أكثر وأكثر..

وشكراً أكثرَ للنَّدمِ حين علَّمني أن صدرَ ورقةٍ واحدةٍ أرحبُ بكثيرٍ مِنْ صُدُورِ البشرِ مُجتمِعَة!!

...

هذه اللحظة ثمة شعور عميق بداخلي لم ينسكب من فجوات عيني المتعبة بعد..

ولم يصله أي أحد..

شعور مفجع يشوه فرحتي التي ما تبزغ إلا لتضمُر سريعاً كقطعة حلوى تذوب بسرعة في فم فقير!!

صدماتٌ تتوالى وروحٌ تنتفضُ محتضرة كجسدِ طفلٍ أصيب برصاصة في صدره ولمَّا يمت بعد..

كل شيء حولِي يشي بالسواد..

أرواح كثيرة تحترف تمثيل النقاء والصدق على الرغم من البونِ الشاسِعِ بين ما تمثله وحقيقتها..

تعبتُ منْ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى أَنا!!

...

كنتُ أعلم..

أن ثمة مفاجآت غير سارَّة بل وقاتلة تنتظرني..

مفاجآت من النوع الثقيل تشبه تضحياتي لأجلهم..

ورغم أني أعلم ذلك مسبقا أو على الأقل لدي شعور غريب به إلا أني ظننت للحظة بأن علاقتي بهم نقية وصادقة كعلاقة أطفال تحت سقف ميتم...

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!!

...

الشجن يخفق بداخلي بمراثيه الحزينة..

وأصابعي لاتفتر تعبث في الرمل..

أرسم أشياء غريبة ثم أبعثرها وأرفع ركبتي اليمنى وأحيطها بذراعي كطفل وأبكي..

ثرية أنا جدا بأحلامي التي لاتتحقق..

رسائل لاتُطِق تأجيلاً..

إلى كل الذين آلموني - جرحوني - سقوني من مر كلامهم - أفعالهم:

حين تحتاجون من تقرؤون عليه وجعكم فاقتربوا ولا تخشوا مني إعراضا فلي صدر رحب لن يعجز عن استيعاب وجعكم وهو القادر على استيعاب جروحكم من قبل..

إلى حرفي:

لابد أن أعقد هدنة معك حتى أحافظ على ماتبقّى منِّي..

إلى أبجديةٍ تُدعى (الفرح):

لماذا لاتُسمعني صوتك؟!!

أريدُ أن أسمعَ غناءَكَ..

إلى ابني الذي لم ألده:

يانقِي..

قلبي الذي اعتاد أن يقاسمك كل لحظاتك سيظل بقربك..

فللحياة لونٌ آخر بك ومعك تماما كالبياض الذي يكسو روحك..

أنت بصدق حياة أخرى وهبني إياها الله في وقت كنت أحتاجها بالفعل..

كن بجانبي دائماً ولا تغب..

إليكم:

لاتجاملوا في مشاعركم فرب مجاملةٍ أودت بقلب!!

توسُّلٌ أخير:

إلهي رجوتك دع الوجع ينسكب من فجوات عيني المتعبة أغثني بفرح يقتل خيبتي ويبدد وجعي..


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة