الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

(مُعَقد بدرجة فيلسوف)
*عبدالوهاب بن حسن النجمي:
دائماً ينتقد ذاته وبشده، لا يملك وصفاً لذاته إلا أنها.. معقدة، يرجع تلك العقد إلى تربية والده الصارمة، له ولأخوته، حاول كثيراً أن يكون كبقية النَّاس انفتاحياً ومرحاً وضحوكاً؛ لكنَّه دائماً ما يصطدم بتعاليم والده القديمة التي مازالتْ تجلجل في أذنه؛ لدرجة أنه نفى في بعض المرات أن يكون قد عاش فترة طفولة مما أثار استغراب رفاقه.. يخجل من المناسبات الاجتماعية لدرجة كبيرة، يحسُ عندما يكون مدعواً لوليمة أنه مطارد ٌ أو مراقبٌ.. مما يفقده توازنه، فيرتبك في تصرفاته.
ولا ينسى أبداً فنجان الشاي الذي دلقه على ساق مُضَيِفِهِ حين انتفضتْ يده وهو يناوله.. وينتابه شعورٌ غريبٌ في أنّ لا أحدَ يقدره؛ حتى السلام الذي يلقيه، لا يجد له رداً كما لو ألقاه غيره من زملائه. حاول أن يغير من ذاته، لكنه يصدم دوماً بترسانةٍ من العقد القديمة تحول بينه وبين ما يريدُ، أخيراً أكد أنه مريضٌ نفسياً، عرض نفسه على مَصَحَةٍ نفسية نصحوه بإعطاء نفسه كبسولات من الثقة.. تساءل بحزن وحرقة: من أين آتي بهذه الثقة، من الصيدلية المجاورة؟!
***
يشعرُ أنَّ آراءه وفلسفته في الحياة والأشياء التي أتى بها من قراءته الكثيرة، وأيضاً من عقده القديمة، أنها هي السبب في تعاسته مع أصدقائه وكلِّ معارفه ؛ فدائماً يفشلُ في بناء علاقة متينة ٍ مع الأصدقاء الجدد بل يحدث العكس تماماً؛ حيثُ تتحولُُ إلى مشاحنات وصدامات وريبة وتوجس؛ كلُّ ذلك بسبب آرائه في الفن والفضائيات.. يهمزه أصدقاؤه بالمعقد والفيلسوف، لا يأبه بهم، لكن كل ذلك يتواردُ إليه، عندما يأوي لفراشه.. يجرُّ شريط اليوم كاملاً، ويسهر ُ ناقداً ليومه ولعلاقته بأصدقائه، وأصدقائه أيضاً وثقافتهم الضحلة على حدِّ زعمه، رغم كلِّ ذلك إلا أنه لا يحقد على أحدٍ، لكنه يحس بمؤامرات تحاك ضده دائماً، يحسُ أنَّه يُحَلِقُ خارج السربِ.. يجاملُ أحياناً ويداهنُ غير أنَّه يُضِرُ بنفسه كثيراً، يشعرُ أنَّه يقدمُ لنفسه وجبة ً من الذل لعيون لا تستحق.. يُغرَمُ بالمناقشة حتى ولو لَمْ يُسْأل، أصدقاؤه لا يسألونه؛ خوفا من إطالته وفلسفته التي لا تروق لهم، لكنه يُصِر على الدخول في جدالٍ لم يدع إليه.. حاول كثيراً ألا يجادل، لكنَّ نفسه مغرمةٌ حدّ الثمل بالجدال والمماحكة.. في مدرسته أيضاً، لا يختلف الوضع كثيراً، يرى في وجه مديره عداءً له، ولتميزه عن بقية المعلمين الذين تتشابه أفكارهم، واهتماماتهم، حتى وجوههم باتت متشابهة له. يقرُ في قرارة نفسه أن مديره يسعى جاهداً لتحطيمه عمداً، فهو يسندُ الأعمال التي تستهويه لأولئك المتشابهين.. أخيراً: قرر أن يصمت وأن يعالج نفسه، من عقدته، مر يومان دون أن يجادل.. أحس بحلبة مصارعه في صدره... ضيق في نفسه... أسرع إلى صديقه في فناء المدرسة: ينثر في وجهه رأيه عن الفضائيات... صديقه صامت لا ينبس ببنت شفاه.. تحدث عن الفن وهو ممسك بيد صديقه.. شد على يده، لكنه لا يتكلم، توسل إليه، صاح فيه. أرجوك تكلم.. أرجوك. نظر إليه صديقه في ابتسامه ماكرة.. لن أتكلم ياصديقي، سأساعدك على العلاج.


wahab2@gawab.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved