الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 3rd May,2004 العدد : 57

الأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

الأدباء (المنتمون) بين المعرفة والفن!!
أحمد علي آل مريع *

جزء كبير من المآخذ التي تؤخذ على الأديب صاحب الرسالة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية (ولاسيما في مجال التشكيل الفني) يمكن أن نرجعه إلى فهم العلاقة نصوصياً مع الثقافة، ونقصد بالثقافة: مجموعة المعارف المكتسبة نتيجة لنشاط عقلي واع ومستمر، أو هي المخزون الثقافي الذي تزود به الكاتب عن مصادر المعرفة المختلفة، ولا يمكن لنا أن نفهم (أنا شخصياً على الأقل) الثقافة دون أن يرافقها موقف ما، يمكن أن نراه مباشرة، أو نتحسسه عبر ما يعرف بتقنية: وجهة النظر، أو زاوية الرؤية، أو التبئير، ومركزية الكتابة، على اختلاف المصطلحات التي تشير إلى ذلك.
والمتابع في هذا الشأن يجد نفسه بين ممارستين تعبيريتين مختلفتين، إما إسراف في التقريرية، واستصحاب المعرفة لدرجة الاستنساخ المباشر، وإما تهميش لعنصر الإدراك المعرفي لدرجة الغياب في التهويمات الهذيانية، المبررة زوراً باسم الفن والجمال!!
على مستوى فلسفة النقد الأدبي الحديث يرى الناقد الفرنسي (باشلار): (أن الصورة الشعرية ببساطتها ليست بحاجة إلى المعرفة، لأنها الفكر الساذج). وضمن الاتجاه نفسه يرى (أندريه بروتون) صاحب (بيان السريالية) وهو ممن يمجد ومض الصورة المنبثقة من اللحظة الحاضرة يرى: (أن الصور الأقوى هي التي تحمل أكبر درجة من الاعتباطية) حيث تبدو كلمة اعتباطية منافية تماماً لطبيعة المعرفة المسؤولة الواعية.
والذي يظهر لي أنه لا تعارض بين جماليات التشكيل والمعرفة، بل الأصل أن تتكامل جوانب العملية الإبداعية جميعاً من ثقافة وأساليب وصور وغيرها ولا تتعارض.
وما يكتسبه الشاعر أو الكاتب من معرفة، وما يعتنقه من ثقافة (قلنا إننا لا نفهم الثقافة بعيداً عن الموقف، فكل ثقافة = موقفاً ما وعيناه أم عجزنا عن إدرك كنهه).
وما يتعرض له من مواقف وأحداث ينصهر فيه ويصبح بشكل أو بآخر من مكونات تجربته، وسمته في التعبير. ويمكن أن يؤثر كل ذلك فيما ينتجه من أعمال أدبية بل وحتى علمية، فكثير من النظريات القائمة في مجال العلوم حتى البحتة منها، وإن ادعت الموضوعية والتجرد، تقف وراءها عقائد وأيديولوجيات، والأيام بعد ذلك تكشف عن صحة النظرية أو فشلها. ولكن الأثر في الأعمال الأدبية أكبر وأشد، وأكثر تعقيداً وقد يكون حضوره عن وعي سابق وقناعة وقد يكون عن غير وعي.
اتفق مع (باشلار) بأن الصورة فكر ساذج، واتفق مع (بروتون) بأنها اعتباطية، ولكن في حدود فهي فكر ساذج لأنها قائمة في جزء منها على الخيال والوهم، وهي اعتباطية لأنها لا تخضع لمقياس العقل ولا تحتكم إلى منطقه، ولكن هذا لا يعني إطلاق العبارة كما هي عليه، او التصريح بأنها ليست بحاجة إلى المعرفة والثقافة.
صحيح أن المعرفة المجردة لا يمكن أن تكون مصدراً ناجحاً وفاعلاً لصورة متميزة إذا اقتصر عليها الأديب ولم يجاوزها إلى معاناته،ويلونها بمشاعره ويربطها بإنسانيته التي هي مادة الأدب (المشعة/ الخصبة). لأن الصورة حينئذ تصبح شيئاً أقرب إلى برودة الحقيقة العلمية تصب في إطار يستخدمه الأدباء. تصبح كالنظم بالنسبة للشعر السامي، والترجمة الوثائقية والتاريخية بالنسبة للسيرة الفنية.. شيئاً له لون الأدب، ولكن ليس له رائحته ومذاقه.
أما إذا فقدت الصورة الأدبية نسيجها الثقافي الذي يجمعها ويؤلف بينها ويعطيها خاصية الرسالة وعمق الإشارة، فقد فقدت هويتها، وأمست عملاً بلا قيمة، لأنها بلا وعي أصيل، أو أدراك زماني، أو مكاني أو حضاري، وهذا المزلق الذي يجب أن ينتبه له الكتاب والشعراء الذين يريدون لأدبهم قيمة الخلود.. وليس كذلك الأدب الحق الذي تتكامل فيه جميع العناصر وتتعاضد.
وتأسيساً على هذا الفهم نذهب إلى تأثر الصورة الفاعلة لدى المبدع بهذا المخزون الفكري وإفادتها منه أثناء عملية البناء الفني بعامة، والتصوير بخاصة، لكن وفق معادلة الجمال، الذي هو شرط أساسي، حتى لا نتداخل في رسائلنا شعراً ونثراً مع الوعاظ والمرشدين الاجتماعيين، ونفقد قيمة الدور الحقيقي الذي نقوم به في مسيرة الفن الرفيع!!


* كاتب وأكايمي سعودي..
aaljooni@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved