الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 03th January,2005 العدد : 90

الأثنين 22 ,ذو القعدة 1425

إرهاصات الحداثة «12»
حركية الواقع.. وأزمة المصطلح
سحمي الهاجري

قبل ثلاثة أسابيع صدرت الميزانية العامة للدولة، فكانت ميزانية التعليم على سبيل المثال (70) مليار ريال، وهو رقم أغرى المحللين الاقتصاديين لعقد بعض المقارنات. (عيسى الحليان 411 1425هـ ص36).
فميزانية التعليم في المملكة توازي مجموع الميزانيات العامة لدول سوريا ولبنان واليمن والبحرين والسودان في وقت واحد، وميزانية الجامعات لوحدها توازي الميزانية العامة لدولة الأردن، وميزانية جامعة الملك سعود منفردة توازي الميزانية العامة لدول موريتانيا وجيبوتي والسلطة الفلسطينية مجتمعة.
سوف أعود إلى أرقام الميزانية في مكان آخر.
تسعى هذه الورقة من خلال تطوير عدد من الأسئلة التفصيلية للبحث عن إجابة للسؤال التالي: (هل نحن في المملكة منخرطون في التحديث على المستوى المادي منذ بداية نشوء الدولة؟ وما مدى مواكبة المستوى الفكري لعملية التحديث؟ وأين تكمن مفاصل المفارقة؟).
العنوان الأساسي (إرهاصات الحداثة) عنوان عريض كما تلاحظون.
في مرحلة من المراحل ارتبطت كلمة (الحداثة) في أذهان الكثير من عامة الناس وبعض خاصتهم في المملكة بالذات بالأدب والشعر منه على وجه التحديد، وخصوصا ما سمي (الشعر الحر)، ثم النظريات النقدية. في حين أن الحداثة أساسا (إيديولوجيا شاملة) كما يقول فريدريك ديمسون (دليل الناقد 104).. حين نتلكم عن الحداثة في الأدب عموما إبداعا ونقدا فإنما نتكلم عن جزء من كل هو الحداثة على المستوى الأوسع فلسفيا وماديا. الذي يستوعب مفهوم التجديد والتحديث بجانب المفهوم النقدي والفكري.
من هنا جاء العنوان الفرعي للورقة (حركية الواقع وأزمة المصطلح).
إذن الموضوع ينتظم إرهاصات الحداثة بمفهومها العام وصولا إلى تمظهراتها في الأدب، وموقعها من كامل أجزاء الصورة..وبما أن الحداثة إيديولوجيا شاملة فإنها تنتظم السياقات التي تمارس
فيها الأنشطة والفعاليات بما فيها الدوائر التي تنتج فيها النصوص..
في كتاب حكاية الحداثة عرف الدكتور عبدالله الغذامي الحداثة بأنها (التجديد الواعي) (حكاية الحداثة ص38).لا يمكن تجاهل التعريف الذي توصل إليه واحد من أشهر المهتمين بالحداثة والمنخرطين في معاركها.
قد يقدم البعض تعريفات أخرى، وقد يطلب آخرون احتياطات معينة، تزيد في استقصاء شروط الحد وإسباغ صفاته بصورة أكثر على هذا التعريف.
هذه كلها أمور مشروعة في مجال البحث العلمي. وكل إضافة بطبيعتها مرشحة لتفتح افقاً جديداً. لن أجادل في كل ذلك لكن هذا التعريف يثير عدداً من الأسئلة.
هل هو مقلوب (التقليد غير الواعي)؟ كما هو الظاهر؟
ماذا عن: التقليد الواعي؟
أو: التجديد غير الواعي؟
ألا يوحي هذا التعريف المفتوح بنوع من المهادنة، أو التفاوض أو النزعة التوفيقية؟.. في مكان آخر من الورقة قد نجد ما يساعدنا على التفكير في إجابات لهذه الأسئلة.
الحداثة ترسخت في الغرب قبل زمن طويل من وصولها إلينا. فهي منجز غربي على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيقات. وبطبيعة الحال فإن إرهاصاتها في المملكة كانت نوعا من التقليد في كليهما.. ويلزمنا هنا احتياط مهم؛ وهو أن المسألة في مثل حالة المملكة تأخذ وضعا معكوسا؛ حيث أتت الإرهاصات على مستوى التطبيق قبل الإرهاصات على المستوى الفكري والإبداعي؛ لأن التقليد على المستوى المادي يتحقق بصورة أسرع من التطور على المستوى الأدبي والفكري؛ فمن أهم سمات
الأخير أنه بطيء في التشكل من ناحية ومن ناحية أخرى بطيء في التأثير على البنى المادية؛ حيث تستمر البنى المادية الراسخة رغم وجود الأساس النظري للتغير ولا تتغير إلا بعد فترات طويلة.
الوقائع هي البيئة التي تنتج النظريات؛ فالأفكار لاتؤثر إلا بصفتها وقائع تفصيلية، وجزء من واقع أكبر وأعم وحقائق تتشكل على الأرض نتيجة لمدخلات عديدة ومعقدة..ومن هنا كانت الحداثة في المملكة جزءاً من سياق الحداثة على المستوى العالمي.
من مفاهيم الحداثة مفهوم الدولة الوطنية بصفتها الوعاء الحاضن لديناميات الحداثة تمثلا وإنجازا، حتى ولو لم يتم استيعابها نظرية وفكرا.
وما دام ذلك كذلك فقد بدأت إرهاصات الحداثة إذن منذ نشوء الدولة الوطنية بل إن نشُوأها في حد ذاته كان نوعاً من الممارسة الحداثية.
وهذه البلاد إضافة إلى ذلك من الدول
المؤسسة في الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية والإقليمية. وقد واصلت على الدوام التزامها بواجباتها الدولية والتوقيع على المعاهدات العالمية واستمرار الفعاليات الاقتصادية ذات الإشراف الحكومي أو العائدة للقطاع الخاص في التفاعل بالتزامات ممثلة على المستوى النقدي أو المالي أو التجاري أو الصناعي.
كما عملت الدولة على تطوير جهازها الإداري، وإصدار الأنظمة والقوانين التي تحفظ الحقوق، وتعلي من شأن الجدارة، وتشجع على العمل والإنتاج والتفوق، وبعثت البعوث العلمية. وتبنت شجاعة وتصميم خطط تنمية طموحة، وأخرجت هذا الجزء من العالم من القرون الوسطى إلى ألق الحضارة والتطور المشهود. في فترة قياسية في تاريخ الأمم والشعوب. كل هذا من صميم الحداثة بمعناها الواسع، الذي يتبنى كهدف جوهري (مفاهيم تحرير الإنسان وتوجيهه نحو قيم جديدة، مفاهيم وقيم الإبداع والاكتشاف العلمي والتميز الفردي والحرية والمساواة والعقل والعدل وسعادة الإنسان وإزالة الأوهام والخرافات والطلاسم المتجذرة في الثقافات) (دليل الناقد 225).
ومنذ البداية كان محمد حسن عواد في الموعد؛ فقد بنى كتاب خواطر مصرحة على قيم الحرية والعدالة والعلم والإبداع والتقدم ومحاربة التخلف والبدع والخرافات.. واصلت الدولة عملية التحديث فأقرت تعليم اللغات الأجنبية، والجغرافيا، وإرسال البعوث العلمية، وإنشاء مجلس الوزراء، وتعليم البنات. وكلها قرارات أساسية في هذا السياق، وقد واكبت الصحافة ترسيخ هذه الخطوات، ودعمتها من الناحية الفكرية والأدبية خصوصا في فترة صحافة الأدباء فتوسعت في نشر القصص القصيرة
والمقالات، وتابعت المعارك الأدبية، وشجعتها، كل هذا كان في الإطار الشامل لعملية التحديث.
وفي منتصف التسعينيات وصل التراكم التحديثي إلى درجة يمكن أن تخلق بيئة لتجسير الفجوة الهائلة بين فلسفة الواقع وفلسفة الخطاب.
كان الأمر يقتضي التفاعل مع المتغيرات الجديدة، ولكن التركيبة الفكرية للمجتمع تمنع حرية الحركة الإبداعية التي يمكن أن تشكل بديلا ولو جزئيا عن غياب الفلسفة التي كان يمكن أن تؤطر وتقود حركة الأنساق الفكرية من الأعلى.. كان لا مناص من البحث عن منفذ آخر، فجاء شعر الحداثة بقصدية جديدة تعتمد على زعزعة الأنساق الفكرية من الأسفل، كانت هذه القصدية في حد ذاتها كافية لرسم قدر معقول من حراك حتمي، ومبررا لإرجاء مسألة درجة التحقق الإبداعي.. بدأ الأمر بجيل محمد العلي وسعد الحميدين وأحمد الصالح وعلي الدميني. وهو الجيل الذي تبنته الملاحق الصحفية الأدبية، وبدأ في إصدار الدواوين الشعرية، ثم جاء الجيل الثاني وأبرزهم عبدالله الزيد ومحمد الثبيتي وعبدالله الصيخان ومحمد الدميني وعبدالإله البابطين، وهم الجيل الذين نشطوا في الأمسيات الشعرية، ونشروا إنتاجهم في المجلات الأدبية المتخصصة، وصاحبهم عدد من النقاد الذين درسوا إنتاجهم وقدموه للساحة الأدبية.. حاول هؤلاء الشعراء أن يشقوا طريقهم من خلال كسر المألوف، ابتداء بعمود الشعر والأوزان الشعرية، والبنى اللغوية، والأسلوب، والصور، وزوايا الرؤية، وطريقة استدعاء الأحداث والشخصيات التاريخية.
وكان لابد من ردة فعل من التيار المناوئ المتوجس من أثر هذه الحركة علىالخطاب السائد ويروي عن أحمد فرح عقيلان قوله: (إن الشعر هو القيمة العليا للأمة وأي مساس بالنمط الشعري لن يكون تغييرا ذوقيا فحسب بل هو مساس بالتراث ذاته، والتراث هنا يعني قيم الأمة كلها من الدين إلى الحضارة بكل تجلياتها، وكسر الذوق الشعري سيكون بمثابة كسر لعمود الأمة وسيكون مؤامرة استعمارية) (حكاية الحداثة 114).
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved