الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

ماذا لو لم أر البطحي وأجلس معه؟
ماذا أقول في هذا العالم الكبير أو إن صح التعبير ماذا أقول عن عملاق الفكر والأدب والثقافة الذي أسهم في بناء العقول إلى درجة يعجز وصفها.
ماذا لو لم أجلس مع هذا العملاق وأنا أقرأ حتى الآن فيضا من حديث طلابه عن مآثره العظيمة وصفاته الحميدة التي يعجز اللسان عن وصفها.
الحقيقة كنت سأعتصر ألماً من عدم رؤيته والجلوس معه والاستماع إلى حديثه الممتع، والنظر إليه الذي يشعرك بأنك أمام جبل من العلم والوقار.
لم أجلس معه سوى مرة واحدة وكنت قد حرصت عليها منذ أكثر من أربع سنوات منذ أتيت إلى عنيزة وعملت مديراً لمكتبة مركز صالح بن صالح الاجتماعي، وكنت أجلس مع زملائي، الذين كانوا يرتادون هذا العالم الكبير ويتحدثون عنه، وكنت أستمع مندهشاً هل يوجد مثل هذه الأسطورة التي يتحدثون عنها حتى وفقني الله وعزمنا أنا وسعادة أمين عام الجمعية الخيرية الصالحية، المهندس عبدالعزيز بن صالح الرميح ،على زيارته.
ذهبنا وشعرت عندما أقبلنا على المطلة بأننا بصدد دخول محراب مقدس له هالة كبيرة مع تواضع بنائه، وكانت هذه الزيارة لموضوع محدد وهو الحديث عن الغضا حيث كنا حينئذ في مركز صالح بن صالح الاجتماعي وبالتعاون مع نخبة من الباحثين في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، نعد كتاباً عن الغضا بعنوان (الغضا رؤى ثقافية علمية واجتماعية) وحرصنا على أن نتعرف على رأيه في الموضوع الذي أبدى إعجاباً شديداً به وطلبنا منه مراجعة الكتاب والتقديم له فقال في تقديمه: (هذه دراسة موجزة شاملة قيّمة تتحدث عن شجرة الغضا المنتشرة في أماكن عدة من بلادنا الغالية، قام بإعدادها وتأليفها مجموعة من الدكاترة والأساتذة الأفاضل بإشراف ومراجعة أمين عام الجمعية الخيرية الصالحية المهندس عبدالعزيز بن صالح الرميح (أبو عزام) إصدار مركز صالح بن صالح الثقافي في عنيزة للعام 1426هــ / 2005م.
وقد جاءت هذه الدراسة رغم إيجازها مكتملة مستوفية للغرض الذي أُعدَّت من أجله وهو إعطاء تعريف كامل لشجرة الغضا العتيدة، محتوية على:
1 التعريف اللغوي لهذه الشجرة المتميزة، وذكر ما قيل فيها من أبيات شعرية فصيحة وشعبية.
2 مناطق انتشارها موضحة بالخرائط الدقيقة، ومتطلباتها البيئية.
3 طرق إنباتها وتكاثرها بالطرق العلمية.
4 الدراسة التشريحية.
5 إدارتها، والعمل على تطويرها، ومكافحة آفاتها.
حقاً إنها دراسة علمية مستوفية بكل ما تعنيه الكلمة من شأنها أن توفر على أي باحث عناء البحث واللهثان خلف المصادر التي يحتاج إليها بهذا الخصوص.
وقد اختارني الأخ الصديق (أبو عزام) لكتابة مقدمة لهذه الدراسة فاعتذرت منه لعلمي بأنه يوجد من ذوي الاختصاص من هو أقدر مني، وأجدر مني بذلك، ولكن وأمام إلحاحه الكريم استجبت أخيراً لطلبه لسببين.
أحدهما: تقديراً مني لوضعه إيَاي موضع حسن ظنه، والثاني: أن هذا الطَّلب يتعلق بشجرة الغضا الأثيرة لدى أبناء منطقة القصيم خاصة، وعند النجديين عموماً وأنا فرد منهم فهذه الشجرة شجرة الغضا سيدة أشجار صحرائنا الرعوية ومانحة القيمة والأهمية والتميز لمناطق نزهاتنا الربيعية بل وفي جميع فصول السنة، إنها رمز فضاءاتنا المشرقة عبر تاريخها العريق ومنذ أقدم العهود قد مدَّ الله بينها وبين قلوب أبناء هذه المنطقة جسوراً من العلاقة الوجدانية الحميمة المتأصلة جذورها قرنا بعد قرن؛ فلكم قدمت ولم تزل تقدم لنا وبيئتنا مادياً وترفيهياً ما لم تقدمه شجرة صحراوية رعوية أخرى، إنها الشجرة الصامدة المتحدية لقسوة المناخ وعوامل الجفاف المتحد لون أعضائها وأهدابها بلون الشمس المشرقة، والمستحمة أبداً بأشعة الشمس المتأججة، كما تستحم أحياناً بضياء القمر أو بنزف البواكي وراتجات الغيوم، ظلها ملاذنا في لاهب الصيف الحارق وهشيمها دفؤنا في صُرَد الشتاء القارس، كما أن فيها متاع أنعامنا، ومتعة أنظارنا وانشراح صدورنا، فأي شيء أطيب من فوعة اشتعالها وأي شيء يشبه بالسمع حسيس أعوادها بين أضراس اللهب وأحلى من التأمل في كُتل جمرها الياقوتي وهو يمزق كتل الظلام في توهجه ومُعدُّها جالس أمامها يعالج أعوادها إدناءً وإبعادًا متمتعاً بدفئها ومصغيا لهشهشتها وكأنه يخاطبها وتخاطبه.
شجرة الغضا ذات الفوائد المتعددة ففيها مشاهي الإبل مذلة الصحراء وقاهرتها، وفيها مرتع الصواهل النجدية الأصيلة، كما أن فيها كمائن الضواري، وملاعب الظباء ومراعيها الموشَّاة بمختلف النباتات التي أرهقتها البواكي حتى استوت على سوقها.
إن هذه الشجرة العتيدة رمز للحياة في رمالنا اللاهبة فما الحَوْرُ والصفصاف، وما السَّرو والأراك إنها حلية الرمال الذهبية وزينتها براماتها وشقيقها، وكثبانها وقصائمها، إنها الشجرة التي لا تبرح ذاكرة مرتادها وساكنها ولا تشغله عنها ولا حتى سكرات الموت وحشرجات النهاية وليس أدل على ذلك ولا أروع مما عبر به مالك بن الريب المازني متذكرا ومتلهفا على ما تركه في منابتها الرملية من مراتع للظباء ومدارج للصبايا المازنيات الحسان متمنياً قضاء ليلة واحدة فيها قبل أن يلفظ النَّفس الأخير في بلاد خرسان التي لم تشغله عن بلاد الغضا حَمائها وآجامها وسهولها المغطاة بالخضرة الدائمة والموشاة بمختلف الزهور والثمار فتراه يتلهف قائلاً:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
وليت الغضا لم يقطع الركب عرضه
وليت الغضا ماشى الرِّكاب لياليا
لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا
مزارُ.. ولكن الغضا ليس دانيا
إلى أن قال:
إذا عصب الركبان جنب (عنيزة)
وبولان.. عاجوا المنقيات المهاريا
أخيراً وهو الأهم، إن على كل مواطن وعلى كل ضيف وزائر واجباً وطنياً، والتزاماً أخلاقياً وحضارياً يحتم عليه المحافظة على كل غصن من أغصان هذه الشجرة العتيدة وحمايتها كثروة تراثية نادرة يصعب التعويض عنها في حال إتلافها، وعلى كل فرد منا أن يحس أن هذه الشجرة ملك للجميع لمتعة الجميع والأجيال الحاضرة والقادمة، كما يحس أن التعدي عليها من أي فرد أو جماعة سواء أكان من أهل المنطقة أم من الوافدين يفسر تعديه عمداً نوعاً من الشذوذ في السلوك وفساد في الذوق وانحرافاً في الإدراك وأن تعديه اعتداء على حق الوطن والمواطنين.
إن ندرة هذه الشجرة وصعوبة تعويضها تستوجب تعاون الجميع بوعي من روح متحضرة للحفاظ عليها وصيانتها من كل ما يهددها من تدمير متعمد وغير متعمد، وفقنا الله جميعاً للتعاون والتكاتف لحماية وسلامة كل ما فيه خير الجميع لمصلحة الجميع. والله الموفق. )
عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي عنيزة 151426هـ
هذا ما قاله في تقديمه لكتاب الغضا: رؤى ثقافية علمية واجتماعية الذي كنت أنا أحد مؤلفيه. فالحمد لله أني قد ظفرت بتلك الزيارة والجلسة التي تمتعت فيها من حديثه الذي يجعل الإنسان يصغي وهو مستمتع دون ملل ولا كلل. وأنا مع زملائي في مركز صالح بن صالح الاجتماعي نتطلع إلى أن نظفر باحتضان الموروث الثقافي لهذا العملاق الكبير؛ لتظل مطلة البطحي مستمرة برعاية أبناء عنيزة الان أعتز بالعمل معهم فكم ألمس منهم الحب والوفاء والانتماء.


د. جمعة إبراهيم موسى
مدير مكتبة مركز صالح بن صالح الاجتماعي


***
تهميش
بولان: قيل مورد وقيل قاع قريب من الأسياح (نباج بني عامر) مملكة بولان بن غصين الطائي ولذا يحمل اسمه.

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved