الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

أوبريت البيعة
العمل جاء تجسيداً رائعاً لروح (الوطنية)

* قراءة بقلم محمد السحيمي:
السؤال الذي سيظل ملحاً عليك وأنت تغادر مركز الملك فهد الثقافي بالرياض مأخوذاً بحالة مسرحية جميلة بعد مشاهدتك عرض (أوبريت البيعة) الذي قدمته جمعية الثقافة والفنون بالأحساء هو: لماذا لا نحتفي كما يجب بأشيائنا الجميلة؟ لماذا نمر مرور الكرام بعمل مسرحي وطني جميل دون أن نعطيه حقه من التنويه والإشادة؟ مصدر هذا السؤال هو المرارة التي تعبر حلقك وأنت ترى عملاً جميلاً يقدم بلا جمهور تقريباً وبلا حضور إعلامي نهائياً تقريباً أيضاً! إذا كان المسرح لايستحق الاحتفاء في رأي كثير من الإعلاميين النفعيين في الأوقات العادية، أفلا يستحق ذلك في مناسبة وطنية عزيزة على قلب كل إنسان في هذا الوطن؟
لقد كان من حق هذا العمل الجميل أن يعرض في أكبر محفل جماهيري ممكن كالمدارس والحدائق، وكان من حقه أن يحظى بتغطيةٍ تلفزيونيةٍ مواكبة للحس الوطني الذي بثه هذا الأوبريت! وحتى لا نستهلك كثيراً من الوقت في الوصف ننتقل إلى التحليل بالسؤال الموضوعي: ما مواطن الجمال في هذا العمل؟
أولاً: النص، وهو من تأليف الشاعر المسرحي الأكاديمي الأستاذ سامي الجمعان. وأول نقاط القوة في هذا النص هو أنه جسد الوعي الحقيقي بالأوبريت، الجنس الأدبي الفني الذي امتلأت الساحة بمفهوم مغلوط له تكرس بكل أسف في مناسبات وطنية كثيرة تعاملت مع فن الأوبريت على أنه (فيديو كليب) لأغنية وطنية يحرص فيها المخرج على إرضاء جميع أجزاء الوطن بطريقة (سمك لبن تمرهندي)، فترى في اللوحة الواحدة فرقة من الجنوب تؤدي (القزوعي) وفرقة من الحجاز تؤدي (المزمار) وأخرى من الشمال تؤدي (الدحة)، وأخرى من الشرقية يصدح فيها النهام ب(يامال يامال)!
إن ما كتبه الجمعان في (البيعة) أوبريت حقيقي يقوم على ركيزتين أساسيتين: الدراما والبناء الموسيقي! وقد تميزت الصياغة الدرامية بالبساطة والعفوية والتوظيف الواضح المباشر للرموز الوطنية بداية بالدراسة بطريقة الكتاتيب في إشارة إلى أن أبناء هذا الوطن يتلقون حبه منذ نعومة أظفارهم وانتهاءً بتوجيه الخطاب المفعم بالحب الصادق إلى رمز هذا الوطن خادم الحرمين الشريفين أمد الله في عمره الذي جعله الشاعر بطلاً حقيقياً حاضراً بقوة من أول العرض إلى آخره (وهو ما يميز النص الشعري عن المدائح المستهلكة!) مروراً بإشارات فنية مكثفة الدلالة كاحتضان الفلاح للنخلة، واحتضان الأب للطفلة التي يتَّمها الإرهاب!
أما البناء الموسيقي (وهو من إبداع عمر سعد الخميس وتنفيذ إبراهيم الورثان) فقد جاء متناغماً مع العفوية التي صاغها الشاعر ببساطة إيقاعاته ومناسبة ألحانه لكل مفصل من مفاصل العمل فكان الانتقال من الشجن (الذي استدعاه الحنين إلى الماضي) إلى البهجة بالحاضر التي يفسدها (الإرهاب) لبعض الوقت إلى الحماس الذي يبعثه التفاؤل بالمستقبل المشرق انتقالاً سلساً معبراً بعمق واضح في اختيار الجمل الموسيقية بحرفية عالية تعد بشخصية موسيقية تشق طريقها نحوالتميز بثبات واقتدار!
ثانياً: التمثيل الصادق الذي قام به فريق متجانس يجمع بين الخبرة والشباب والطفولة! إن كل من حضر هذا العرض صفق بحرارة بل إن هناك من ذرفت عيناه لكوكبةٍ من الفنانين تفخر بهم المملكة كلها وليس منطقة الأحساء وحدها هم الأساتذة: عمر العبيدي وعبدالله المجحم وعبدالرحمن الحمد وإبراهيم الحساوي، وهؤلاء فنانون كبار من رواد المسرح في المملكة ولهذا لا تستغرب إطلاقاً احترامهم للعمل وتنفيذهم الدقيق لتعليمات المخرج الذي كان بإمكانه أن يسند أدوارهم إلى شباب مع قليل من لمسات المكياج!
لقد كان اشتراكهم في هذا العمل من أهم أسرار نجاحه ليس فقط لحضورهم العفوي الآسر بل لكونهم قدوة ً(لتلاميذهم) الشباب كفيصل المحسن وسلطان النوه وعثمان الدحيلان و(أبنائهم) الأطفال الذين كانوا فاكهة العمل وهم: بدر وعبدالله عمر العبيدي، و(عرائس) زكريا المومني سارا وبلقيس وسبأ!
ثالثاً: الجو الأسري الذي عمل فيه فريق الأوبريت فإضافة إلى كوكبة الفنانين (الكبار) فهناك فنيون ومخرجون كبار أيضاً، ف(علي الغوينم) و(زكريا المومني) مثلاً مخرجان معروفان قدما أعمالاً مميزة تجعل لكل منهما بصمته المستقلة، ومع هذا لم يستنكفا العمل (مساعدين) للمخرج الأستاذ يوسف صالح الخميس في هذا الأوبريت الذي يبدو للوهلة الأولى بسيطاً لا يحتاج إلى كل هذه (العشيرة الحساوية)! لكن الواقع أن الجو الأسري جاء تجسيداً رائعاً لروح (الوطنية) التي من أجلها كان هذا الأوبريت!
أما بصمة المخرج (يوسف الخميس) فلا يمكن أن تجدها في جزء دون آخر من هذا الأوبريت! ويمكن وصفها بالعبارة التي يحلو له دائماً أن يعرِّف بها نفسه: (يوسف صالح الخميس قليل الدسم خالٍ من الكليسترول)! فبهذا الروح (الحساوي المعجون بالإخلاص) استطاع أن يضع كل شيء في مكانه الصحيح بما عرف عنه من ضبطه (للإيقاع) والالتزام الصارم (الناعم) في العمل.
ختاماً فلقد كان (أوبريت البيعة) عملاً جميلاً يجعلك تصرخ بحرارة (أيتها البساطة أين كنتِ؟) ويعيد السؤال مرة أخرى: لماذا لا نحتفي بأشيائنا الجميلة كما يجب؟
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved