الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 3rd May,2004 العدد : 57

الأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

شيء ليس في الكتب
د. عبدالله إبراهيم العسكر
زورت في نفسي كلاماً أقيده بمناسبة تكريم الإنسان الدكتور أحمد البدلي، صاحب الشعور المرهف والحس الدقيق، بمناسبة تقاعده عن العمل، ولم أجد إلا بداية تاريخية: عرفت الدكتور أحمد معرفة شخصية بعد عودتي من البعثة مطلع عام 1406هـ، ولقيته لقاء الأحبة في مدارج كلية الآداب، أما قبل ذلك فأنا أعرفه من خلال ما تنشره له صحف الرياض، وكانت الرابطة الوحيدة التي تشدني إليه رابطة محبة الأدب الفارسي والثقافة الفارسية، وأنا كنت ممن يرى وجوب العناية بالصلة بين الأدب الفارسي والعربي، وإن قلت وجوب استئناف الصلة بينهما، فقد أصبت خاصة من أبناء الجزيرة العربية، لأسباب لا داعي لبسطها الآن، ولما وجدت أن الجامعة التي اختلف إليها في لوس أنجلوس تطلب مني دراسة لغة مشرقية سوى اللغة العربية، ما ترددت، واخترت الفارسية، ودرستها على مدار عامين دراسيين.
وفي منتصف عام 1978م رأت أستاذتي الإيرانية سوري أن أبتعث إلى جامعة أصفهان من أجل تجويد اللغة، وراسلت الجامعة وحصلت على القبول، ولم يبق إلا موافقة جامعة الملك سعود، ونشاء وتشاء الأقدار، وتقوم الثورة الإيرانية. وتنقطع حبال الوصال بين إيران وأمريكا، ومعها انقطعت حبال آمالي، أراني بعدت عن الموضوع، وهو بعد على كل حال يقربني إلى صاحب (فارسيات) ويذكرني بما يربطني بالدكتور أحمد.
لم أجلس إلى الدكتور أحمد لأطلب العلم، ولكنني تعلمت منه أشياء كثيرة ليست في الكتب، يأتي على رأسها: الطيبة حب الطلاب،ومنها التواضع مع العام والخاص، ومنها كيف يكون أستاذ الجامعة مربياً قبل أن يكون معلما، وقد قال لي مرة: المعرفة متاحة في كل مكان، لكن التعامل مع المعرفة واستعمالها غير متاح، وتعلمت منه كيف أحافظ على لغتي الأجنبية وقد رأيته مراراً متأبطاً جريدة سعودية تصدر باللغة الأجنبية فقال لي: هي طريقة سهلة لحفظ لغتي الإنجليزية، ولكنني لم أجد في الرياض آنذاك جريدة باللغة الفارسية، وأكبرت فيه روح الدعابة، وأنها ليست تقلل من شأن الأستاذ، وهو قال لي مرة، إن كان يذكر، وما أخاله يذكر: إن الدعابة طريقة من طرائق التدريس فضلاً عن كونها سبيلاً من سجل التجمل والدبلوماسية.
وقد روى لي قصة طريفة هذا ملخصها: يقول الدكتور أحمد ذهبت للتسجيل عند أستاذ إيراني من أهل شيراز، وبعد أن سألني عن اسمي قلت له: البدلي. فقال الأستاذ: كان قبلك عندي من عربستان (اسم السعودية) طالب اسمه العوضي .(يقصد الدكتور محمد العوضي رحمه الله) وأنت اسمك البدلي. وأنا في غاية العجب: أليس في السعودية إلا أناس تقليديون. أين الأصليون؟ وهي طرفة يقصها الدكتور أحمد علي طلابه، ولا يجد حرجاً من ذلك فتأمل رعاك الله، لا يجد حرجا في إرسال المضحكات، ولو على شخصه ولونه، وهو صياد ماهر للمتناقضات الاجتماعية والمعيشية، يصطادها ثم ينسجها طرفة مدوية.
وعرفت في الدكتور أحمد قناعته المتميزة، وكراهيته للرياء والإطراء والاختلاط مع الناس لأجل الاختلاط، وكان يردد أن الرزق بيد الله لا بيد الخلق. وهو قال لي كدت أصبح تاجراً لو قبلت البقاء في السوق، ذلك أنه زاول مهنة البيع في مقتبل شبابه، لكن حب العلم صرفه عن البيع والشراء، وما اجتمعت به إلا ردد على مسامعي ما يحفظه من عيون الشعر الفارسي، خاصة من أشعار سعدي أو حافظ الشيرازي.
وأنا لا أشك أن الدكتور أحمد تأثر بالأدب الفارسي وبالعقلية الفارسية أيضا، ذلك أن النزوع لشيء من التصوف العقلي والرقي الوجداني مما بز به أهل فارس أهل الإسلام في أقطارهم الواسعة، وتجد مثل هذا عند الدكتور أحمد.
تحية صادقة أرسلها الأستاذي الدكتور أحمد البدلي في يوم تقاعده من العمل الأكاديمي التعليمي، وألح عليه، كما كنت أفعل كلما لقيته، أن يتفرغ لكتابة شجون فارسياته الأدبية، وذكرياته الدراسية والعلمية، وإخوانياته في الحجاز والرياض ولندن وشيراز وما بينها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved