الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

الشاعر الكبير: عثمان بن سيار.. رؤى ومواقف
د.محمد بن عبدالرحمن الربيع *

1
التقيت به أول مرة بعد تخرجي في كلية اللغة العربية بالرياض عام 1388هـ أي منذ ما يقرب من أربعين عاماً وكان مديراً للتوجيه التربوي بالرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية آنذاك وكان يقوم بعملية توزيع الخريجين الموجهين للعمل في المعاهد العلمية، كان رجلاً مهيباً بل ومخيفاً فهو الذي سيقول لكل واحد منا اذهب للعمل في المعهد الفلاني وحكمه هنا نافذ لا مراجعة له ولا تمييز للحكم وعليك الالتزام والمباشرة أو البقاء بدون عمل. انطباع أولي غير جيد وإن كنت على المستوى الشخصي قد عينت في أماكن مرغوبة مطلوبة حيث عملت في مكة المكرمة سنة واحدة ثم انتقلت إلى الرياض بعد ذلك ولكن هناك من بقي يعاني من الغربة ويعاني من مراجعة عثمان بن سيار سنوات طوال.
لا ذنب لابن سيار في ذلك فالمعاهد قليلة والسعوديون كثر والأمر كما كان يردد عندما يطلب أحدهم الانتقال إلى الرياض عليك أن تنتظر أحد ثلاثة أمور: إما التوسع في معهدي الرياض وهو أمر غير متوقع آنذاك، وإما تنتظر أن يتقاعد بعض المدرسين، والمشكلة أن أكثرهم من الشباب، وإما تنتظر موت أحدهم، ولكن الله أطال أعمارهم، فانطبق على بعض طالبي النقل المثل الشعبي: (مت.. حتى يأتيك الربيع).
انتقلت إلى الرياض بعد سنة وتعاملت مع أبي سامي عثمان بن سيار في مراقبة الامتحانات أو وضع أسئلة الشهادة الثانوية أو تصحيحها فتغيرت الصورة فإذا هو دمث الأخلاق طلق المحيا مع جد مطلوب وصراحة في العمل ودقة في المواعيد.
لقد ظلمنا الرجل في انطباعنا الأول عنه.
2
ومرت الأيام وتم تحويل الرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية إلى (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) عام 1394هـ وانتقلت من التدريس في معهد الرياض العلمي إلى العمل في إدارة الجامعة مديراً للدراسات والمعلومات ثم مكلفاً بالبعثات والدراسات العليا فكان مكتبي بجوار مكتب أبي سامي عثمان بن سيار واختلفت الصورة تماماً، عرفته الآن رجلاً مثقفاً مطلعاً متابعاً لأحدث الإصدارات وعرفته شاعراً رقيقاً مبدعاً وعرفته مبتهجاً مع حزن دفين وحياة خاصة محاطة بسور من الصمت والحواجز وقرأت شعره من خلال ما أورده أستاذنا ابن إدريس في كتابه الرائد (شعراء نجد المعاصرون) ومن خلال أول دواوينه صدوراً (ترانيم واله) فعرفت شعره وتذوقته ودارت بيننا مطارحات ومناقشات في مدارس الشعر وفلسفة الشعراء شاركنا في ذلك زميلنا العزيز الدكتور: حمد بن ناصر الدخيل.
3
ومرت الأيام وترك عثمان العمل في الجامعة منتقلاً للعمل في الخارج ثم مهاجراً في فضاء الله بذرعه ثم مستقراً في (المغرب) وانقطعت أخباره إلا من خلال السؤال عنه عندما ألتقي بأخيه (محمد المحارب) الأستاذ المساعد بكلية اللغات والترجمة بجامعة الإمام.
وقبل سنوات التقيت به صدفة في أحد المطارات وكنت متجهاً إلى المشرق وهو إلى المغرب وتحدثنا قدر ما أتاحته لنا دقائق الانتظار.
يا للحسرة، شيخ كبير محطم متثاقل الخطى في نظراته حزن وفي نبرات صوته رنة أسى.
أدمن الغربة لكن الغربة زادته حنيناً إلى وطنه. اعتزل الناس لكن العزلة قاتلة وإن ادعى أنه رضي بها في قوله:
رضيت بما بي يا صديقي فخلني
وحيداً أواري في الجوانح أشجاني
قد تكون الغربة مصدراً لإبداع الشاعر.
وقد تكون العزلة فرصة للتأمل في الكون.
لكن ذلك كله على حساب قلب أرهقه الحنين وعذبه الشوق واغتالت فرحته الغربة.
هذا هو عثمان بن سيار كما عرفته من خلال مواقف يفصل بين أولها وآخرها أكثر من ثلاثين عاماً.
4
نعود إلى شاعرنا الكبير: عثمان بن سيار لنقف وقفات عجلى مع شعره وإبداعه وفي البداية أقول إنه لم ينل ما يستحقه من الدرس والتحليل ولم ينل هو من التقدير والمكانة الأدبية ما يتلاءم مع مكانته ضمن شعراء وطنه.
5
صدر لابن سيار حسب معلوماتي ثلاثة دواوين عن دار العلوم بالرياض هي: (ترانيم واله)، و(إنه الحب)، و(بين فجر وغسق) وصدر له ديوان رابع بعنوان (خمسة أبيات)، وله ديوان بعنوان (ورد وأشواك) وله نتاج شعري غزير لم يجمع في ديوان وله شعر كثير يحتفظ به لنفسه وربما أطلع أصدقاءه القلائل عليه.
6
عرّف أستاذنا ابن إدريس في كتابه الرائد (شعراء نجد المعاصرون) في وقت مبكر بابن سيار وأورد نماذج مختارة من شعره وأحكام أستاذنا ابن إدريس في شعراء نجد مهما قيل عنها إنها (انطباعية) ومبنية على (نصوص جزئية) وقيلت عن شعراء (في مقتبل العمر) وقت تحريرها إلا أن الكثير منها بقي صادقاً مشرقاً معبراً رغم مرور زمن طويل عليه.
ثم تناول كثير من الدارسين شعر ابن سيار لكن دراسة تفصيلية تحليلية تليق بشعره وتتناول مجموع نتاجه لم تكتب بعد مع أن في شعره ما يستحق أن يكتب عنه أكثر من دراسة.
وكان ابن سيار يوقع ويلقب ب (عميد) وهو عميد بالحب أي مصاب بمرض العشق والغرام وهو (عميد) شعراء الشباب آنذاك لقب اشتهر به واستحقه لكن (العميد) تقاعد عن العمادة أو عزل منها أو شفاه الله من بعض أسقامها ولعله انطوى على نفسه.
7
يغلب على شعر ابن السيار الذاتية وإن قال الشعر في بعض المناسبات الوطنية كزيارات المسؤولين لمحبوبته (المجمعة) أو في بعض الكوارث والنكبات كقصيدته في (طالبات مدرسة جلاجل) أو حادث (طائرة الترايستار).
ولا ينسى (المغرب) ومدنه ومرابعه من إبداعاته فهو عشقه (الجديد) بعد العشق القديم المتجدد لمسقط الرأس (المجمعة) ووادي (المشقر) كما أن علاقاته الحميمة بعدد قليل من الأصدقاء جعلته يقول الشعر في مجال المطارحات والإخوانيات كما في مطارحاته المتبادلة مع شاعر الظرف والفكاهة (محمد بن سعد المشعان) وبعض زملائه في الدراسة في دار التوحيد.
أما أغلب شعره فهو في الحب والغزل وذكريات الهوى والشباب وقد تفوق في ذلك وأبدع مقطوعات شعرية جميلة كقصائده (طغيها) و(أهواك)، و(لا تلمه) و(أغالط نفسي)و..
وله أشعار في التأمل وفلسفة الحياة.
وبعد: فهذه رؤى وذكريات وانطباعات عجلى عن شاعرنا المبدع (عميد) عثمان بن سيار لا تفي بحقه ولا تكشف عن مواطن الإبداع في شعره لكنها مجرد مشاركة في هذا الملحق الذي عودنا دائماً على الوفاء للمبدعين واستحضارهم في الذاكرة والشكر لجميع من أسهم في إصدار ملحق الوفاء لابن سيار مع تمنياتي ودعائي له بالصحة وحسن الخاتمة.


*رئيس النادي الأدبي بالرياض سابقاً

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved