الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 03th January,2005 العدد : 90

الأثنين 22 ,ذو القعدة 1425

رائد النقد الأدبي الحديث
محمد عبدالرزاق القشعمي
أثناء إقامة الأسبوع الثقافي السعودي بالمملكة المغربية عام 1396هـ أي قبل ما يقارب الثلاثين عاماً، وبعيد الأمسية الشعرية التي القاها الدكتور زاهر عواض الألمعي في المركز الثقافي بالدار البيضاء، وعند توجيه بعض الأسئلة الخاصة بالمذاهب والمدارس الأدبية الحديثة من قبل بعض الحضور إلى الشاعر ومن قبيل الصدف فقد كان الشاعر والأديب محمد العلي حاضراً بصفته صحفياً يمثل جريدة اليوم، وكان مقدم الأمسية الأستاذ منصور الخضيري الذي أدرك من خلال الأسئلة أن محمد العلي هو من يستطيع الإجابة عليها بحكم إلمامه وعنايته بهذا اللون، فأستأذن من الشاعر الألمعي في أن يقدم للجمهور أحد شعراء الحداثة في المملكة، فتقدم العلي للمنصة وجلس إلى جوار الشاعر الألمعي مستأذناً في الإجابة على بعض الأسئلة ثم يترك المنصة لصاحبها، ولكن الجمهور لم يدعه إذ عرف من مناكفات وتلميحات الخضيري له أنه شاعر ولهذا فقد أصر الجمهور على سماع شيء من شعره، فأنشدهم بعض قصائده الحديثة أذكر منها (لا ماء في الماء) و (العيد في الخليج) واختتمت الأمسية.
ولم يترك بعض الشباب العلي فقد رافقوه مشياً على الأقدام إلى حيث نسكن في أحد فنادق وسط الدار البيضاء.. حدثهم عن الحركة الأدبية الحديثة ورموزها ومن بين من سمعت اسمه لأول مرة عبدالله عبدالجبار إذ ذكر العلي أنه يعتبر من أبرز نقاد الأدب لدينا، وتطرق إلى شيء من مؤلفاته وبالذات (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية.
حاولت أن أطلع على هذا الكتاب وسألت عنه ووعدني العلي أن يطلعني عليه عند عودتنا للمملكة، وهكذا اطلعت عليه وعندما حاولت استعارته رفض بأدب إذ ذكر أنه يحتاجه ويعود إليه في كثير من الأحيان.
وقد سألت عنه في مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض فعرفت أنه في المجموعات الخاصة محدودة الاطلاع.
فكدت أن أيأس.. ولكن بمجرد انتقال عملي من رعاية الشباب إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، ازداد قربي من الأستاذ الدكتور يحيى بن جنيد (الساعاتي) أمين المكتبة وشجعني على التواصل مع الأدباء والمثقفين والشيوخ منهم على وجه التحديد وطلب مني أن ابدأ برنامجاً كان يفكر فيه وهو (التاريخ الشفهي للمملكة) وذكر مجموعة من شيوخ الأدب والوراقين والمؤرخين وغيرهم.. وكان من أبرز تلك الأسماء عبدالله عبدالجبار، فسألته كيف الوصول إليه وهو كما أسمع معتكف في منزله ومعتزل للآخرين، فذكر لي بعض أصدقائه ومريديه وأنه يمكنهم أو أحدهم أن يدلني عليه.
ووعدني بالاتصال بصديقه الدكتور عباس صالح طاشكندي عميد شئون المكتبات بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وقتها.. فلم يستطع، حاولت عن طريق غيره مثل الدكتور عبدالله مناع وحسين بافقيه ومحمد سعيد طيب ولم يدلني عليه أحد منهم بدعوى أنه لا يستقبل أحداً إلا في ليلة معينة يجتمع لديه بعض أصحابه. ولا يضمن أحد لي الوصول اليه.
وقبل سبع سنوات وبالذات في شهر جمادى الآخرة وبمناسبة عودة المرحوم عبدالعزيز مشري من رحلة علاجية في أمريكا، فقد عرضت على شيخي الأستاذ عبدالكريم الجهيمان أن نذهب إلى جدة لزيارته وتهئنته بسلامة الوصول وشفائه.
قال: موافق.. على شرط أن نزور زميله عبدالله عبدالجبار إذ سمع بعودته واستقراره بجدة، وكان قد زامله مدرساً في المعهد السعودي ومدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة أعوام 56571358هـ أي قبل خمس وستين عاماً.
فقلت: سوف أحاول، فبحثت عمن يوصلنا للأستاذ. فوعدنا الأستاذ عابد خزندار، وفعلاً استقبلنا في المطار وهيأ لنا سكناً وقادنا إلى العبدالجبار، والذي استقبل زميله الجهيمان بالترحاب والعناق الشديد، وكل منهما يذكر
الآخر بتلك الأيام الخوالي.
ومن خلال هذا اللقاء عرف أنني كنت أبحث عنه وعلم برغبتي في تسجيل حديث للمكتبة ضمن البرنامج فوعدني. وفي آخر المقابلة تكرم بإهدائي نسخة مصورة من كتابه الشهير (التيارات الأدبية) وهو عبارة عن محاضرات ألقاها على طلاب قسم الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية بالقاهرة ط 1 1959هـ. وقد تكرم بكتابة إهداء على غلافه (إلى الأخ العزيز الذي يقوم برسالة تجميع المفكرين والأدباء.. الأستاذ محمد القشعمي مع أطيب التحية وأعظم التقدير.. 22 جمادى الآخرة 1418هـ عبدالله عبدالجبار.
وقد وعدني بالاستجابة لطلبي في أقرب فرصة.. ولهذا فقد واصلت الاتصال به عن طريق الصديق حسين بافقيه رئيس تحرير مجلة الحج والعمرة الآن فهو في العادة لا يرد على الهاتف.
وقد كان موعد لقائنا في منتصف شهر رمضان حيث استضافنا في منزله العامر بحي الأمير فواز بجدة وقضيت معه ثلاث ساعات برفقة الصديق بافقيه فسرد تاريخ حياته منذ طفولته وحتى الآن مروراً بدراسته في كتاب المعلمة (فوزية) بمكة المكرمة. إذ كان وقتها الطلاب مختلطين الأولاد مع البنات لدى المعلمات الكتاب ثم دراسته في مدارس الفلاح وزمالته لإبراهيم الشورى وأحمد العربي وعبدالكريم الجهيمان في العهد السعودي ومدرسة تحضير البعثات بمكة.. ثم انتقاله في أواخر الستينيات الهجرية وأوائل السبعينيات إلى القاهرة مشرفاً على البعثات السعودية فيها.. وأخيراً تقوده خطاه إلى بريطانيا ليفتح أول مدرسة لتعلم أبناء السلك الدبلوماسي العربي اللغة العربية.. إلى أن عاد إلى أرض الوطن مستشاراً لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة عند تأسيسها، وتبرعه بمكتبته العامرة بالقاهرة لها وتولي الدكتور طاشكندي نقلها إلى جدة أثناء حرب 1967م وما تعرضت له من مخاطر كادت تحول دون وصولها بسلام. وتحدث إلى أن قطار الزواج قد فاته.. إذ إنه يعتبر كعباس العقاد وأبي العلاء المعري من العزاب المزمنين.
وهو يودعني عند مغادرتي منزله فجر منتصف شهر رمضان لم ينس أن يهديني صورة للجزء الثاني من التيارات الأدبية الحديثة الذي لم يطبع مثل الجزء الأول وهو الجزء الخاص بالنثر: فن المقالة، وقد كتب إهداء قال فيه (للصديق العزيز الأديب والإنسان الشهم الأستاذ محمد القشعمي تحية ود وتقدير، عبدالله عبدالجبار رمضان 1418هـ. فأعتبرت هذا الإطراء شهادة بل وساماً أعتز به دائماً. وكان لي لقاء قصير معه مرة أخرى بداية عام 1421هـ برفقة أستاذي عبدالكريم الجهيمان ومجموعة من الأصدقاء الذين رافقوه أثناء دعوة الأستاذ عبدالمقصود خوجة لتكريمه في أثنينيته. فقد أصرأستاذنا الجهيمان على أن يزور ثلاثة أشخاص: أولهم زميله عبدالله عبدالجبار، والمرحوم عبدالعزيز مشري والفنان غازي علي وتمت زيارة الأول والثالث أما الثاني فقد كان يرقد في المستشفى وبحالة لا تسمح
بزيارته وذلك قبل وفاته بأيام.
وسمعت قبل عام أن أستاذنا العبدالجبار قد أجرى عملية جراحية في عينيه وأنه يتمتع بالصحة والعافية أطال الله عمره وأبقاه رمزاً ادبياً ومفكراً ووطنياً صادقاً، وإنني بالمناسبة أضم صوتي إلى صوت الأستاذ عابد خزندار وغيره من أدبائنا الذين يدعون إلى تكريم هذا الرجل وليس أقل من اختياره رجل العام لمهرجان الجنادرية الثقافي، أو منحه جائزة الدولة التقديرية في الأدب عند استئنافها كما يطلب الوسط الثقافي، ويسرني أن أستعير فقرة مما قال الأستاذ عابد خزندار في نثاره بعكاظ ليوم الأحد 231421هـ بعنوان (كرموا هذا الرجل) قد يكون الأستاذ عبدالله عبدالجبار الناقد الأول في تاريخنا الحديث، وقد يكون المفكر الحر الفذ في الصحوة النهضوية الحديثة في بلادنا، وقد يكون مؤسس الوعي الجديد في تاريخنا المعاصر، ولكن التاريخ سيذكره قبل كل ذلك كإنسان عاش الحياة التي دعا كل إنسان في بلادنا إلى أن يحياها..). وقبل ذلك كتب الأستاذ عابد خزندار أيضاً في الرياض بالعدد 10783 ليوم الخميس 3 رمضان 1418هـ الموافق 1 يناير 1998 ضمن (حديث المجنون) وهو يروي سيرته الذاتية أثناء دراسته في القاهرة في بداية الخمسينيات الميلادية. فنجده يصف الأستاذ عبدالله عبدالجبار وصالونه الأدبي سواء في مقهى (سان سوسي) أي بدون قلق في ميدان الجيزه بالقاهرة والتي يجتمع فيها مع مجموعة من الأدباء منهم: أنور المعداوي وعبدالقادر القط وسمير سرحان ومحمود السعدني.
أما في المساء فكنا نجتمع في شقة الأستاذ عبدالله عبدالجبار التي كان يختلف إليها كل مساء مجموعة من الأدباء منهم بالطبع: حمزه شحاته والأساتذة إبراهيم فلالي وعبدالله خطيب ومحمد سعيد بابصيل ومن المصريين مصطفى السحرتي ومحمد عبدالمنعم خفاجي ومحمود ابو رية العالم الأزهري المتحرر، وكان فيما أذكر عضواً في هيئة كبار العلماء، ويوسف حمودة وكان عضواً في الحزب الشيوعي المصري، وكان يختلف إليها أحياناً عبدالله القصيمي، ولك أن تتصور ما شئت النقاش الأدبي والفلسفي الذي كان يدور بين هذه المجموعة التي تمثل كل التيارات المذهبية، وكان كل منهم يحترم الآخر، وما زلت حتى الآن أذكر نقاشا حاداً جرى عشية حرب السويس في عام 1956م بين الأستاذين شحاته والقصيمي من جانب، والأستاذ أحمد عبدالغفور عطار من جانب آخر، وقد ذهب العطار إلى تأييد العدوان الثلاثي كفرصة للتخلص من عبدالناصر في حين رأى شحاته والقصيمي أن المسألة ليست مسألة شخص، وإنما مسألة عدوان على الأمة العربية، وبالرغم من طول باع العطار في الجدل وطيلة لسانه، فقد استطاع شحاته والقصيمي أن يفحماه، ولا عجب فكل منهما قوي الحجة، وصاحب قدرة خارقة على الجدل، والطريف في الأمر أو من غرائبه أن عبدالناصر ضاق ذرعاً بصالون الأستاذ عبدالله عبدالجبار وبالنقاش الحر المفتوح الذي كان يدور فيه فسجن بعض أعضائه بتهمة واهية ومنهم الأساتذة: عبدالله عبدالجبار، ومحمد عبدالمنعم خفاجي، وعلى شلش، أما القصيمي فقد طرده من مصر، ولم يكن من بينهم حمزة شحاته إذ كان ملازماً لبيته لضعف بصره.. إلخ.
تحية وتقدير وعرفان لرمز شامخ من رموزنا الثقافية.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved