الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 2nd June,2003 العدد : 14

الأثنين 2 ,ربيع الثاني 1424

أثر خفيف
العولمة تُأمْرِك الحياة
علي العمري

في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحول يطول كافة جوانب الحياة تقريباً وتزداد فيه الهيمنة الإمبريالية قوة ووضوحا، وترتفع معدلات الفقر والبطالة في دول العالم الثالث خاصة يبرز سؤال العولمة ودورها وأين هي مما يحدث الآن، هل هي مجرد إيديولوجية للسوق الحر تسعى الى تقليص الإنفاق الحكومي ونظم الرفاهية أم أنها نظام يهدف الى زعزعة العالم وانتهاك مفاهيم كالدولة القومية وسيادتها والقرار السياسي ضمن سيطرة المنطق المالي الذي تتدفق فيه الأموال ويعم فيه النقد الإلكتروني ويحيا الاقتصاد حالة عدم الاستقرار. إن عالم الاقتصاد الإنجليزي أنتوني جيدنز يرى أن العولمة ليست فقط ظاهرة اقتصادية، بل هي أيضا ظاهرة ثقافية وسياسية وتكنولوجية، فسيطرة الشركات العملاقة متعددة الجنسيات وظهور وسائل الاعلام الأحدث تقنياً كانت من أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث لم تصمد مؤسسات الصناعات الثقيلة التي تديرها الدولة بهيمتها الايديولوجية والثقافية أمام الاقتصاد الإلكتروني والإعلام الكوني، فقد لعب التلفزيون دوراً كبيراً في ثورات 1989م في كل دول أوروبا الشرقية. إن العالم اليوم يشهد صراعا بين قطبين الأول ما يسميه جيدنز "قوى التسامح الكوزموبوليتاني" والثاني هو الأصولية التي نشأت كاستجابة عكسية لتأثيرات العولمة ولكي تناهض التغيرات التي تصيب أساليب العيش والتفكير والراكد من التقاليد والأعراف وهنا لا يظهر أن الأصولية بالضرورة دينية على أن الشك يطول تلك القوى المتسامحة التي يراها جيدنز كوزموبوليتانية فلا الواقع الاقتصادي ولا السياسي ولا حتى الاجتماعي يتجلَّى فيه بوضوح هذا التسامح الكوني، فالعولمة بالنسبة لدول العالم الثالث وبتعبير جيدنز ذاته تقترب من كونها "أمركة" للحياة تدمر الثقافات المحلية وتزيد من نسب البطالة والفقر والتخلف وذلك ما تثبته الدراسات الاقتصادية بالأرقام إن العالم يتحول من قرية كونية الى حالة نهب كوني، سؤال كيف يمكن تحقيق النمو الاقتصادي والديمقرطية في الدول الفقيرة يربطه جيدنز بضرورة تعليم المرأة وتفكيك الشكل القديم للأسرة بما هي بؤرة للعنف والقهر وهنا فيما أتصور غياب عن فهم البعد الانثربولوجي والميثولوجي وحتى السيكولوجي الذي يدخل في تشكيل النسيج المجتمعي. أما بالنسبة لدول أوروبا وأمريكا فإن العولمة في سعيها لتشكيل مجتمع عالمي كوزموبوليتاني تغير الكثير من المفاهيم والتقاليد الراسخة فالانسان هناك يحيا ما بعد المرحلة الطبيعية بعد ان تدخل الانسان في كل مفردات الطبيعة تقريباً وما بعد الأعراف والتقاليد والشكل القديم للأسرة والعلاقات الاجتماعية وذلك يُفترض أن يساعد في تقبل الآخر وزيادة هامش الاستقلال والحرية الفردية إلا ان ظاهرة مقلقة تنتشر في المجتمعات الحديثة وتبدو كأنها الضريبة التي تدفعها الذات الفردية المتحررة من سطوة الأعراف والتقاليد هي ظاهرة الادمان ليس فقط للمخدرات والكحول، بل لأنشطة حياتية كالعمل والرياضة والجنس، إن جيدنز ينظر لظاهرة الإدمان كعملية تكرار تنتج عن العُصاب الذي يدمر المراكز المسؤولة عن تحقيق الاستقلال للذات الفردية. هكذا يرى جيدنز في كتابه " عالم منفلت" ت: محمد محيي الدين أن العولمة تعيد صياغة الحياة.


alialamri2000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved