الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th May,2005 العدد : 104

الأثنين 23 ,ربيع الاول 1426

أعراف
الحجيلي وبرج الكلام
محمد جبر الحربي
يمثِّل الشاعر البهي عيد الحجيلي مع مجموعة من مجايليه امتداداً جميلاً للقصيدة الحديثة في السعودية ببعدها العربي القديم والحديث، وبقدرتها الكبيرة على فتح الفضاء أمام الشاعر الذي تعدَّدت موارده الثقافية، وأصبح العالم بمتغيراته تحت عينيه، وبات لا لسان القبيلة فحسب، بل صوت الحق والجمال والقيم الإنسانية والتطلعات السامية.
ولم يعد بإمكاننا قراءة الشاعر حسب اسم حبيبته وغزلياته، بل أصبح لزاماً علينا أن نحتكم إلى ثقافة موازية لثقافة الشاعر الذي أصبحت ثقافته متنوعة شاملة تحضن اللون والصوت والسرد والتاريخ، وتؤثر فيها الأحداث والحروب التي يشاهدها حية أمامه تحرقه وتبعث فيه الرغبة في الحياة، والرغبة في أخذ موقع متقدم فيها، مشاركاً في صياغتها وتدوينها، حالماً بتغييرها لتصبح جنة لأهله وأوطانه، قبل أن ينشدها لنفسه المتعبة المعذَّبة التي رأت وارتوت من العذابات التي تفرزها الحياة السريعة بضغوطها، والقبح الذي يزرعه إنسان هذا العصر بنفسه، ويحصده في النهاية.
والشاعر هو المانح للبديل، والمانح للحب والبذار؛ لأنه رأى ما لم يَرَ غيره. وهو الفارسُ كما يراه عيد الحجيلي في مجموعته الشعرية (قامة تتلعثم) الصادرة عن دار شرقيات:
قالوا قدمتَ مدجَّجاً
بالودق
تذر القمح في
رحم الفلاه
وطفقت تجتثُّ الصوى
مترنِّماً
ورسمتَ خارطة الجباه
ونضوت صوتك في
مهب الضوء
ثم غرستَ في أعقابه
نصل الحياه
يرتِّب الحجيلي قصائده في لونين من تدرجات الرمادي، هما: (أجراس الصمت) و(خيبات واجفة).
ولعل في قصيدة (هذيان لم يكتمل) خير تمثيل لهموم ومشاغل شاعر هذه المرحلة، وفي نفس الوقت للبناء الفني الحديث للقصيدة الجديدة التي حافظت على غنائها ولغتها العالية:
صاعداً
من رذاذ التهاويم، والأغنيات الكسيحةِ
قلت لمن عبرتْ وجل الذاكره
منذ عشرين عاماً تولت ملامحُ وجهي
إذ بزغ الثلج في مقلتي
وفي شرفات الرؤى
والدروب التي امتشقت نزوة الماء
والنار والجرأة الناعمه
والحكايا التي أثَّثت لغتي غادرت قاعة
الرقص واستوطنت مربطاً
شُيِّد من نزق العرب البائده
ساورتني كثيراً نيوب التأويل
والحكمة اليابسه
منذ عشرين عاماً أضاجع جوعي
على مسمع القطة القرمزية
كل مساءٍ..
أسير على مهمة العطش/ الكهل كل صباح
ولم تنبت الأرض عشباً، وما التفتت لطنين
الخطى غيمة هاربه
كل شيء يكمم شقشقة الخطو
تحت عباءة هذا الخواء:
الرياح التي أُجهضت
والعيون التي طُمست
والقلوب التي صُوحت
والحروف التي دفنت
نصف أصواتها
في المساحيق كيما تمر على مرمر الوجل
الفذ مثل الهباء
منذ عشرين عاماً وكل ما يمر على الشاعر من كائنات هو خارج الإطار الجمالي والإنساني الذي ينشده:
كل شيء يرتق زنبقة القلب
تحت عباءة هذا الخواء..
إلى أن يصل إلى قمة معاناته التي هي معاناة المبدع المتجاوز الرائي:
إن هممت ببرج الكلام استعار فمي الراقصون على وتر الأرض
والعرض، والفرض، والرفض، والغيمة القادمه
وكذلك:
إن هيأت نخلة فتنة الطلع للريح
سيقت إلى جهة سائله
فكيف السبيل إذاً؟!
يرى الحجيلي أنه سيحرث جدران نفق الأبجدية الصفر، وسيفتحه للهواء، وسيغسل دربه ثلاثاً، وسيهتف باسم الجرح ثلاثاً؛ لأن في دمه حرقة، عرضها مثل عرض الغوايات والصمت. ورغم الهزيمة والانكسار.. والصمت/ الملاذ
إلا أن الشاعر الحجيلي يخرج في النهاية منتصراً بمجموعة شعرية تضيف للنتاج الشعري هنا صوتاً جديداً جديراً بالمتابعة، وترسِّخه اسماً من بين الأسماء اللامعة في سماء إبداعناً المحلي.
وفي اعتقادي أن عيد الحجيلي يعدنا بشعر عذب متجاوز في القريب، رغم الصمت، ورغم المرارة، ورغم الراقصين السارقين.
وسيصدح بالشعر مبيناً ساحراً.. وإن تلعثمت القامة قليلاً..
وسيهيم ببرج الكلام، وسيعجبنا ذلك، وسنغني معه.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved