الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

الهامش أيضاً.. وبعض الحزن والأدب
فيصل أكرم

أيها الضوء:
ابتعد عن هذه السهرة..
***
كان كلٌّ منهما على جانب من الطريق، وكان ثمة نجمٌ يحسبه كلٌّ منهما يعلوه، ثم انتبها إلى الغربة والحوار:
هل هذا الشارع موجود قبل وقوفنا؟
لم يكن شارعاً ولن يصبح، بل إنه لا يزال مجرد طريق..
هكذا بكل بساطة تسمعني، ولا يكاد صوتي أن يعترض هذا الطريق إلا وصودر منه ما يجعل الوقفة عمراً والمشي انتحاراً..؟
أنت تقترب من المعاني ولا تصل إليها، كأنك من محبي الفروسية والشعر، فلماذا لا تشترك في مسابقة تحصل من خلالها على شهادة ودرع؟
كل كائن يستطيع الشهادة على الكون بأسره، ولكن من ذا الذي يملك درعاً حتى يمنحه لمتسابق حالم؟
وهذا الذي يحدث هنا وهناك؟
هنا المهزلة بعينيها، ولا أستطيع أن أصل بحكمي إلى هناك.
هل تخاف؟
نعم أخاف أيها الصديق.
على ذكر الصداقة، هل جربت غدر الأصدقاء؟
جربتُ الغدر مراراً، ولكنني لم أجرّب الأصدقاء.
هل أنت ضعيف؟
نعم ضعيف.
وهل سيستمر ضعفك إلى الأبد؟
الضعف أضعف من أن يستمر إلى الأبد، لابد من أن القوة ستكون نهايته.
ستكون نهاية وخيمة إذا؟
على الضعف وحده، وليس على الضعفاء.
هل تملك القدرة على المراقبة إلى هذا الحد؟
علمتني الطيور كيف أراقب الضوء في كل اتجاه، ولكن قل لي أنت: لماذا تدخل معي في مثل هذا النقاش من دون معرفة أو صلة أو ثقة؟
رأيتك لا تطير، فقلت: هذا الذي سيجعل الضوء بعيداً عن هذه السهرة.
عن أية سهرة تتحدث؟
كلنا سهرة، أنا سهرة وأنت سهرة.
والضوء؟
هو الذي يجعلنا نرى هذا الطريق.
أنت مرآتي إذاً؟
ماذا تقول؟
قلتُ للمرآة: لا أريد التحدث إليك، فجاءت إليّ بمن لا يريد إلا التحدث إليه.
وهل كانت المرآة مطيعة لكل من يقف أمامها؟
هي مرآتي أنا، ولا أحد غيري يستطيع أن يكون أمامها.
وما الذي يدريك؟
درايتي بها أنها سهرةٌ أيضاً، ولا تكون إلا بابتعاد الضوء.
فلنبتعد إذاً.
تقصد: فلنقف أمام بعضنا مرة أخرى، ولنترك الطريق لمستحقيه.
وأين مستحقوه؟
انظر إليهم هناك
ينثرون بعض الحزن والأدب
أجسادهم كالثياب البيض
وعيونهم كالأنجم العالية
وبلادهم كالتنور، فلينضج الوطنُ
لأولئك الشهداء..
ونحن نراقب الروح في أرواحنا
نراقب الأنفاس في زفيرنا والشهيق
نحن إلى القليل من التفاني، وإلى الكثير
وإلى مواقف.. لا نُرى إلا بها
نحنُّ إلى قراءة الكف.
الكفُّ مثل الكفِّ
والأماني تتوالى، كما كانت وكنا
هل سقط وقّافاً على الوَكفِ سوى الحجر؟
فما الذي تفعله الرصاصة في هذه العروق؟
ما الذي.. وماذا؟
وماذا للذي لا يريد إلا الوضوء،
يتوضأ قبل الموت،
كما تغتسل الوردة قبل القطاف؟
أحياناً يكون الناسُ: كما هم دائماً
ودائماً يكون الناسُ: أحياناً
على كثرة الأوراق..
فالورقة، في هذه الورقة، ليست رابحةً
ولكنها لم تخسر نفسها،
كالذين خسروها..
لأنها كانت على مقربة من النار..
وكانت لا تكذب على أحدٍ أبداً،
حين أوحت لنا.. وتنبأت بفاحشةٍ عمياء
تتكشف في بهيم النار.
لكنّ عيوننا انضمت إلى الأجفان.
هكذا اصطلحنا، على أنها
وحدها تسقط في الجحيم..
هل صارت الورقة دخاناً؟
هل صارت الورقة رماداً؟
وماذا سنصير، ونحن نراقب هذا المصير؟
الوقت حليفٌ للنازفين.
كل هذا الحامض في حلوقنا
ولا شيء يشبه الدم سوى الدم
كل هذه البرودة في أطرافنا
ونحن الغربةُ (كما نحن) عن هذا التراب
كل هذا التراب
كل هذا المجد والذكرى والأناشيد
وعلى غير عادتنا نفيق..
يكون الصدى في نشوة الليمون،
في نكهة الزيت ورائحة البنّ والبرتقال
يكون الصدى في أشواقنا للنوافير
النوافير التي لا تزال تثقف الملح الذي ألفناه
وترتفع هناك..
نبارك كل ما يرتفع هناك..
وهذا هنا يرتفع الآن، بعضُ الحزن والسلام
بعضُ الحزن والأدب.
بعضُ الحزن، والسلامة، والسلالم، والأدب.


ffnff69@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved