الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 3rd May,2004 العدد : 57

الأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

حول وعن.. مسألة الوطنية؟
نايف فلاح
في السحيق من الزمن، إذ كانت المعاني بعدُ في أرحامها، تعرَّف الإنسان في لحظة من لحظات ذلك الزمن إلى عدوه الأول إبليس، فكانت ملاحقة من ثمراتها أن قرَّ رأي أهل الاجتماع على أن ذلك اللقاء الذي فلق بيضة الحياة عن وجهي حقيقتها في إماطة القشرة عمَّا هو صالح حسن وعمَّا هو سواه.. لا بد له أن يكون فاتحة خير وبشرى وارتياح.
وعلى سبيل المماهاة مع هذه العلاقة الأزلية فيما بين الإنسان والشيطان، أو على سبيل الرغبة في الاتكاء عليها كمنطلق رئيسي، فإنني أتصور من وجهة نظر وطنية.. أن هذا المضطرب الذي تنكبه بعض من الإغرار باسم الدين.. جل الدين.. وعجَّت به البلاد، أتصوره بالرغم من أنه في الصميم من الشر فاتحة من فواتح الخير كذلك.
أجل، هذه الوقائع شر كلها..! لكن الخير بات في ذات الوقت قسيمها، لأن الخير فيها ظهر ابتداءً فيما نعايشه من غربلة آخذة في نفض الشعور الوطني المباطن للنبلاء..! من هذا المجتمع السعودي، ولأن الخير ارتسم انتهاءً في وقفات التأمل والاستكناه.. وفي مباحث العلل، وفي محاولة المعالجة، اللواتي فتحن قوساً ثانياً لروابط اجتماعية.. تنحو إلى تشكيل معرفي لا ينظر إلى التعدد بأنه أزمة..؟ ولا يتعاطى الاختلاف على أنه عداء..! والذي سوف يؤثر إيجاباً على الوعي الجمعي كي يوقن كل إنسان في هذه الأرض بأن (الدولة) ظهارة وأن (الأمة) التي هو فرد منها بطانة، وبين الظاهر والباطن علائق اقتران، إن تضرر أحدهما تضرر الآخر.
علنا نستصدر عن عجج الأحداث نمطاً تربوياً ينتج لنا مواطناً يستغرق بالضرورة في المعنى الجوهري للوطن.. ساعتئذ لا شيء في الدنيا أجمل من الوطن.
فإننا إذا ما قلنا الوطن، تحديداً.. لا رسماً..! فهل عسانا نقصد شيئاً غير الدين والأرض والحكومة؟! أملاً منا في أن نصيب الوطنية في حدودها، ونأتي على حقائقها خالية من أية خروم أو ثلوم.
فالوطنية، بما أنها مصدر صناعي من الوطن، ما انفكت رغم حضورها المدرسي وأيضاً مألوفها اللفظي ضبابية في الذهن العام، لذا فهي غائبة عن الخاطر العام ولو على المستوى النظري على أقل تقدير، أسهمت وبحسن نية بعض المؤسسات الخطابية المضطلعة على شؤون الدعوة في مواراتها وتنحيتها، وكأن جهنم حقاً مرصوفة بالنوايا الحسنة!!
وربئاً بفكرنا من سذاجة الطرح، وبثقافتنا من سطحية التناول.. لسنا نريد إرجاع مسألة الوطنية، انتماءً وانسلاخاً، إلى مسبب واحد، وإلا سقطنا في هاوية الخستين؛ السلب والجزئية كما يقول أهل المنطق.. وكأنما ألزمني المساق أن أضفي على ما فات معنى التأسيس أو التصدير لما نود لحاقه في الآتي من الكلام الذي ربما يفوته استقامة النسق، وربما أيضاً يعروه شيء من الارتباك في مجريات الربط، إنما وهذا المهم لدينا ينتظمه خيط يحاكي (الوطنية) انتماءً ولياقة واقتناعاً!!
ولعل في مقدورنا إذن أن نناقش (الوطنية) في أبرز ملامحها وأهم محركاتها، لذلك لا نجد بداً من حبسها ولو تسامحاً في دائرتين اثنتين خاصتين (بالوطن السعودية)، فهما دائرتان أو محوران يتداخلان تارة، ويفترقان في أخرى. عموماً.. هما لا يخرجان عن كونهما رغبتين تنهضان من التراث إن استثماراً وإن رفضاً..!
هاتان الدائرتان.. هما دائرة (الدين)، وعندما أذكر الدين لا أرمي إلا إلى المجاز الذي يسمي الدالَّ باسم المدلول، بمعنى أني ألمح إلى منهج القراءة، وطرق الممارسة المفسرة له، التي ألمحنا إلى نموذج من إجراءاتها. والدائرة الثانية هي (القبيلة)، وإذا ما رمزتُ إلى القبيلة أو لمزتُ بها.. فإنني ما حاولت إلغاء الخصوصية.. هذا لأنها خصوصية في موقع لا نستطيع معه إلغاء العمومية.. فخصوصية الوضع القبلي تصوراً وفكراً باشرت مستوى آخر في إهمال (الوطنية) إهمالاً عملياً أكثر منه نظرياً. والدائرتان قد تتداخلان، وقد تفترقان.. وقد تنوب إحداهما عن الأخرى في حال، وكأن معاهدة التداول بينهما قضت بشيء واحد لا غير.. وهو أن تحك الواحدة منها ظهر الثانية..
فوجدتني على غير تدبير ولا تواطؤ أنتهج حيلة أهل البيان فيما يسمونه باللف والنشر اللامرتَّب، جاعلاً من الثاني أو الدائرة الثانية (القبيلة)، بوصفها مرتبة دنيا، بل هي لاحقة، رفعت عليها قواعد السابقة بوجه من الوجوه، أي أنها مقدمة لما فوقها، وهي دائرة الدين..
ف(القبيلة) إذا ما انفردت سوف تمثل، بالضرورة السكنية، الدرع الأناسي الوحيد لمعطنها أو لأرضها، أما إذا ما تعددت وازدحمت عناوينها، وسوف يمسي العنوان قبلة للمشاعر ومدرسة للتصورات والمفاهيم، حتى تفنى النفوس في هذه العناوين، ستشهد الأرض حالئذ أدواراً من المنازعة والمدافعة، قلما تفضي إلى مصير سوى وبال يحيق بالمكان، وإلى وجدان يختزن في جوانبه ذهنية طائفية، تصبح سلوكاً عاماً يمارس خندقته وانطواءه إزاء كل مغاير في النسب.. أو مباين في البيئة..! لنلتقي مع هذه الذهنية في تشكلها أو في أخذها لمطارح أخرى تتموضع كمعادل معنوي للمنزع القبلي تحت عنوان المذهب أو الفرقة من دائرة الدين.! إلى أن يفاجؤونا انقلاباً وظيفياً في نظام المجتمع، انقلاب يشبه بوجه من أخلاقه ذلك الانعكاس الدوري الحيوي في جسم الإنسان حينما تأخذ كريات الدم البيضاء نمواً مضاداً لحركة سيرها، تنتقل في موقعها من عملية الدفاع عن الجسم بلفظ المكروبات عنها إلى الهجوم عليه في مقتل أخواتها كريات الدم الحمراء.. التي تتعاطى تنظيم الأكسجين لذات الجسم، حتى يتآكل الجسم من داخله وينهار غيلة، ومن ثَمَّ يُدلى في قبره على بؤس وحسرة..!
أحسب أننا بعد العرض الممثل أصبحنا في التواء مع الفكرة، أو أن الفكرة باتت تلتوي بنا. لكن، وبشيء يسير من التأمل.. نرانا لم نبرح الإطار الحاضن للمركب الناشئ من عنصري (الدين) و(القبيلة) في مزواجة نستطيع أن نستولد منها عنواناً جانبياً كحاشية تغيب وتظهر، يجوز لنا نعته ب(قبلنة الدين)، أو (شرعنة القبيلة)؛ ليبقى العنوان نتيجة تبدو فيها عصبية الذهن القبلي أفقاً وتتعمق عاموداً مع المفهوم الديني.. سيما في قضايا الفرز المذهبي، أو الالتزام العقدي.. ودورهما في تشريح حال سموهما وتجليهما الوطن والوطنية..!
بقي علينا مما بقي أن نستحضر عوامل التأثير والتأثر بين (القبيلة) و(الدين) ومفاعليهما في تصديع الجهاز الوطني، ولا يصح هذا حتى تلتفت شطر فئة كبيرة لا تعاني ذاتياً من أزمة القبيلة وتعقداتها. وإن كانت تعاني منه عرضياً أو موضعياً، فهي فئة تشكل ملمحاً بارزاً في صورة الاجتماع السعودي، ودور (القبيلة) في مواجهتها بالضبط العرفي.. أو التوجيه النرجسي.. كلما تلبس أردية الشريعة أو الدين وأساليب المبادلة فيما بين الفريقين.. فريق اللجوء القبلي، والفريق الآخر الذي اصطلحنا على وصفه بالاجتماع الحضري، حسب المنطوق السائد في المنطقة.. لا حسب منطوق الاجتماع كعلم مستقل. وسنعرض لهذه الفئة (الحضر) ولو بإيجاز فيما سيأتي من كلام.


nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved