الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 03th January,2005 العدد : 90

الأثنين 22 ,ذو القعدة 1425

المنهج التأريخي عند عبد الله عبدالجبار
د. حمد بن عبد العزيز السويلم
تعددت مناهج النقاد وطرائقهم في تناول النص الأدبي وتنوعت مداخلهم إلى عوالمه العميقة والثرية. ويعدّ المنهج التاريخي واحداً من أقدم وأهم هذه المناهج النقدية عند المحدثين. ويطلق المنهج التأريخي على ذلك المنهج الذي يدرس الأدب من خلال سيرورته التأريخية، اعتماداً على علوم ومعارف مساعدة.
وقد تم الالتقاء بين الأدب وعلم التأريخ بمعناهما المتعارف عليه الآن في القرن التاسع عشر في الفكر الفلسفي الألماني خاصة في أحضان الفلسفة الوضعية.
وقد صاحب نهضة الغرب الفكرية الواسعة تطور في التعليم العالي، وهذا التطور أحال الاهتمام بالنشاط الثقافي من أطر عامة إلى نشاطات معرفية دقيقة ومنظمة لها قوانينها التي يسرها لتحقيق أهداف محددة فظهر النقد الجامعي الذي أخذ ينظم مناهجه ويفتت الظاهرة الأدبية لكي يكون تدرجها متساوقاً مع تدرج التعليم المنظم، فظهر النقد الجامعي إلى جانب النقد الصحفي الذي تطور مع تقدم الصحف. وإذا كان النقد الصحفي يميل نحو الانطباعية والتأثرية، فإن النقد الجامعي اختار المنهج التأريخي لكي يتلاءم مع أنظمة التعليم الجامعي.
وقد أخذ هذا النهج يتبلور عند الناقد سانت بوف، ثم خطا خطوات واسعة عند هيبوليت تين الذي درس الأدب بوصفه ظاهرة خاضعة لحتمية القوانين العلمية الكبرى، وقد صاغ حتمية القوانين العلمية لنشأة الظاهرة الأدبية ضمن عوامل ثلاثة هي:
الجنس والبيئة والزمان، فهي أساس كل إبداع تصبغه بطابعها وتسميه بميسمها وقد واصل هذا المنهج خطوات تقدمه عند الناقد فردينان برونتيير، إذ اخضع الأدب لقانون التطور محاكياً بذلك نظرية التطور الداروينية التي على هديها درس الشعر الغنائي الفرنسي محاولاً البرهنة على أن الأدب يتطور نتيجة عوامل بيئية ووراثية، مثلما يتطور الجنس البشري. ثم بلغ هذا المنهج ذروة تطوره عند الناقد الفرنسي جوستاف لانسون، وقد ارتبط هذا المنهج بلانسون حتى إنه يسمى في البيئات العلمية (اللانسونية).
وقد وجد هذا المنهج النقدي قبولاً واسعاً في منتصف القرن العشرين، وذلك حينما كانت بعض الدول العربية تنوء تحت ثقل الاستعمار فلجأت إلى ماضيها لتأكيد هويتها العربية.
وتعاظم الاهتمام بهذا المنهج بعد أن ترجم الدكتور محمد مندور رسالة لانسون (منهج البحث في تأريخ الآداب) فأخذ بعض الأدباء يدرسون الأدب العربي في ضوء هذا المنهج نجد ذلك عند طه حسين وأحمد ضيف وشوقي ضيف وغيرهم.
وكان الأستاذ عبد الله عبدالجبار
يبحث في ذلك الوقت عن منهج علمي يتيح له أن يدرس التراث العربي وفق أصول منطقية للوصول إلى نتائج علمية ذات قيمة، إذ (لا بد من كتابة التأريخ العربي من جديد على منهج علمي صحيح وأساس سليم بحيث يكون تأريخ الشعب في حركاته وانتفاضاته منذ أقدم العصور حتى الآن في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية).
وعملية الكتابة بالنسبة للأستاذ عبدالجبار إثبات لهذا التأريخ بكل أبعاده الثقافية والسياسية والأدبية. وهذا الإثبات يؤكد هوية الأمة، ويحميها من الذوبان في الثقافات الأخرى، لذلك فإن الإثبات لا يتم إلا بالنفي (نفي العناصر الدخيلة على كيانه، أي التأريخ، وإبراز قوته وخصائصه وأصالته والعوامل الحقيقية التي أثرت في مجرى حياته، وجعلته في الظروف الحالكة كثيراً ما ينسى الخلافات ويلتحم التحاماً ضد الغزو الأجنبي أياً كانت صوره وأشكاله).
إن الأستاذ عبدالجبار يؤكد على أهمية الجمع بين إثبات المعطى الحضاري، أي كاتبته وفوق أصول منهجية، وبين نفي الدخيل الذي لا يمثل أصالة الأمة. إن ذلك يؤدي إلى تعميق الإحساس بالوحدة العضوية الحية بين الزمان والمكان في الضمير الجمعي للأمة العربية.
وقد وجد الأستاذ عبد الله عبدالجبار ضالته في المنهج التأريخي، فهو كفيل بربط الأمة بتراثها وتوثيق صلتها بماضيها، فألف بالاشتراك مع الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي كتاب قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي.
واللافت للنظر أن المؤلفين عدلا عن كلمة تأريخ التي كانت دارجة في ذلك الوقت عند من يسعى لدراسة التراث الأدبي على ضوء المنهج التأريخي، واستخدما كلمة قصة، وذلك لأنه يريد أن يتحدث عن الأدب من خلال انتظامه في نسيج الحدث الاجتماعي الذي يتحرك وفق إطاري الزمان والمكان.
وهذا الكتاب يمثل جهد الأستاذ
عبدالجبار العلمي في شبابه، ورغم أن الكتاب يحمل اسم مؤلفين، إلا أن المؤلف الحقيقي لهذا الكتاب هو الأستاذ عبدالجبار، ومن حسن حظنا أن المقدمة حددت جهد كل مؤلف، وإذا تأملنا هذا التحديد ألفينا أن صفوة الكتاب من نتاج جهد الأستاذ عبدالجبار العلمي، وقد ذكرت المقدمة أن هذا الكتاب ثمرة تعاون وثيق صادق، لكنه في الحقيقة عصارة جهد الأستاذ عبدالجبار.
وما أضافه الدكتور خفاجي لا يتجاوز مئة صفحة وهي من الحشو الذي لا يضر الجهل به. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا يصر الأستاذ عبدالجبار على ذكر اسم الدكتور خفاجي بوصفه مشاركاً في التأليف، ونحن نجد ما أضافه الدكتور إلى الكتاب لا يمثل إلا جزءاً ضئيلاً لو حذف لن يتأثر الكتاب بذلك، بل ربما تنتفي منه مظاهر التسطح والحشو. هل كان وراء استدعاء اسم الدكتور خفاجي إحساس لدى الأستاذ عبدالجبار أن الأديب الذي ينتمي إلى الجزيرة العربية كاتب يعيش في أطراف خريطة الثقافة العربية وأنه بحاجة إلى إشراك أديب عربي ينتمي إلى مركز الثقافة العربية ليكون ذلك بمثابة الجواز الذي يتيح لنتاجه الانتشاري في الساحة الأدبية في الوطن العربي والقبول لدى القارئ العربي.
إننا ننتظر من الأستاذ عبدالجبار أن يحدد لنا الدافع من وراء إشراك الدكتور خفاجي، ولماذا اختار خفاجي بالتحديد وما الذي أسهم به الدكتور خفاجي.
إن هذه المقالة تمثل بداية بحث علمي سوف انهض به مستقبلاً إن شاء الله، وإن إجابات الأستاذ عبدالجبار سوف تهيئ لدراسة علمية تتصف ثقافتنا المحلية وتبرز جهد الأستاذ عبدالجبار أمد الله في عمره.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved