الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

ثقافية الجزيرة بين التصفح والمشاهدة
قاسم حول

كانت أمنيتي، وهي من الأمنيات الصغيرة المحببة أن أرى ملحق صحيفة الجزيرة (الثقافية) وأتعرف على حجمها وطريقة تصميمها ونوع الحرف الذي تطبع فيه وطبيعة الألوان ووزن الورق وطبيعة الخط، فطلبت من المشرفين الأفاضل أن يعتبروني مشتركا مجانيا في الثقافية، بمعنى أن ترسل إلى عنواني لأضع لها فسحة في مكتبتي وتصبح أرشيفا، لأن المشكلة في الأرض المنخفضة (هولندا) حيث أقيم لا تستورد مكتباتها صحيفة الجزيرة ما يمكنني من شرائها مرة في الأسبوع لكي أستمتع بثقافيتها.
لم يصلني الملحق الثقافي لسبب لا أعرفه مع كرم المشرفين عليها وأناقتهم.
رجوت ثانية أن تشملني المشاركة لكثرة ما تشوقت أن أمسك الملحق الثقافي فأشم رائحة حبر المطبعة، وأتمتع بمقالات كتابها العذبة حيث قراءة الإنترنت تتعبني، لكنني لم أحصل على ثقافية الجزيرة.
أبذل جهدا في القراءة على شاشة الكومبيوتر، فالشاشة بالنسبة لي مساحة بيضاء بعيدة عني على مسافة عشرات الأمتار ترتسم عليها مشاهد متحركة من الحياة بألوان زاهية أو باللونين الأسود والأبيض يسمونها السينما وهي مأخوذة من الكلمة الإغريقية (كينما) أي الحركة، هذه السينما أعشقها وأعمل أفلاما من أجلها، تحولت هذه الشاشة إلى مساحة صغيرة أمامي لها فوائدها الكثيرة ولكن لا أحب صراحة أن أقرأ القصة أو الرواية أو المقالة الثقافية على هذه الشاشة التي هي شاشة ما أسميناه الحاسوب.
كنت في عمان. ذهبت إلى كشك بيع الصحف، شاهدت على الرصيف عددا هائلا من الصحف العربية فلمحت صحيفة الجزيرة وكان تأريخها يوم الأربعاء. سألت البائع، إنني أبحث عن صحيفة الجزيرة ليوم الاثنين. تأملني مليا ثم قرر أن يبحث في أكداس من الصحف المعادة وعلى حد تعبيره (المراجيع). وبعد جهد وجد صحيفة الجزيرة ليوم الاثنين، وقال لي ساخرا، لا بد وأنك تبحث عن الأخبار القديمة، العالم يا سيدي متخم بالأخبار كل لحظة وصار الناس لا يشترون الصحف بل يقرؤونها على المواقع الإلكترونية، وصارت صحف يسمونها الصحف إلكترونية وهي مجانية.. لا أحد يشتري منا الصحيفة فنحن نصطاد المشتري اصطيادا. كل شيء أصبح بالإلكترون.. لم يبق سوى الزواج!
أخذت الجريدة منه، وكانت مطوية معها المجلة الثقافية، فأسرعت الخطى نحو الفندق كمن عثر على حبيب يبحث عنه منذ قرون.
لم أفتح المجلة الثقافية سوى عندما استلقيت على السرير. رفعت الوسادة عاليا واتكأت عليها، وبدأت أتصفح المجلة، في البداية حاولت أن أعثر فيما إذا كان لي فيها موضوع، فلم أجد مقالتي ذلك الاثنين، وشعرت بانتكاسة صغيرة، لكن ذلك لم يفقدني شعور المتعة، ولأول مرة أقرأ كل مقالات المجلة.
على موقع الإنترنت كنت أنتقي العناوين المغرية للقراءة وأقرأها فمن الصعب أن أقرأ المجلة كلها على الإنترنت، ولكن وأنا شبه مستلق على السرير بدأت أقرؤها صفحة صفحة، وأتمعن في صور كتابها وأسمع صوت تصفح وريقاتها. تعبت قليلا من القراءة، غفوت وعندما صحوت وجدت المجلة تغطي وجهي، وتابعت القراءة.
كان ملحقا ثقافيا ممتعا ومتنوعا وتستمتع في وجهات نظر مختلفة، وكأنك في ديوان ثقافي حتى كدت أسمع صوت المتحاورين، كنت أتمنى لو تداخلت في الملحق التقارير الثقافية المصورة حول مستجدات الثقافة في العالم والأخبار المتنوعة إلى جانب المقالات الشيقة وكتابها المبدعين.
عندما عدت إلى هولندا وجدت رسالة من الشاعر المبدع يحيى السماوي المقيم في استراليا على بريدي يحدثني فيها عن مقالتي في ثقافية الجزيرة، فكتبت إليه إن كان قد قرأها على موقع الجريدة أم في الصحيفة الورقية نفسها. فقال لي في الصحيفة نفسها.. وسألني ألا تصلك المجلة الثقافية قلت له كلا فأنا أقرأها فقط على الإنترنت.
مشكورا أرسل لي ثقافية الجزيرة. ولأول مرة أجد مقالتي مطبوعة بين المقالات وشعرت أني لست وحيدا كما على الشاشة.
من الصعب أن يشعر الإنسان وحيدا.
الإنسان كائن اجتماعي.
ومشكلتنا نحن الذين كتب علينا العيش في الغرب، أن الآخر مهما كان قريبا منا فهو بعيد عنا. ولذلك قال سارتر:
الآخرون جحيم ضروري.
لو عاش في حنان الشرق لما قالها مع أن التركيب فلسفي أكثر منه واقعي.. ولكن للواقع تأثير على الفلسفة.
عندما وجدت صورتي وكتابتي مع جمع من الإخوة المبدعين شعرت بالفرح والالفة والانتماء إلى مجتمع فيما كنت أشعر بالوحشة والتفرد عندما كنت أنقر على اسمي فتعزل مقالتي عن بقية المقالات وأشعر بالغربة وأطفئ شاشة الحاسوب. وأركن للنوم.. عندما وصلني ملحق الثقافية من صديقي السماوي.. ركنت إلى السرير ومعي ملحق الثقافية، وأنا أشعر بأني أمشي في بستان مزدحم بالورود.


سينمائي عراقي مقيم في هولندا
Sununu@wanadoo.nl

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved