الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 03th January,2005 العدد : 90

الأثنين 22 ,ذو القعدة 1425

تيار الحداثة والنقد غير المبرر (1)
د. سلطان سعد القحطاني
قد ينساق البعض منا في حين من الأحيان وراء العناوين التي لا تتطابق مع واقع الحال، أولا تدل على محتوى النص الذي عنونت له، بل إن ذلك يكون مدعاة للطرف المضاد ليتخذ العنوان ذريعة للنيل من صاحبه، بطريقته الخاصة، وغالبا ما يكون النقد تصفية حسابات قديمة لم تسدد في حينها. والإعلام العربي عانى ما عاناه غيره من المجتمعات العالمية في بداية نهضتها، وثورتها على الجمود والتخلف، والتقليدية سنة من سنن الكون والإنسان، والعادات تقوى بتقادم الزمن، والموروثات تترسخ في أذهان الناس وترتبط بعقائدهم، لدرجة يصعب معها الإصلاح الاجتماعي، بل يستعصي على الكثير من المصلحين معالجة الداء، واليأس من معالجته، إلا من أوتي حظا من الصبر والجلد على ما يصيبه من الأذى والمكروه في سبيل دعوته، والأمل في بلوغ هدفه، ولن يكون ذلك إلا بالصبر والعلاج المناسب والدعوة بالتي هي أحسن. وفي التراث العربي والعالمي الكثير من الأمثلة على ذلك. لنأخذ الأنبياء والرسل والمصلحين الصادقين والعلماء والمفكرين والأدباء مثالا حيا على ذلك، فالكثير من القصص في الكتب السماوية تؤكد ما نذهب إليه، فقد طمأن لله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالكثير من قصص الأنبياء قبله، وشدة ما تعرضهم من التعذيب والقهر والمشقة، في سبيل الدعوة لدين جديد لم يكن معروفا في دياناتهم المتوارثة، وقد قص علينا القرآن الكريم تلك القصص، في أسلوب خبري عن حالة تلك الأمم السالفة، لتكون لنبينا ولنا من بعده فيها العبر، والصبر على ما نواجهه من المشاكل والشطحات الفكرية وكيفية معالجتها والتصدي لها بكل رفق وحكمة، وبالموعظة الحسنة، وباللين، كما أمر الله تعالى نبيه، ولا نجعل من الهفوات الصغيرة قضية عقدية تقوم لها الدنيا ولا تقعد، على أنها ستفسد دينا تكفل الله بحفظه إلى أن تقوم الساعة، ونحن نصلي كل يوم خمس مرات، نقرأ في بعضها قصص الإلحاد والزندقة والمجون، بل الكفر بكل أشكاله ومعانيه، ولم نجد من اعتنق مذهبا من مذاهب السابقين قبل الإسلام، وجاءت مصطلحات لم تكن معروفة أصلا في الثقافة العربية. وكل جديد لابد له من مواجهة في سبيل التغيير، والتغيير سنة من سنن الحياة، ومواكبة الجديد دليل تقدم الأمة، ولا يعني ذلك التخلي عن الثوابت، فالعالم الذي تقدم لم يغير من ثوابته، إلا ما سمي بالثوابت، وهو ليس منها، والنقد مشروع لكل من أراد أن يبدي وجهة نظره حول موضوع ما، لكنه ليس متاحا لكل إنسان، فكما أن للإبداع ضوابطه، فللنقد ضوابطه أيضا، وهناك فرق كبير بين النقد وبين التجني
والهجوم على
شخصية المبدع، فقد ذهبت ثقافة الأشخاص وحلت مكانها ثقافة النصوص، وكنا نؤمل في مرحلة الثمانينيات الميلادية، ودخول القرن الخامس عشر الهجري في وجود نهضة تواكب التعليم وظهور سبع جامعات في السعودية، بعد أن كانت جامعتين، فظهور خمس جامعات في مرحلة واحدة يعد حدثا ثقافيا كبيرا، لكننا نصاب بأنه حدث ثقافي في ظاهره، أما باطنه فكشف القناع عن تقليدية لم تتطور بتطور الزمان، ومن ثم ظهر في ميدان الثقافة فئتان متضادتان، فئة تسير في تيار الحداثة، وأخرى
جامدة لم يؤثر فيها تطور الزمن الفكري، وفي كل من الحالتين (الحداثية والتقليدية) تقليدية ثالثة، فالحداثة في عالمنا العربي تقليدية غربية، لكن أصحابها أصحاب فكر منفتح على الآخر ومواكب للحركات الفنية (العالمية والعربية) ومنهم الكثير من المجددين في المضمون، من خلال النصوص الموازية، وكان بإمكان هذه الطفرة أن تفرز فكرا أدبيا متوازنا، لولا شدة الحساسية التي خلقها البعض بين الطرفين، فبدلا من أن تتعاون على إنتاج مشروع ثقافي ذي مردود جيد، أنتجت أفكارا متطرفة، فيما يمكن أن يسمى إبداعا لا يقل ما يسمى نقدا عنه رداءة، إذا جاز لنا أن نسميه نقدا، فتحليل النصوص غائب عند الكثير، فقد شغل صاحبه عنه بكاتب النص، وما يوجهه إليه من قذف بالكفر والمبررات الضعيفة، كما رأى البعض في الحداثة كفرا، ولم يفرق بين الكفر في الحداثة أو في التقليد، وهو في الموروث أكثر منه في الحديث. يقول الحسن بن هانئ الأندلسي، وهو يمدح المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
فالكفر شيء والحداثة في المخترع والأسلوب والتفكير السليم، شيء آخر.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved